المساءلة وتقويض حرية البنوك المركزية مطلب السيطرة على التضخم
قبل عقد، بلغ احترام محافظي البنوك المركزية ذروته. من خلال ثلاث كلمات، أنهى التزام ماريو دراجي بفعل "ما بوسعه" أزمة منطقة اليورو وأظهر قيمة المؤسسات القوية والمستقلة. التصريحات الموثوقة من صانعي السياسات الموثوق بهم تصنع العجائب. لكن تدخل دراجي بصفته رئيسا للبنك المركزي الأوروبي كان ذروة الاحترام.
اشتكى دونالد ترمب مرارا وتكرارا من أن رفع الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة بين 2017 و2019 يقوض نجاحه الاقتصادي. وصف ترمب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول بأنه "عدو" للولايات المتحدة وزملاءه بـ"الأغبياء"، هما إهانتان من بين كثير من الإهانات التي ألقاها الرئيس السابق.
بعد ترمب جاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. اختار شهاب كافجي أوجلو في أوائل 2021 ليكون محافظا للبنك المركزي يمكن الاعتماد عليه أخيرا لتنفيذ فكرة الرئيس غير التقليدية بأن أسعار الفائدة المنخفضة تخفض التضخم.
الآن، مع اتجاه التضخم في المملكة المتحدة إلى أرقام زوجية، تعهدت ليز تراس، المرشحة الأولى لمنصب رئيس الوزراء المقبل، بمراجعة استقلالية بنك إنجلترا. وجه حلفاؤها، مثل المرشح الأول لمنصب المستشار القادم كواسي كوارتنج، تهديدات ضمنية، قائلين، "نحن بحاجة إلى النظر في الخطأ الذي حدث".
سيكون من السهل إظهار ترمب وأردوغان كعبرة لتراس. باول محق بتجاهل تنمر ترمب. لأننا نعلم، بعد أعوام قليلة، أن الخطأ الأساسي للاحتياطي الفيدرالي كان تحمل معدلات فائدة منخفضة للغاية لفترة طويلة جدا، ما أدى إلى زيادة التضخم. تركيا، التي خفضت أسعار الفائدة بناء على أوامر أردوغان، تعاني الآن معدل تضخم رسمي بلغ 79.6 في المائة في تموز (يوليو)، ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن المعدل الحقيقي أعلى من ذلك.
لكن هذا الاستنتاج سيكون خاطئا. كثير من مواقف تراس وكوارتنج الاقتصادية غريبة، لكنهما محقان في تحليلهما بحدوث خطأ ما في بنك إنجلترا. بالطبع، أسهمت أسعار الطاقة المرتفعة كثيرا في زيادة التضخم، لكن المصائب اجتمعت على المملكة المتحدة - معاناتها من الطلب المفرط مثل الولايات المتحدة، وهبوط في عرض القوى العاملة الذي فشل بنك إنجلترا في ملاحظته، وشركات تشعر بالراحة في رفع الأسعار، وعمال مصممون على حماية أجورهم. لا عجب أن التضخم يرتفع إلى 13 في المائة.
عند محاولة الدفاع عن استقلال بنك إنجلترا في هذه البيئة، يواجه محافظه أندرو بيلي مشكلة. الحجة التقليدية هي القول إنه إذا خف الاستقلال، فستعم الفوضى الشاملة وستعود المملكة المتحدة إلى التضخم المرتفع في السبعينيات. وقد حدث هذا بالفعل.
من دون القدرة على الاستقلال، لجأ بنك إنجلترا إلى استراتيجية محفوفة بالمخاطر تتمثل في إلقاء اللوم على الآخرين والإصرار على أنه لم يرتكب أي أخطاء. وفقا لبيلي، فإن بنك إنجلترا هو أيضا ضحية لارتفاع معدلات التضخم ولم يكن بإمكانه توقع تدخل روسيا العسكري في أوكرانيا أو ما نتج عنه من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. يحب بيلي أن يقول: "نحن لا نصنع السياسة مستفيدين من تجاربنا السابقة".
بالنسبة إلى الذين يرغبون في حماية المؤسسات الاقتصادية القيمة مثل بنك إنجلترا، من المستحيل دعم موقف المحافظ. التجارب السابقة قيمة، فهي تسمح لنا بتعلم الدروس. على أي حال، لم يكن بيلي بحاجة إلى التجارب السابقة، احتاج فقط إلى الاستماع إلى كبير الاقتصاديين في البنك في شباط (فبراير) 2021، الذي حذر من أن "الخطر الأكبر في الوقت الحالي هو تهاون البنك المركزي الذي يسمح للتضخم بالانكشاف".
بدلا من ذلك، يقع بيلي في فخ إلقاء اللوم على المطر في التبلل على الرغم من أنه كان يحمل مظلة الذي وصفه الأستاذ ريكاردو ريس من كلية لندن للاقتصاد. قال ريس إنه عندما يكون هدفك هو 2 في المائة، فإن معدلات التضخم التي تزيد على 7 في المائة لأكثر من عام هي دائما خطأ البنك المركزي.
بالتالي، سيكون لرئيس الوزراء والمستشار الجديدين الحق الكامل في مراجعة تفويض البنك المركزي. أعتقد أنه من غير المحتمل أن يرغبا في تغيير المتطلبات القانونية لبنك إنجلترا "بالمحافظة على استقرار الأسعار" أو استخدام السلطات التي حددتها وزارة المالية لتوجيه لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي.
بدلا من ذلك، قد ترغب تراس في إعطاء بنك إنجلترا تعريفا جديدا لاستقرار الأسعار. لقد ألمحت إلى أنها مهتمة بهدف اسمي للناتج المحلي الإجمالي، ولأنه ارتفع أيضا بمعدل سنوي قدره 9.1 في المائة في الربع الثاني، فلن يحدث فرق كبير.
لكن يمكن لتراس وكوارتنج العمل بشكل مثالي ضمن حدود الاستقلال التشغيلي لبنك إنجلترا لزيادة حوافزه. يمكنهما تضخيم أهمية السيطرة على التضخم في الرسالة السنوية التي يكتبها المستشار لتحديد هدف التضخم لبنك إنجلترا.
الأفضل من ذلك، يمكن أن يكتب كوارتنج ردا موجه إلى بنك إنجلترا عندما يتعين عليه بعد ذلك شرح انحراف التضخم أكثر من نقطة مئوية واحدة عن الهدف. تقليديا، يقول بنك إنجلترا إن شيئا ما خارج عن إرادته قد حدث وإنه اتخذ بالفعل إجراءات لتصحيح الأمور. ثم يرد المستشار بقبول ينم عن ضعف لحجج البنك المركزي. بدلا من ذلك، يجب أن يصبح خطاب المستشار وسيلة مناسبة للاعتراض ومساءلة بنك إنجلترا.
بينما قد يجرح هذا غرور بعض كبار المسؤولين في بنك إنجلترا، فإنه لن يرسل المملكة المتحدة بأي حال من الأحوال إلى المسارات الخطرة مثل ترمب أو تركيا. يجب أن يرحب محافظو البنوك المركزية بالقيود الإضافية. القدر الكبير من الحرية والمساءلة الضئيلة للمسؤولين غير المنتخبين أمران غير صحيين في أي ديمقراطية.