رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الضرائب كـ «مدفع» انتخابي

"الركود في بريطانيا ليس حتميا"
ليز تراس، المرشحة لرئاسة الوزراء في بريطانيا
الأمر متطابق تماما عند السياسيين الأمريكيين والبريطانيين، بشأن توصيفهم الأوضاع الاقتصادية في بلديهما. فإدارة جو بايدن تصر على أن اقتصاد البلاد لم يدخل في نطاق الركود، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ليز تراس، المرشحة الأوفر حظا لرئاسة وزراء بريطانيا مطلع الشهر المقبل، التي لا تعترف بوجود ركود، بل لا تعد حدوثه حتميا. أكثر ما يخيف السياسيين في أي مكان، هو الاعتراف بالانكماش، خصوصا إذا ما كانت الفترة الحرجة تشهد موسما انتخابيا تقليديا في الولايات المتحدة "الانتخابات النصفية"، أو طارئا في بريطانيا "اختيار رئيس وزراء جديد". لنترك الخلافات بهذا الشأن على الساحة الأمريكية، ستبقى متفاعلة حتى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، موعد انتخابات مجلس الشيوخ.
بعد أيام قليلة سيكون في بريطانيا رئيس وزراء جديد، إما ليز تراس وزيرة الخارجية "وهي الأوفر حظا حتى الآن"، أو ريشي سوناك وزير المالية السابق، "المدعوم من قمة حزب المحافظين أكثر من قاعدته". هذا الأخير لا يرى إمكانية لخفض الضرائب في الوقت الراهن، لسبب واحد واضح، يتجلى في عدم توافر الموارد اللازمة لمثل هذه الخطوة. من الناحية الانتخابية، كبد سوناك نفسه خسائر انتخابية بالفعل. فكل ما يهم الناخب المنتمي لحزب المحافظين بشكل خاص، أن تكون الضرائب في أدنى مستوى لها. وكانت المملكة المتحدة "ولا تزال" تتفاخر أمام شركائها الأوروبيين السابقين "قبل بريكست"، بأنها الأكثر جذبا للاستثمارات، بسبب الضرائب المنخفضة على الأعمال، ولا سيما ضرائب الشركات.
بالنسبة إلى تراس السياسية التي كانت مؤيدة للاتحاد الأوروبي، وتحولت إلى معارضة له "بعد بريكست"، وعدت أن يكون أول قرار لها عندما تصل إلى "داونينج ستريت" خفض الضرائب، لكنها لم تستطع أن تشرح كيف ستحصل على التمويل اللازم، بينما سجل الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني من هذا العام، وفق مكتب الإحصاءات الوطنية، انكماشا بلغ 0.6 في المائة. وخفض الضرائب يعني مزيدا من الضغوط على الموازنة العامة للبلاد، التي بلغت ديونها السيادية أكثر من إجمالي ناتجها المحلي، ويعني أيضا تعميق حالة الركود الراهنة، التي يتوقع بنك إنجلترا المركزي أن تكون الأطول منذ الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في 2008. وفي غضون شهرين من الآن يشير كل التوقعات إلى بلوغ مستوى التضخم حاجز 13 في المائة، الأمر الذي يستوجب مواصلة رفع الفائدة للحد من الموجة التضخمية التاريخية الهائلة.
ليس مهما نفي ليز تراس، إمكانية دخول الاقتصاد البريطاني حالة ركود. فكل الجهات الاقتصادية المسؤولة تقول عكس ذلك، وتشدد بالطبع على أن خفضا سريعا للضرائب، سيولد مزيدا من الديون، وسيهز أكثر وضعية الاقتصاد المحلي. تمسك وزيرة الخارجية بهذا الخفض، سيكلف كثيرا، فقط لتحقيق نصر انتخابي قد لا يدوم طويلا. فانتخابات زعامة حزب المحافظين، قد تتبعها انتخابات عامة أهم، هي التي تحدد الحزب الذي سيحكم البلاد. من هنا، فإن رؤية ريشي سوناك، الذي كان أحد أسباب سقوط رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون، أكثر واقعية وأشد مسؤولية على المديين المتوسط والبعيد. وهذا ما يفسر "مثلا" وقوف متشددين محافظين إلى جانب تراس، بينما يقف المعتدلون في صف سوناك.
المسألة بسيطة جدا، ولدت خلافا كبيرا جدا بين تراس وسوناك. والصراع يتركز حول التضخم والضرائب. كيف؟ وزيرة الخارجية تعتقد أنه يمكن خفض الضرائب حتى في ظل ارتفاع هائل لمستوى التضخم، بينما يرى سوناك، أن معالجة مشكلة التضخم لا بد أن تتصدر الأولويات، ليس بخفض الضرائب ولا حتى بتقديم مساعدات مالية جديدة للبريطانيين الذي يعانون غلاء معيشيا متعاظما. السيطرة على التضخم وخفضه إلى حدوده الرسمية 2 في المائة كحد أعلى، يسهمان مباشرة في حلحلة مشكلات اقتصادية أخرى جانبية، بما في ذلك رفع وتيرة التشغيل، وخفض المعونات المالية المباشرة. أما خفض الضرائب في الوقت الراهن، فسيصب مباشرة في مصلحة الأثرياء فقط، بينما تعاني البلاد ارتفاع معدلات الفقر حتى في أوساط الطبقة المتوسطة.
يصعب النظر إلى مسألة الضرائب خلال المعارك الانتخابية من زاوية سياسية. هي بالدرجة الأولى قضية تخص هذا الفريق أو ذاك. وهي مكلفة جدا، ليس فقط للأجيال الحالية، بل المقبلة أيضا. فإذا لم تكن لديك موارد لتمويل ضرائب منخفضة، فأنت تضيف أعباء على كاهل أجيال لم تولد بعد، وهذا ما يحدد مستوى المسؤولية عند هذا المرشح أو ذاك. يضاف إلى ذلك، أن أي انهيار سياسي قريب، سيضرب الحزب لأعوام طويلة، الذي يعاني أصلا انقسامات لم يسبق لها مثيل، بسبب سياسات جونسون. فهذا الأخير استطاع أن يحقق أكبر أغلبية برلمانية لحزب المحافظين منذ رئيسة الوزراء الراحلة مارجريت ثاتشر، إلا أنه أجبر على ترك الحكومة وزعامة الحزب، لأنه لم يتبع سياسة توافقية ضمن المؤسسة السياسية الحاكمة. الضرائب ستكون عنوانا عريضا لمسلسل طويل في المملكة المتحدة، بينما سيكون التضخم العنوان الأعرض ربما لأعوام عديدة مقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي