المستثمرون يعدلون نظرتهم ويعودون إلى استراتيجيات النمو
اشترى مستثمرون كبار خلال الشهرين الماضيين أسهما في شركات لديها احتمالات نمو قوية بدلا من أسهم القيمة الرخيصة، في تراجع مفاجئ مدفوع بتغير وجهات النظر بشأن أسعار الفائدة، والتضخم، وخطر حدوث ركود أمريكي.
استراتيجيات القيمة الأمريكية التي تبحث عن شركات ذات أسعار رخيصة، استنادا إلى مقاييس مثل الأرباح أو التدفقات المالية أو القيمة الدفترية، تأخرت منذ منتصف حزيران (يونيو) عندما بدأ مؤشر إس آند بي 500 انتعاشا من أدنى نقطة له هذا العام، مدفوعا برهانات جديدة على أسهم التكنولوجيا وغيرها من القطاعات الحساسة للنمو.
انتعاش الاهتمام بأسهم النمو، وضعف أداء أسهم القيمة، يمثل عودة إلى اتجاه ظل، سائدا منذ الأيام الأولى لأزمة فيروس كورونا في 2020 حتى ديسمبر 2021. التضخم الآخذ في الارتفاع وخطط البنوك المركزية للتخلص من حوافز فترة الجائحة أديا إلى الإضرار بأسهم النمو في النصف الأول من 2022، لكن المخاوف من حدوث ركود تسببت الآن في تأرجح البندول في الاتجاه الآخر مرة أخرى.
قال مايكل هارتنت، كبير استراتيجيي الاستثمار في بانك أوف أمريكا "كان المستثمرون متوجسين بشأن مخاطر التضخم في النصف الأول من العام والآن تطاردهم المخاوف بشأن الركود. هذا يبرر التحول إلى تفضيل أسهم النمو على أسهم القيمة".
ارتفع مؤشر إس آند بي 500 لأسهم القيمة 12.6 في المائة، بما في ذلك العائد على الأسهم في الفترة من 16 يونيو حتى نهاية التداول يوم الخميس، في حين حقق مؤشر إس آند بي 500 لأسهم النمو عائدا إجماليا 22 في المائة، ما يعكس تحولات المحافظ من قبل بعض أكبر المستثمرين في العالم.
ولأول مرة منذ أغسطس 2020، يتوقع مزيد من مديري الصناديق الآن أن تتفوق أسهم النمو في أدائها على أسهم القيمة على مدار الـ12 شهرا المقبلة، وفقا لأحدث دراسة استقصائية أجراها بانك أوف أمريكا، استطلعت آراء 250 مدير استثمار يديرون أصولا تبلغ قيمتها مجتمعة 752 مليار دولار.
ويتوقع نحو 88 في المائة من المستثمرين الذين شملهم الاستطلاع أن يتراجع التضخم في الولايات المتحدة خلال الـ12 شهرا المقبلة، كما بدأت مخاوفهم من أن يفرض الاحتياطي الفيدرالي زيادات قاسية في أسعار الفائدة بالتراجع.
قال هارتنت "إن ذلك أدى في يوليو إلى تحول من القطاعات الدفاعية، بما في ذلك المرافق العامة والصحة والسلع الاستهلاكية، إلى قطاعات التكنولوجيا والمصارف والطاقة والأسهم التقديرية الاستهلاكية".
واستفاد عمالقة صناعة التكنولوجيا، أبل وأمازون وتسلا، من انتعاش أسهم النمو، في حين كافحت شركات أسهم القيمة، بما في ذلك فايزر وداو، للمواكبة.
يتجلى انعكاس المعنويات أيضا في تدفقات الصناديق المتداولة في البورصة. تظهر بيانات من شركة ستيت ستريت أن صناديق القيمة المدرجة المتداولة في البورصة، المدرجة في الولايات المتحدة، سجلت تدفقات خارجة صافية بلغت 39 مليون دولار في يوليو ـ أول الانسحابات بعد 11 شهرا من التدفقات الداخلة. في الوقت ذاته، اجتذبت صناديق المؤشرات المدرجة في البورصة، التي تركز على النمو، التي كانت غير مفضلة في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، تدفقات داخلة صافية 4.9 مليار دولار في يوليو.
قال توبي جيب، الرئيس العالمي لتوجيه الاستثمار للأسهم والدخل الثابت في شركة فيديليتي إنترناشونال، "مع تحول المخاوف من خطر الركود التضخمي إلى الركود، أظهر المستثمرون استعدادا أكبر للدفع للشركات التي يمكنها تحقيق نمو قوي في الإيرادات".
وأضاف "لكن هذه لا تزال بيئة مقنعة لاستراتيجيات القيمة القائمة على الأفكار الفردية أو المتناقضة، ولا سيما إذا كانت أساسيات الشركة قوية"، معتبرا "شراء الأسهم الرخيصة لمجرد أنها تتداول على تقييم غير مكلف ليست استراتيجية ناجحة على الأغلب. يجب أن يكون المستثمرون أكثر فطنة عند البحث عن الشركات التي يمكن اعتبارها ذات قيمة".
عادت الفجوة في التقييمات بين الأسهم الرخيصة والمكلفة على مستوى عالمي - المعروفة باسم فارق القيمة - إلى المستويات القصوى التي شوهدت في ذروة فقاعة الأسعار في أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية في مارس 2000، وفقا لـ"أيه كيو آر"، شركة إدارة الاستثمار الكمي.
ريتشارد هال، مدير المحفظة في "إم آند جي إنفيسمنت"، لاحظ أن احتمالات النجاح تأرجحت بقوة أكبر لمصلحة استراتيجيات القيمة، لأن تشتت التقييم بين الأسهم الرخيصة والمكلفة كبير للغاية. إضافة إلى ذلك، أدى التأثير الحاد لصدمة أسعار الطاقة الحالية إلى وجود قدر أكبر من عدم اليقين بشأن آفاق أرباح الشركات.
قال هال، الذي يقترح الاستثمار في الشركات ذات نسب الأسعار المنخفضة إلى الأرباح بدلا من الاستثمار في أسهم النمو الأعلى تكلفة، "تشير التقييمات المرتفعة المرتبطة بأسهم النمو إلى درجة قوية من اليقين بشأن الأرباح المستقبلية. ومع ذلك، تدهورت التوقعات للاقتصاد وسيكون هناك خاسرون وستجد بعض الشركات صعوبة في مطابقة تكاليف المدخلات المتزايدة مع الأسعار التي تفرضها على العملاء".
لكن التدهور المستمر في بيانات النشاط الاقتصادي يعني أن من السابق لأوانه القفز مرة أخرى إلى أسهم القيمة، وفقا لميزلاف ماتيجكا، محلل الأسهم في بنك جيه بي مورجان.
قال ماتيجكا "تعد البيانات الاقتصادية الأقوى إيجابية بشكل عام لقطاعات أسهم القيمة بما في ذلك المالية. ولا نرى أن البيانات الكلية ستزداد قوة قبل الربع الرابع".
وتزايدت المخاوف من انتقال الاقتصاد الأمريكي إلى الركود ما أدى إلى زيادة الطلب على السندات الحكومية الآمنة. نتيجة لذلك انخفضت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام إلى 3 في المائة، هبوطا من أعلى مستوى بلغ 3.5 في المائة تقريبا في 14 يونيو ـ قبل يوم من رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة المعياري 0.75 نقطة مئوية.
قال روجر ألياجا دياز، كبير الاقتصاديين المختص في الأميركتين لدى شركة فانجارد، ثاني أكبر مدير للأصول في العالم، "إن استراتيجيات القيمة عادة ما تكون أكثر تعرضا للأسهم الدورية الحساسة اقتصاديا، لذا تميل إلى أن تصبح غير مفضلة عندما يتوقع المستثمرون حدوث ركود".
مع ذلك، حذر المستثمرين من توقع أي تخفيف في السياسة النقدية في المستقبل القريب، نظرا لشدة الضغوط التضخمية الحالية وحاجة الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى إلى إعادة ترسيخ استقرار الأسعار.
الإشارات التحذيرية من حدوث ركود يتم تجاهلها من قبل سوق السندات الأمريكية، وفقا لمايكل ويلسون، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك مورجان ستانلي.
قال "لقد فسر المستثمرون الانخفاض في عائدات السندات بأنه أمر إيجابي بالنسبة إلى أسهم النمو. ويفترضون أن الأرباح من أسهم النمو ستكون أكثر مرونة في حال حدوث ركود. لكن هذا خطأ".