بعد مكاسبها من الجائحة .. كيف ستحول «راندوكس» نظام الرعاية الصحية البريطانية؟

بعد مكاسبها من الجائحة .. كيف ستحول «راندوكس» نظام الرعاية الصحية البريطانية؟
بعد مكاسبها من الجائحة .. كيف ستحول «راندوكس» نظام الرعاية الصحية البريطانية؟

في مستودع شاسع للغاية كان يؤوي طوربيدات خلال الحرب العالمية الثانية، حشدت "راندوكس" قواتها من الفاحصين للكشف عن كوفيد - 19 في أنحاء المملكة المتحدة.
مثل الحروب، تحفز الجوائح الابتكار، وتكيفت شركة التشخيص في أيرلندا الشمالية بسرعة. في غضون أسابيع من تفشي المرض، ابتكرت فحصا، وسرعان ما توسع نطاقه في وقت النقص من خلال صنع المواد الكيمياوية والآلات الخاصة بها، وطورت الروبوتات لإجراء الفحوص بشكل أسرع.
في هذه الأثناء، أصبحت "راندوكس" ما يسمى بأحد الفائزين في الجائحة، حيث حققت ثروة وزادت من شهرة علامتها التجارية. بينما كان عملها أساسيا في معركة البلاد ضد كوفيد، إلا أنها خضعت أيضا للتدقيق جراء صلاتها بحكومة المملكة المتحدة، حيث أثيرت مخاوف بشأن عملية الشراء.
الآن تتضاءل الحاجة إلى إجراء الفحوص، وتعتزم "راندوكس" استثمار مئات الملايين من الجنيهات التي جنتها في الجائحة لغرض جديد، إعطاء الناس السيطرة على فحوصهم الصحية الخاصة بهم.
أسس العالم بيتر فيتزجيرالد الشركة منذ 40 عاما، حيث قاد شركة راندوكس وزادت كثيرا من حجم مكتبها الأصلي الذي كان كوخ دجاج في السابق. توسعت الشركة لتوزيع منتجاتها لفحص كل شيء، بداية من مرض السكري إلى الأمراض المعدية، في أكثر من 145 دولة قبل الاستثمار في وسائل التشخيص الجديدة.
نظرا إلى عدم رضاه عن نهج المملكة المتحدة في إجراء الفحوص، حلم فيتزجيرالد لفترة طويلة بتحويل الرعاية الصحية عن طريق فحص الأشخاص الذين لا تظهر عليهم أعراض لتحديد المشكلات الطبية الكامنة. يقول: إن الفحوص ضرورية لفهم ما يحدث داخل الجسم حقا.
بينما أثبتت الحرب العالمية الثانية قوة القطاع العام، الأمر الذي أبرز أهمية وجود خدمات صحية وطنية، دفعت الجائحة الحكومة نحو مقدمي خدمات الرعاية من القطاع الخاص لإجراء الفحوص وتأمين الأسرة الإضافية للمستشفيات. في الوقت الذي تكافح فيه خدمات الصحة العامة لإنهاء تراكم الأعمال القياسي، يختار مزيد من المرضى اللجوء إلى الرعاية الخاصة - وتأمل "راندوكس" أن يرغب مزيد من الأشخاص في مساعدتهم على اكتشاف العلامات المبكرة للأمراض.
كان لدى شركة راندوكس دائما خطة لتوسيع عياداتها الصحية. لكن كان لديها نقص كبير في الأموال لتمويل طموحاتها، الأمر الذي أدى إلى خسارة 12.5 مليون جنيه استرليني في الأشهر الـ18 المنتهية في حزيران (يونيو) 2020، ومكاسب قدرها 167 ألف جنيه استرليني في الفترة التي سبقت ذلك. بعد فوزها بـ22 عقد فحوص حكومية بقيمة إجمالية قدرها 469 مليون جنيه استرليني، إضافة إلى إيرادات أعمالها الخاصة باختبار كوفيد، حققت "راندوكس" ربحا قبل حساب الضرائب قدره 275 مليون جنيه استرليني خلال العام الماضي حتى يونيو 2021.
تساءل السياسيون والمنافسون عما إذا كانت "راندوكس" قد فازت بعقود فحص كوفيد بشكل عادل، الأمر الذي أثار الدهشة في الشركة التي تدفع لأوين باترسون، الذي كان نائبا محافظا في ذلك الوقت، 100 ألف جنيه استرليني سنويا بصفته مستشارا. التحقيقات في عقود الحكومة مع شركة راندوكس برأت الشركة من أي مخالفات.
أدى هذا الموقف، إلى جانب الزيادة الهائلة في إيرادات الشركة إلى اتهامات بأن "راندوكس" جنت أرباحا بشكل غير عادل أو قانوني من الجائحة. إنه أمر تنكره الشركة، وتدافع عن مستلزمات إجراء الفحوص الخاصة بها على أنها فعالة ومجدية من حيث التكلفة. نقل ملكية المجموعة في الخارج إلى شركة قابضة في آيل أوف مان جعل الصراع محتدما، رغم أن الشركة تقول: إن العملية بدأت في 2019، ولا يزال كل من شركة راندوكس ومؤسسها فيتزجيرالد مقيمين ضريبيا في المملكة المتحدة.
يقول فيتزجيرالد: إنه "سعيد جدا" بقرارات الشركة الأخلاقية والمعنوية، وأن عضو البرلمان باترسون لم يلعب أي دور في العقود التي فازوا بها.
يضيف، "قرأ بعض الأشخاص ما بعد العناوين الرئيسة، وزادت مبيعاتنا. يبدو أن الناس يعتقدون أنه بما أننا لدينا علاقات جيدة، إذن يجب أن تكون أمورنا على ما يرام".
كان السبت 26 كانون الثاني (يناير) 2020، عندما قال فيتزجيرالد: إن ابنه أطلعه على تقرير إخباري عن الحكومة الصينية وهي تكثف استجابتها لفيروس كورونا الجديد. في اليوم التالي، أرسل فيتزجيرالد علماءه إلى المختبر لتطوير فحص. تقول "راندوكس": إن باترسون طلب من الحكومة عينة فيروسية لفحص الاختبار، لكنها في النهاية اشترت عينة.
بعد بضعة أسابيع، أرسلت شركة راندوكس بريدا إلكترونيا إلى وزارة الصحة البريطانية لعرض تشخيصها الجديد لكوفيد. يقول مارك كامبل، كبير مديري الشركة، إنه لم يكن من الواضح ما إذا كانت الحكومة ستجري جميع الفحوص بنفسها أم ستطلب المساعدة من مزودي الخدمات من القطاع الخاص. يضيف، "كنا نفعل ما شعرنا أنه مناسب في ظل الظروف".
عندما وقعت "راندوكس" عقدها الأول في مارس 2020، كانت خدمة الصحة الوطنية تجري نحو خمسة آلاف اختبار لتفاعل البوليميراز المتسلسل (بي سي آر) يوميا. بحلول أيلول (سبتمبر)، كانت الشركة قد وسعت النطاق إلى ما يصل إلى 150 ألف فحص في اليوم، لكن، كما يقول كامبل، كانت لديها طاقة تصل إلى 500 ألف اختبار. في المجموع، أجرت "راندوكس" 17.5 مليون فحص لصالح الحكومة – وتم اكتشاف مليون مريض مصاب بكوفيد - بينما أجرت فحوصا أيضا لصالح أصحاب العمل من القطاع الخاص من ضمنهم "فيسبوك" و"رولز رويس"، إضافة إلى اختبارات السفر لمتطلبات الدخول عبر الحدود.
تحركت الشركة بسرعة، في وقت مبكر، قدمت طلبية تكفي ثلاثة أشهر للحصول على أطراف الماصة التي تعد بالغة الأهمية لفحص بي سي آر. كان حجم الطلبية معادلا لإمدادات العالم في عام عادي. قال تقرير مكتب التدقيق الوطني: إن "راندوكس" كانت بحاجة أيضا إلى مساعدة حكومية لشراء المعدات التي تعاني نقصا في معروضها. تقول الشركة: إن هذا كان قرضا مؤقتا لمعدات فحص بي سي آر غير المستخدمة من الجامعات إلى حين وصول طلبياتها الخاصة.
شعرت المختبرات الخاصة المنافسة بالسخط، لأن "راندوكس" لم تفز بالعقد الأولي فقط، بل بعقد آخر في تشرين الأول (أكتوبر) أيضا، عندما شعرت بأنها مستعدة لمواجهة التحدي.
في النهاية، أبرمت الحكومة عقودا مع عشرة مزودي فحوص آخرين من القطاع الخاص.
يعتقد البعض في الخدمات الصحية الوطنية أن فرصة للاستثمار في القطاع العام قد ضاعت. يقول آلان ويلسون، الذي كان في 2020 رئيسا لمعهد العلوم الطبية الحيوية، وهو الهيئة المهنية لعلماء المختبرات، إنه تم منح العقود دون استشارة هيئة الخدمات الصحية الوطنية حول كيفية توسيع نطاق الفحوص.
تساءل، "ماذا تفعل بهذه المختبرات الكبيرة التي لم تعد مطلوبة أساسا؟ ربما تكون خدمة الصحة الوطنية قادرة على استخدام بعض هذه الموارد لفحوصها".
يقول فيتزجيرالد: إن خدمة الصحة الوطنية مشتتة للغاية بحيث لا يمكنها تلبية الطلب وكان عليها التركيز على رعاية مرضى كوفيد، إضافة إلى فحوص الدم المنتظمة. يضيف، "أعتقد أن وزارة الصحة قد فعلت الشيء الصحيح في إنشاء المختبرات وإشراك أي قطاعات خاصة يمكن أن تستجيب. لقد استثمرنا بأنفسنا. لم نكن نحصل على استثمارات من أي جهة أخرى لفعل ذلك".
لم يعثر المكتب الوطني للمراجعة على أي دليل على منح العقود بطريقة غير سليمة، وقال: إن الحاجة الملحة خلال الموجة الأولى من الجائحة جعلت من الضروري تجنب عملية المناقصة العادية.
لكن لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم، التي تراقب الإنفاق العام، خلصت إلى أن "حفظ السجلات غير الملائم لحكومة المملكة المتحدة" يعني أنه "من المستحيل الثقة" في الفوز بالعقود بشكل عادل. كما أثارت مخاوف من أن الحكومة لم تفعل ما يكفي لضمان عدم تحقيق "راندوكس" مكاسب زائدة.
شعر فيتزجيرالد أن انتقادات الصحافة والسياسيين غير عادلة. "كنا نعلم أن هناك أشياء تجري ليس لدينا سيطرة عليها وعرفنا أن هناك نزاعا داخل الحكومة. كانت هناك أطراف مختلفة، كان هناك القطاع العام والخاص (...) لكن لم يكن لدينا أي تأثير فيهم. لذلك كل ما فعلناه كان (...) أن نكون أفضل من أي شخص آخر".
يضيف كامبل أن الموقف كان "لا يوجد له كتاب قواعد نلجأ إليه ولا يوجد مخطط يشرحه". قال أيضا، "كانوا يطلبون منا إعداد شيء لم يتم الإعداد له من قبل. لا أدري ما هي العناية الواجبة التي كان يجب أن نقوم بها عدا عن إلقاء نظرة على الشركة، ومقابلة الناس، والإيمان بأن لديهم الشغف للسير بها قدما".
قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية: إن الحكومة "قامت بكل خطوة ممكنة بالشكل الصحيح لبناء أكبر صناعة للفحوص في تاريخ المملكة المتحدة بسرعة من الصفر" وأن شركة راندوكس وغيرها قدموا "مساهمة كبيرة".
أضافت، "اعتمد برنامج فحص كوفيد الخاص بنا على الخبرات من القطاعين العام والخاص لكي نحصل على المهارات والمعدات والخدمات اللوجستية المناسبة بأسرع ما يمكن".
تتجلى المرحلة التالية من التوسع الذي تقوم به شركة راندوكس من خلال إعلاناتها الجريئة عبر محطات مترو الإنفاق في لندن، التي تقول: إن حزم الفحص الخاصة بها توفر للعملاء "إمكانية إطالة عمرك".
كما يقول كامبل إن "واحدة من كل خمس جنائز تذهب إليها غير ضرورية. هذا أمر مدهش"، مستشهدا بأرقام المملكة المتحدة لحالات الوفاة التي كان يمكن تجنبها، التي عرفها مكتب الإحصاء الوطني بالوفيات الناجمة عن مسببات كان يمكن منعها أو معالجتها من خلال الرعاية الصحية أو تدخلات الصحة العامة الفاعلة في الوقت المناسب. تستشهد شركة راندوكس أيضا بالبحث الذي يظهر أن الكشف المبكر عن أمراض مثل السرطان والسكري ينقذ الأرواح ويقلل من تكاليف الرعاية الصحية.
منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، استثمرت شركة راندوكس نحو 450 مليون جنيه استرليني في تطوير رقاقة بيولوجية - بحجم قطعة الليجو - يمكنها بسرعة القيام بفحوص عدة من عينة صغيرة من الدم. لكنها وجدت أن طرح اختبارات جديدة إلى خدمة الصحة الوطنية أمر معقد ويستغرق وقتا طويلا، حيث يميل الأطباء إلى الالتزام بقدر قليل مما يمكن أن تفعله التكنولوجيا المتوافرة لديهم، وفحص الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض فقط.
يقول كامبل، "شعرنا أننا نستطيع أن نطور كل هذه الفحوص الرائعة التي يمكن أن تنقذ الأرواح. مع ذلك، لم يتم استخدامها".
بعد ذلك افتتحت الشركة أول عيادة صحية في 2008 وراهنت على أن المستهلكين سيدفعون مقابل المعلومات الصحية بأنفسهم. كانت العيادة – التي تقع بمحاذاة محطة بنزين في كروملين، بالقرب من مقرهم الرئيس في أيرلندا الشمالية - تحظى بشعبية في المجتمع المحلي، لكن فرع العيادة الثاني الذي يبعد 35 ميلا فقط، حيث كانت شركة راندوكس غير معروفة، لم تحظ بالمستوى نفسه من الشعبية.
ثم في 2012، افتتحت عيادة أخرى في حي المال في لندن، حيث افترض فيتزجيرالد أن "الأثرياء" سيكونون عملاء محتملين فيها، لكنه سرعان ما أدرك أنهم كانوا مكتفين بمزايا التأمين الصحي الخاص المقدمة من أصحاب عملهم. لكنها حققت نجاحا بجذب "أصحاب الأعمال الصغيرة والبنائين والمزارعين وأصحاب المطاعم والأشخاص الذين يجب أن يتمتعوا بصحة جيدة من أجل البقاء على قيد الحياة"، كما يقول فيتزجيرالد.
تهدف الشركة الآن إلى افتتاح 20 عيادة في الشوارع الرئيسة بحلول نهاية العام الحالي، مع خطط لافتتاح مزيد منها في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا. ستقدم هذه العيادات فحوصا لكامل الجسم تبدأ من 199 جنيها استرلينيا للرياضيين مقابل تحليل يظهر أكثر من 80 نتيجة، وحتى حزمة الفحوص "المميزة" بقيمة 2600 جنيه استرليني التي تقدم 350 نقطة من البيانات وتشمل استشارة الطبيب العام، إضافة إلى متابعة الحالة الصحية.
ترعى شركة راندوكس سباق الخيول الوطني الكبير، وتولت أمر فحوص كوفيد لفريق بريطانيا العظمى في أولمبياد طوكيو، ودخلت أيضا في شراكة مع نجوم تلفزيون الواقع مثل تريستان فيبس من برنامج "ميد إن تشيلسي" الذي يظهر في حسابه على "إنستجرام" في عيادة طبية قائلا، "الصحة ثروة".
كل هذا جزء من توجهات واسعة نحو الرعاية الوقائية، حيث تحاول الشركات أن تجعل المستخدمين يشتركون في مراقبة صحتهم الشخصية، مثل استخدام ساعات أبل الذكية للكشف عن حالة القلب، إلى التجارب السريرية لاختبارات الدم المصممة لالتقاط العلامات المبكرة للسرطان.
تقول شركة راندوكس: إنها تستثمر كل الأرباح التي حققتها من الجائحة في البحث والتطوير، والبنية التحتية لبرامج التشخيص والعيادات أيضا. بدأت في بناء منشأة للأبحاث تبلغ مساحتها 50 ألف قدم مربعة بالقرب من مقرها في مقاطعة أنتريم، وافتتحت معهدا في ميدان فيتزروي في لندن يختص في الحالات الصحية المرتبطة بالمناعة.
في حين أن الهدف من الشركة هو "كسب المال"، إلا أن فيتزجيرالد يقول، "ما تفعله بهذه الأموال" هو ما يهم في الأمر.
لكن الفحوص وحدها لا يمكنها إطالة عمر الإنسان ما لم تؤد للتوصل إلى العلاج - تعترف شركة راندوكس بأن دمج تقاريرها الصحية في النظام التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية هو هاجسها اليومي. لكن حتى الآن، فقط الأطباء العامون والمستشفيات الخاصة هم من ينظر في تقارير "راندوكس". يقول فيتزجيرالد، "باتت هيئة الخدمات الصحية الوطنية تعترف بها بشكل متزايد لكنها ما زالت بطيئة".
يشعر المنتقدون بالقلق من أن ينتهي الأمر بمقدمي الفحوص من الشركات الخاصة مثل "راندوكس" بالإضرار بالخدمات الصحية بدلا من مساعدتها. فهم يخشون أن "مرضى الأوهام" سيزيدون الضغط على الأطباء الممارسين المرهقين بالفعل، أو أن المرضى يمكن أن يتخطوا غيرهم في قائمة الانتظار للعلاج بعد حصولهم على فحص من جهات خاصة، ما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في نظام الخدمات الصحية.
لكن هيئة الخدمات الصحية الوطنية لا تنظر فقط فيما إذا كان الفحص ناجعا أم لا، بل ترى أيضا، مثلا، إذا كان مفيدا ويؤدي إلى توفير العلاج اللازم ويحقق نتائج موثوقة.
شرعت الهيئة في استثمار 2.3 مليار جنيه استرليني لتوسيع نطاق الفحوص، وزيادة عدد مراكز التشخيص إلى 160 بحلول 2025. بخلاف البرامج الحالية مثل تلك الخاصة بفحوص المسحة وتنظير القولون، فهي تحرص على التركيز على الأشخاص الذين يعانون الأعراض.
يقول كارل هينيجان، مدير مركز الطب القائم على الأدلة في جامعة أكسفورد، إنه عند الكشف – فحص من لا تظهر عليهم الأعراض - هناك "مطلب واضح للغاية بالحصول على قاعدة أدلة عالية الجودة من أجل إثبات أن المنافع تفوق المضار".
يقول، "غالبا ما يخضع الناس للفحوص باعتقادهم أنه بالتأكيد ستكون معرفتي بأن هناك خطبا ما أفضل من عدم معرفتي البتة". يوضح أن المشكلة تأتي عندما يحصلون على نتيجة تظهر وجود شيء غير طبيعي ولا توجد له خطوات تالية واضحة، "في كثير من الأمراض التي يتم اكتشافها، لا تتوافر الفائدة الفعلية ولا يوجد انخفاض في معدل الوفيات".
يشعر هينيجان بالقلق أيضا من أن التسويق من شركات مثل "راندوكس" يمكن أن يتسبب بالشعور بالقلق. يقول بهذا الصدد، "خرجنا من جائحة كوفيد التي كان يدور رحاها حول الخوف، هناك شعور بأنه يمكنك اللعب على هذا الوتر". تنفي شركة راندوكس ذلك قائلة إنها تريد تمكين الناس من العيش لمدة أطول وبصحة أفضل.
يشعر آخرون بالقلق من أن فتح الباب أمام مقدمي الخدمات الصحية من القطاع الخاص أثناء الجائحة قد أدى إلى تسريع نقل مزيد من الأموال المخصصة للرعاية الصحية إلى القطاع الخاص. تقول أليسون بولوك، أستاذة الصحة العامة السريرية في جامعة نيوكاسل، إن الجائحة كانت بمنزلة "غطاء مفيد للغاية" للقوة المتزايدة لمقدمي الخدمات من القطاع الخاص. تقول، "نحن نستغل الأزمة من أجل التخصيص والاستعانة بمصادر خارجية، ثم نستمر بالتعهيد الخارجي. إنه أمر مأساوي للغاية".
في حين أن "راندوكس"، توفر حاليا مواد الاختبار لمختبرات هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إلا أنها لا تقوم بأي عمل بالنيابة عنها. لكن من المرجح أن تستفيد من توجه مزيد من البريطانيين نحو الدفع مقابل الرعاية الصحية. أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث السياسة العامة في مارس الماضي، وهو مؤسسة فكرية تقدمية، أن واحدا من بين ثمانية مرضى لجأ إلى عيادة خاصة عندما عانى للوصول إلى هيئة الخدمات الصحية الوطنية أثناء الجائحة، وأن واحدا من بين خمسة أفراد فكر في القيام بذلك.
يقول بارث باتيل، باحث بارز في "آي بي بي آر" وطبيب في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إنه لا الحكومة ولا المتنافسان على منصب رئيس الوزراء المقبل، وهما ليز تروس أو ريشي سوناك، يتحدثان بما فيه الكفاية عن الأزمة التي تمر بها هيئة الخدمات الصحية الوطنية. يضيف، "إلى حد ما، يعد تقاعسهم عن العمل نوعا من التصرف. لا توجد معارضة أيديولوجية لهذا النظام ذي المستويين".
يقول، "خصخصنا فحوص كوفيد أثناء الجائحة بدلا من توسيع الطاقة الاستيعابية لمختبراتنا. جنت الشركات أموالا طائلة منها، عندما كان بإمكان هيئة الخدمات الصحية الوطنية استخدام هذه الأموال لافتتاح مزيد من مراكز التشخيص. يجب أن تكون هذه الطاقة الاستيعابية في الواقع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، سواء تعاقدت هيئة الخدمات الصحية الوطنية مع شركة راندوكس للقيام بذلك أم لا".
أحد أسباب نجاح شركة راندوكس هو حريتها في إنفاق مواردها كما تشاء. وباعتبارها شركة خاصة، لا تتعرض "راندوكس" لأي ضغط لتبرير إنفاقها، كما يقول فيتزجيرالد، وعندما حلت جائحة كوفيد، كان لديها بالفعل خبراء تكنولوجيون مهرة تمكنوا من إنشاء أنظمة لتوفير نتائج الاختبار عبر الإنترنت وتمكنوا أيضا من أتمتة المختبرات.
فيتزجيرالد ليس متأكدا من الطلب على الفحوص الصحية، لكن من غير المرجح أن يستسلم بعد أن قضى 40 عاما في مجال التشخيص. يقول، "نعتقد أن السوق تنمو، لكننا حقا لسنا متأكدين من ذلك. ستكتسب السوق الزخم (...) لكن قد يتطلب الأمر قليلا من الدفع في ذلك الاتجاه".

الأكثر قراءة