"المركزي الأوروبي" يترك ديون منطقة اليورو بدون شبكة أمان
تسجل سندات الحكومة الألمانية الآن أكبر تقلباتها منذ أزمة ديون منطقة اليورو قبل عقد من الزمان، بعدما أدى انسحاب البنك المركزي الأوروبي إلى تجريد السوق من أحد أهم المشترين. وأدت ظروف التداول المتدهورة إلى زيادة قوية في التقلبات في السوق التي تشكل معيارا لتكاليف الاقتراض في جميع أنحاء المنطقة.
تحرك العائد على السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام في نطاق 0.1 نقطة مئوية على الأقل خلال 79 يوما في 2022، وفقا لحسابات فاينانشيال تايمز المستندة إلى بيانات شركة رفينيتيف. لم تتأرجح عوائد السندات في مثل هذا النطاق الواسع بشكل منتظم منذ 2011 ولم يحدث ذلك إلا في يوم واحد من العام الماضي.
تم كبح السيولة في أسواق السندات في المنطقة - القدرة على تداول الديون بسهولة - بسبب المخاوف من الركود الذي يلوح في الأفق، مع تزايد الاتجاه الهبوطي بشأن التوقعات مع رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لخفض التضخم الحاد.
قال أنطوان بوفيت، كبير استراتيجيي أسعار الفائدة في بنك أي إن جي الهولندي، "الأوضاع متدهورة في أسواق السندات. يملك الجميع الرأي نفسه لذلك لا أحد على استعداد لاتخاذ الجانب الآخر".
يشير واضعو سعر الفائدة في البنك المركزي الأوروبي إلى أن رفع سعر الفائدة نصف نقطة مئوية أخرى أمر محتمل في اجتماع البنك المقرر في الثامن من أيلول (سبتمبر)، بعد تحرك مشابه في الشهر الماضي.
قالت إيزابيل شنابل، عضوة مجلس الإدارة التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي، "حتى لو دخلنا في حالة ركود، فمن غير المرجح أن تهدأ الضغوط التضخمية من تلقاء نفسها".
وحذر يواكيم ناجل رئيس البنك المركزي الألماني، في عطلة نهاية الأسبوع من أن التضخم في أكبر اقتصاد في أوروبا من المرجح أن يتجاوز 10 في المائة للمرة الأولى منذ 70 عاما. قال، "مع ارتفاع معدلات التضخم، يجب أن يتبع ذلك مزيد من الزيادات في أسعار الفائدة".
في الوقت نفسه، لم يعد بإمكان متداولي السندات الاعتماد على البنك المركزي الأوروبي باعتباره مشتري الملاذ الأخير، بعد أن أزال البنك شبكة أمان مهمة هذا العام من خلال توقف برنامج شراء الأصول خلال حقبة الجائحة الذي تبلغ قيمته 1.7 تريليون يورو وبرنامجه الرئيس لشراء السندات بقيمة 3.3 تريليون يورو.
كذلك عانت السندات الإيطالية تقلبات كبيرة في الأشهر الأخيرة. الفارق بين عوائد السندات الألمانية والإيطالية لأجل عشرة أعوام - الذي ينظر إليه على أنه مقياس رئيس للمخاطرة - كان قريبا من 2.3 نقطة مئوية الإثنين الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ شهر تقريبا، ما يؤكد القلق بشأن نتائج الانتخابات الإيطالية الشهر المقبل وتوقعات رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي.
ارتفاع أسعار الفائدة واحتمال حدوث تباطؤ عالمي طويل الأمد دفعا مديري الصناديق إلى إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية، وسحب كثيرون الأموال من أسواق السندات حيث تتآكل القيمة بسبب الضغوط التضخمية. ويرفض بعضهم استخدام أموالهم، في انتظار نشر البيانات بحثا عن أدلة حول مسار الاقتصادات الأوروبية والأمريكية. مثلا، ارتفع العائد على السندات الألمانية لأجل عشرة أعوام إلى 1.3 في المائة من سالب 0.18 في المائة في نهاية 2021.
عادة ما يهدأ نشاط السوق خلال أشهر الصيف. لكن بوفيت قال حتى قبل الدخول في فترة الهدوء الموسمية في آب (أغسطس) "كانت السيولة في سوق السندات تزداد سوءا بسبب عدم اليقين الكلي وتقلص الرغبة في المخاطرة بدرجة أكبر".
وقد أدى ضعف السيولة إلى زيادة التقلبات، وأصبحت أسعار السندات تتأرجح على أساس تطورات وأخبار صغيرة ظاهريا.
قالت لين جراهام تيلور، كبيرة المحللين الاستراتيجيين لأسعار الفائدة في شركة رابوبنك، "هناك تحركات كبيرة في الأسعار على أساس أمور غير مهمة، كما أن هناك القليل من الاضطراب في تسعير الأصول في السوق المالية".
من جانبها، أشارت سنيجدها سينغ، الرئيسة المشاركة للدخل الثابت الأوروبي وتداول العملات والسلع في بانك أوف أمريكا، إلى أن هناك عددا أقل من صفقات السندات السيادية والشركات الجديدة عبر القارة. قالت، "سيحتاج المصدرون للتعامل مع النوافذ المتقلبة" إذا كانوا يريدون القدوم إلى السوق، مضيفة "من المعقول بالتأكيد أن نشهد تأجيل بعض الصفقات".
لم تقتصر مشكلات السيولة في أسواق الديون على منطقة اليورو هذا العام. واجه المشاركون في سوق سندات الخزانة الأمريكية البالغة قيمتها 23 تريليون دولار تحديات كبيرة أيضا. أشار ويليام مارشال، من بنك جولدمان ساكس إلى أن "سيولة السوق الأمريكية كانت موضوعا بارزا في أسعار السندات الحكومية هذا العام".
وبحسب كريج إنشز، رئيس أسعار الفائدة والنقد في شركة رويال لندن أسيت مانيجمنت، ظروف سوق السندات العالمية أدت إلى زيادة فروق أسعار العرض-الطلب، ما يشير إلى الفرق بين سعر البيع الفوري للأصل وسعر شرائه. وتميل فروق أسعار العرض-الطلب إلى التوسع خلال الأسواق المتقلبة وعادة ما تشير الفجوة الأوسع إلى تدهور السيولة.
قال إنشز، "أصبحت فروق أسعار العرض-الطلب كبيرة جدا بالفعل، ولا سيما عندما تتحرك الأسواق بسرعة كبيرة. قد يكون هناك عنصر يظهر لنا فيه سعر لا نفضل دفعه لإتمام تلك الصفقة".
في الوقت الحالي، أنهت البنوك المركزية شراء السندات، أو التسهيل الكمي، لكنها لم تبدأ بعد في بيع ما لديها في دفاترها. وينقسم المستثمرون حول التأثير المحتمل "للتشديد الكمي" عند حدوثه، وينتظرون بفارغ الصبر بيع بنك إنجلترا أوراق مالية مضمونة القيمة في السوق الشهر المقبل بهدف تقليص ميزانيته العمومية.
قال بوفيت، "عندما يكون لديك لاعب رئيس يدفع السوق في اتجاه معين، فهذه مشكلة. هذا أمر مخيف بالنسبة إلى أي مستثمر (...) من سيتخذ الجانب الآخر من هذا الوضع وبأي ثمن؟".