شركات الدائرة السحرية تسعى إلى زيادة حصتها في السوق الأمريكية الأكثر ربحية
لعقود من الزمان، ثبت أمام شركات المحاماة الكبرى في لندن أن اختراق الولايات المتحدة كان صعب المنال.
لكن "فريشفيلدز بروكهاوس ديرنجر" و"كليفورد تشانس" و"ألن آند أوفيري" جميعها شركات تخوض عملية دخول متجددة إلى أكثر الأسواق القانونية ربحا في العالم تسعى من خلالها شركات "الدائرة السحرية" إلى الاستفادة من مواطن القوة التي حققتها سابقا في أوروبا لتصبح من الشركات ذات الوزن الثقيل عالميا.
تدفع هذه الشركات في عدة اتجاهات مكلفة، باقتناص المحامين الأمريكيين اللامعين عن طريق عقد صفقات رواتب قياسية معهم وافتتاح مكاتب لأول مرة في كل من لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو.
بالنسبة إلى جيل المحامين الذين يقودون الحملة الأخيرة، التي بدأت في 2019، فإن المكافآت التي يتوقعونها مقنعة لهم، مثل امتلاك حصة أكبر من السوق الأمريكية والشهرة التي سيتمتعون بها بعد تحقيق ما لم يستطع أسلافهم تحقيقه.
لكن تصيد مثل هذه المكافآت محفوف بالمخاطر. قامت الشركات الأمريكية المنافسة وذات الإمكانات المالية الكبيرة والأكثر ربحية بإجبار شركات لندن على تمزيق المعاهدات التي كانت على مدى عقود تحكم طريقة دفعهم لرواتب المحامين. لدى هذه الشركات أيضا علاقات وطيدة مع شركات أمريكية تجعل من الصعب عليهم التأثير فيها.
لكن تيم هاوس، الشريك الأمريكي الرئيس في شركة ألن آند أوفيري، لا يقلل من أهمية العقبات التي تواجه المتمردين القادمين من المملكة المتحدة.
قال، "تعد الولايات المتحدة سوقا متطورة وعميقة للغاية تخدمها جيدا شركات عالية الجودة تتمتع بأواصر علاقات متينة جدا مع العملاء الذين يتمركزون في الولايات المتحدة، لذا فإن اقتحام هذه السوق يعد تحديا أمامهم، إلى جانب حقيقة أن مكاتب المحاماة الأمريكية مربحة للغاية و تعمل بنموذج مكافآت مختلف عنهم".
منذ التخلي عن الاندماج مع شركة أوميلفيني آند مايرز الأمريكية للمحاماة في 2019، قامت شركة ألن آند أوفيري بتدعيم طموحاتها في أمريكا من خلال الاستثمار. افتتحت مكاتب إضافية في بوسطن وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس ووادي السيليكون منذ بدايات 2021، بينما عينت 40 شريكا أمريكيا خلال العامين ونصف الماضيين.
أثبتت شركة فريشفيلدز جرأة نهجها بالقدر نفسه. بقيادة جورجيا داوسون، الشريكة الجديدة، اصطادت المؤسسة التي يبلغ عمرها 300 عام تقريبا 20 شريكا أمريكيا منذ 2020. استقطبت خمسة شركاء لمصلحتها من شركات محاماة رائدة، من ضمنها "لاتام آند واتكينز"، لافتتاح مكتبها في وادي السيليكون الذي تهدف من خلاله إلى الحصول على حصة من الأعمال التي تطورت في عاصمة التكنولوجيا العالمية.
التوسع الذي تقوم به شركة فريشفيلدز بات يؤتي ثماره، كما قال إيثان كلينجزبيرج الذي استقطبته "فريشفيلدز" من شركة كليري جوتليب ستين آند هاميلتون الأمريكية بصفقة أجر قيمتها عشرة ملايين دولار، حيث حطمت بذلك سقف أجورها السابقة في العملية.
قال كلينجزبيرج إن شركة فريشفيلدز "تنافس وتزاحم الآخرين (...) الذين نعمل على التغلب عليهم ليسوا فقط شركات بريطانية، بل أيضا شركات أمريكية كبرى مثل شركة واشتيل وليبتون وروزين آند كاتز، وشركة سوليفان آند كرومويل، وبول، وأيس ريفكيند، ووارتون آند جاريسون. لم يكن الهدف من استراتيجية الدخول في السوق الأمريكية مجرد تعيين شخصين وقعا على كثير من الصفقات، بل من أجل بناء منصة ذات عمق واسع".
حصلت الشركة العالمية التي تتخذ من لندن مقرا لها على دور في استحواذ شركة أسترازينيكا لصناعة الأدوية على مجموعة أليكسيون فارما الأمريكية للأدوية بقيمة 39 مليار دولار في 2020، وهي واحدة من كبرى الصفقات في ذلك العام. كانت "فريشفيلدز" واحدة من أفضل عشر شركات استشارية قانونية في عمليات الاندماج والاستحواذ في أمريكا العام الماضي، حيث أشرفت على تعاملات مالية بقيمة 164 مليار دولار، وفقا لبيانات "بلومبيرج".
اعترف رئيس إحدى أكبر شركات المحاماة في وول ستريت بأن توظيف كلينجزبيرج من قبل "فريشفيلدز"، إلى جانب تعيينات أخرى مميزة مثل داميان زوبيك، محامي الاندماج والاستحواذ البارز من "كرافاث وسواين آند مور"، قد "جذب انتباه الناس بالتأكيد".
قال، "أعرف أشخاصا هنا اقترحوا أخيرا شركة فريشفيلدز للعمل لمصلحة شركة محافظ استثمارية خاصة لم نتمكن من التعامل معها سابقا، هذا الشيء لم نكن لنفعله قبل بضعة أعوام".
أضاف المصدر نفسه أن الشركات الأمريكية القائمة، التي تتضمن "سوليفان آند كرومويل" و"سيمبسون ثاتشر آند بارتليت"، لا "ترتعش من الرعب".
بينما جلب كلينجزبيرج معه دفعة قيمة من العمل من "جوجل"، حيث عمل لديها مستشارا في السابق، إلا أن تعيينه كشف أيضا عن التغييرات المثيرة للجدل في هياكل المكافآت التي تقوم بها شركات لندن في سبيل تحقيق طموحاتها في أمريكا.
أجرت كل من "كليفورد تشانس" و"ألن آند أوفيري" و"فريشفيلدز" و"لينكليترز" تغييرات على نموذج المكافآت "الموحد" الذي كان يعني لعقود من الزمن أن الدفع للشركاء يتم عن طريق احتساب وقت العمل، ليس بتقييم الأداء. على النقيض من ذلك، كان نموذج "كل ما تصطاد" المدفوع بحجم العمل الذي تجلبه سائدا منذ فترة طويلة في معظم الشركات الأمريكية الكبرى.
قال جون ليندسي، الشريك المؤسس لشركة ميجور، ليندسي آند آفريكا للتوظيف، "الانضمام إلى إحدى شركات الدائرة السحرية للتأسيس لعمل محلي في الولايات المتحدة هو ممارسة أكثر خطورة بكثير من مجرد البقاء في شركة مثل كرافاث، لأنك تؤسس لبناء شيء من الألف إلى الياء. لذا من أجل التعويض عن ذلك، عليهم أن يجعلوا أعمالهم جذابة من الناحية المالية".
سمحت التغييرات التي أجرتها الشركات بزيادة مكافآت كبار الشركاء بغض النظر عن الوقت الذي يمضونه في الخدمة. في 2020، وسعت شركة ألن آند أوفيري نطاق نقاط الأسهم، التي كانت تبلغ قيمة كل منها نحو 45 ألف جنيه استرليني، لمنحها للمحامين البارزين من خارج النطاق السابق الذي كان يراوح بين 20 إلى 50 سهما ووسعت مجموعة المكافآت الخاصة بها.
قال هاوس، "أدركنا أنه كان يتعين علينا أن نصبح أكثر طموحا من خلال برنامج التوظيف الجانبي الخاص بنا وأن نغير نموذج التعويض لتسهيل حدوث ذلك".
الطموح في دخول السوق الأمريكية ليس بالأمر الجديد على شركات لندن التي اعتادت على السيطرة على أرضها - لكنها تفتقر إلى وجود أمريكي كبير - وهي غير قادرة على تتويج نفسها باعتبارها قوة عالمية.
دخلت شركات الدائرة السحرية لأول مرة إلى نيويورك في سبعينيات القرن الماضي، حيث افتتحت "لينكليترز" مكتبا في 1972، وتبعتها في ذلك "فريشفيلدز" في 1977، ثم شركة ألن آند أوفيري في 1985. لكن جميع هذه الشركات عانت في سبيل غزو السوق الأمريكية.
بعد ذلك بأكثر من أربعة عقود، ما زالت شركات النخبة تشكل عقبات هائلة مثل سوليفان آند كرومويل، التي لديها قائمة من عملاء الأسهم الخاصة القيمة، وهي مستشارة لأكبر المصارف في وول ستريت وكذلك شركات فورتشون 500، والشركات العملاقة في شيكاغو مثل "كيركلاند آند إيليس".
قال توني ويليامز، الشريك الإداري السابق في شركة كليفورد تشانس ومؤسس شركة جوماتي الاستشارية، "لا يمكنك الادعاء بأنك شركة محاماة عالمية دون أن يأتي 20 في المائة على الأقل من إيراداتك من الولايات المتحدة. الدائرة السحرية لم تحقق ذلك بعد".
لم تثبت جراءة شركة لينكليترز مثل منافساتها في لندن في التوغل في سوق الولايات المتحدة. وفقا لنتائجها الأخيرة، حققت شركة آلن آند أوفيري 13 في المائة من إجمالي إيراداتها في الولايات المتحدة، مقارنة بـ9 في المائة في العام المالي السابق.
شكلت الولايات المتحدة أيضا 13 في المائة من إيرادات "كليفورد تشانس" في العام المالي 2021-2022، وهو المستوى نفسه في الفترة السابقة. كانت الشركة الوحيدة في الدائرة السحرية التي كشفت لصحيفة "الفاينانشال تايمز" عن معلومات حول أرباحها في الولايات المتحدة، التي نمت 80 في المائة خلال الأعوام السبعة الماضية.
ترك ويليامز شركة كليفورد تشانس في فترة اندماجها مع شركة روجرز آند ويلس في نيويورك في 2000، وهي شراكة أسست لشركة تضم 2700 محام على مستوى العالم. في حين أن الصفقة دفعت الشركاء إلى مغادرتها وأدت إلى مصادمات بينهم حول ثقافة الشركة، وقد شكلت أيضا وجودا أمريكيا أكبر حيث قامت الشركة بالبناء عليه. من بين العملاء الرئيسين في الولايات المتحدة مجموعتا الأسهم الخاصة "أبولو" و"كارلايل" إضافة إلى مصارف مثل جيه بي مورجان.
أشار هاوس إلى أن الاندماج مع شركة أمريكية هو إحدى وسائل التوسع لكنه يجلب معه المخاطر. أشار إلى أن "الاندماج يمنحك خطوة تحويلية نحو التوسع والقدرة". قال، "إذا كنت تستطيع القيام بذلك ويمكنك أن تتمسك بقيمك وثقافتك في الوقت نفسه، فهذه هي الطريقة المثلى، لكن في وضع تلك الشروط المسبقة (...) فإنك تدرك صعوبة الأمر".
تحطيم سقف الأجور لم يؤد سوى إلى زيادة الضغط على الشركات لضمان استمرار نمو صافي الأرباح في الولايات المتحدة.
قال رئيس شركة محاماة أمريكية، "لا أعرف مدى تسامح الشركاء في لندن عندما يرون غيرهم يحصلون على شيكات رواتب ضخمة. سبب ذلك هو مجموعة من المغرورين الضعفاء في هذه الصناعة".
قد لا تتأثر الشركات الأمريكية بسبب شيكات الرواتب الكبيرة التي تستعد شركات لندن لكتابتها لكي تضم إليها المحامين البارزين، أو بسبب طموحاتها في وادي السيليكون، لكن لم يظهر أي بادرة من شركات الدائرة السحرية على تراجعها.
وقال ويليامز، "هذا السؤال صعب بالنظر إلى حجم وعمق السوق الأمريكية والاختلافات في الربحية. إنهم يحرزون تقدما جيدا، لكنهم لم يحولوا السوق بعد".