قراءات
بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة
لا مناص من التفريق بين عرض المسائل ودرسها دراسة تفصيلية في مؤلفات البلاغيين لأنهم يريدون دراسة المسألة على كل وجوهها بقطع النظر عن المآل الذي تؤول إليه، وبين ضوابط الإنجاز والعناصر المتحكمة فيه التي قد تستفيد من ذلك الدرس، لكنها تكون مجبورة على الاستجابة لمقررات أخرى تجبرها على أن تخرج عن تلك الضوابط وتصوغ الخطاب صياغة يتحكم فيها راهن القول ودواعيه وإدراك هذا الفرق أمر لا بد منه لكي نفهم المسافة الفاصلة بين "الوصفات التعليمية" التي يبنيها الخطاب البلاغي النظري في الكتب وبين إنجاز اللغة وإعطائها وجهها العملي في المخاطبات. فما جاء في كتب البلاغة من دراسات لمختلف تلك الأساليب وأهميتها في إنتاج المعاني الثواني شبيه إلى حد كبير بدراسة النحاة في كتب النحو لنظام اللغة. ونحن نعرف أن ذلك النظام وإن كان مشتقا من الاستعمال والإجراء يختلف عنه اختلافا بينا، وأكبر دليل على ذلك حديثهم عن التراكيب وخواص التراكيب.
برلين
يسرد محمد سامي الكيال في روايته الأولى صورة متخيلة لبرلين متخذا من حي فيها اسمه "شام" نموذجا لنوعية الصراعات التي تدور في المدينة التي باتت متعددة الأعراق بسبب ازدياد عدد المهاجرين فيها. يسيطر محمود الأسود على "شام" ويسعى لأن يمد سيطرته على برلين من خلال حزب سياسي هو "حزب الشعب الجديد". يدخل الانتخابات ويفوز بأغلبية المقاعد، لكن تظهر حركة تتبنى شعار "ألماني على أرض ألمانية" في مواجهة حزب مامو. نرى هذا الصراع يدور بين عدة جهات: مامو وحزبه، وغريمه المحقق الألماني بيتر كلوكنير، وعائلة الشيخ إسماعيل الذي يسيطر على تجارة المخدرات، وشخصيات أخرى عديدة: زوجات مامو، اللواتي اختلف الناس في عددهن. الجوليارديون الجدد، الذين لا نعرف إن كانوا شعراء أم إرهابيين.
آمال عظيمة
في إحدى قرى الريف الإنجليزي، في القرن الـ19، يعيش "بب" الصغير حياة فقيرة بصحبة أخته القاسية وزوجها الحداد الطيب. تقوده الأقدار إلى لقاء بمجرم هارب مروع، وامرأة ثرية غريبة الأطوار تعيش منعزلة في بيت لا يدخله نور الشمس، وفتاة فاتنة بلا قلب. غير أن حياته تمضي في طريقها المحتوم. إلى أن تهبط عليه ثروة عظيمة من شخص مجهول، تعده بآمال عظيمة، فيترك ورشة الحدادة لكي يصبح "جنتلمان" مبحرا وسط أمواج المجتمع الفيكتوري، وبصعوبة يتعرف على نفسه وعلى العالم من حوله.
في رحلة "بب" الصغير من الطفولة إلى الشباب، يأخذنا ديكنز، بوصفه البديع، وحسه الساخر، وعينه الناقدة، وقدرته على الغوص في أعمق المشاعر الإنسانية، لنستكشف معه الجريمة والندم، الأمل واليأس، الانتقام والعفو، الواقع والخيال، الحلم والوهم، الجد والهزل، والأغلال الخفية التي تشدنا إلى الماضي.