شحن المركبات .. بيئة استثمارية

يتجه العالم بشكل متسارع إلى التوسع في صناعة السيارات الكهربائية الجديدة، ما نتج عنه تضاعف الشركات المنتجة لتلك النوعية من السيارات عشرات المرات خلال الأعوام الأخيرة، في الوقت الذي حققت فيه الشركات المختصة بتصنيع السيارات الكهربائية قفزات نوعية كبيرة في مبيعاتها أخيرا، مع توقع أن يبلغ نمو عدد السيارات الكهربائية ما بين 150 و250 مليون سيارة بحلول 2030. ويوضح المشهد العالمي أن السيارات الكهربائية تعد حلما بشريا منذ ظهرت السيارات للوجود، لكن الحديث عنها أخذ مسارا تصاعديا جديا وتسابقا عالميا محموما عندما بدأت أسعار الطاقة بالارتفاع نهاية العقد الماضي، وكما ارتفعت حرارة الأرض أيضا، وأصبحت تكلفة وقود السيارات تأخذ نصيبا كبيرا من دخل الأسر، وهو ما يؤثر بشكل أو آخر في أنماط الاستهلاك، ويربك التوازن الاقتصادي الكلي، وهذه الحال في العالم بأسره.
كما أن تزايد استخدام السيارات في العالم يهدد منظومة البيئة ومع تزايد التلوث داخل المدن الكبيرة خصوصا، ومع اتفاقية باريس للمناخ التي تعهدت فيها الدول بالوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2030، مع كل ذلك تزايدت الاستثمارات العالمية في قطاع السيارات الكهربائية بديلا للسيارات التي تعمل بالوقود. ويأتي تشجيع المجتمعات على استخدام هذا النوع من السيارات نظرا إلى أن تكلفة شحن السيارة الكهربائية كاملة وهي فارغة قد تصل إلى عشرة دولارات للشحنة الواحدة، كما أن أسعارها أصبحت قريبة من أسعار السيارات التي تعمل بالوقود، نظرا إلى النجاحات المتسارعة في تقنيات البطاريات.
وعلى مسار رؤية 2030، والتحول إلى اقتصاد نوعي تنافسي في جميع المجالات، طرقت السعودية أبواب صناعة السيارات الكهربائية. وهنا دخلت المملكة هذا القطاع المهم مع قرار صندوق الاستثمارات العامة، الاستثمار في شركة "لوسيد"، التي تعد المنافس الأمريكي لـ "تسلا"، وأصبح صندوق الاستثمارات يملك 67 في المائة فيها، وبحجم استثمارات بلغ 1.3 مليار دولار، ووفقا لتقارير فقد تخطت مكاسب صندوق الاستثمارات العامة 22 مليار دولار من استثماره في "لوسيد" بعدما نجحت الشركة في بناء مصنعها الخاص في "كاسا راند - أريزونا" الأمريكية بقدرة إنتاجية تبلغ 365 ألف سيارة سنويا، وقبل عدة أشهر تم وضع حجر الأساس لمصنع شركة لوسيد في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ من أجل تغطية الطلب المحلي والتصدير عالميا.
هذا الاستثمار الناجح لصندوق الاستثمارات العامة يأتي ضمن إطار واسع لتحقيق رؤية المملكة 2030 بشأن استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، فالسعودية اليوم تسعى إلى بناء أكبر مدينة ذكية في العالم، وهي مدينة ذا لاين التي ستعتمد بشكل كامل على الطاقة المتجددة واستخداماتها، وفي هذه المساعي أيضا فقد أعلنت الشركة السعودية للكهرباء في 2018، أنها وقعت اتفاقا مع شركات: طوكيو للكهرباء "تيبكو"، ونيسان موتور، وتكاوكا توكو اليابانية، لتنفيذ أول مشروع تجريبي للسيارات الكهربائية في المملكة، على أنه سيتم إنشاء محطات للشحن السريع يمكن من خلالها شحن السيارات الكهربائية في 30 دقيقة، فهناك سباق مع الزمن من أجل دخول واستكمال البنى التحتية اللازمة لإتاحة استخدام السيارات الكهربائية، لكن نجاح هذه الصناعة وتوسع استخدامها يتطلبان تهيئة البيئة التشريعية جنبا إلى جنب البيئة الصناعية، فالبيئة التشريعية جزء لا يتجزأ من البنى التحتية اللازمة.
وفي هذا المسار تم إنشاء لجنة خاصة بالبنية التحتية لمحطات شحن المركبات الكهربائية بقيادة وزارة الطاقة التي أخذت على عاتقها استكمال جميع الجوانب التشريعية، والتنظيمية، والفنية، لتنظيم سوق نشاط شحن المركبات الكهربائية، هذه اللجنة تضم في عضويتها وزارات: الشؤون البلدية والقروية، النقل، التجارة، هيئة تنظيم المياه والكهرباء، الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، المركز السعودي لكفاءة الطاقة "كفاءة"، الشركة السعودية للكهرباء، ومركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية "كابسارك". كما أكدت هيئة المواصفات، أخيرا، أنه تم السماح باستيراد المركبات الكهربائية وشواحنها بصورة تجارية، شريطة أن يتم إصدار شهادة اعتماد الطراز السعودي للطرازات المستهدفة قبل بدء عملية الاستيراد، لهذا أصدرت الهيئة لائحتها الفنية للمركبات الكهربائية وتضمنت اللائحة 137 مواصفة، إضافة إلى المتطلبات الأساسية للمركبات الكهربائية التي تختص بالسلامة على الطريق وتقليل الحوادث والوفيات والصدمات الكهربائية التي يمكن أن تنتج من جراء تسرب الكهرباء من البطاريات، وتسرب مكونات البطاريـة في مقصورة الركاب، ومن ذلك أيضا سلامة أنظمة شحن وإمداد المركبات الكهربائية. كما أصدرت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان الاشتراطات الفنية لشحن المركبات الكهربائية، التي وضعت المواصفات المكانية لمواقع معدات شحن السيارات والكود الخاص بذلك، لأن شحن السيارات الكهربائية لا يتطلب محطات مثل تلك التي يتم فيها تزويد السيارات بالوقود، بل يتم شحن السيارات الكهربائية في المواقف العامة والخاصة، لذلك اشترطت اللائحة تخصيص 5 في المائة من المواقف لهذا الغرض. كما قسمت المواقف إلى ثلاثة مستويات من الالتزام، ويتم تزويد جميع مواقف السيارات التي فيهـا معـدات شـحن المركبـات الكهربائية بالأنظمة اللازمـة للوقايـة والحمايـة مـن الحريـق ومنـع انتشار اللهـب حسـب متطلبـات الكـود السـعودي الخاص بذلك.
المملكة تعي تماما حجم ومستقبل السيارات الكهربائية عالميا ومحليا، لذلك سنت قوانين جديدة وأعطت تصاريح لجذب مثل هذه الاستثمارات لأن المشروع مرتبط بالخطط الحالية لبناء البنية التحتية للسيارات وتعزيز التصنيع المحلي. كما أن ربط صناعة التعدين في السعودية مع صناعة السيارات الكهربائية، مثل المعادن والألمنيوم، الليثيوم وغيرها، سيكون له مكان في العالم.
"القدرة الهائلة من ناحية الإمكانات المالية، إضافة إلى طاقتنا في الموارد البشرية من الممكن أن نبني عليهما قاعدة صناعية قوية، ننطلق منها، والشروع في صناعة السيارات يعد مدخلا جاذبا للصناعات الأخرى، وبالذات صناعة السيارات الكهربائية".
ومن خلال وصف هذا المشهد المحلي لإيجاد بيئة جديدة لاستخدام السيارات الكهربائية، فإن هذه الجهود ترسم صورة مشرقة عن مستقبل استخدام السيارات الكهربائية في السعودية وتهيئة هذا القطاع الاقتصادي الواعد بما يسهم فعليا في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، بتنويع الاقتصاد واستدامته وبناء قطاعات جديدة جاذبة للمستثمرين وتوفير فرص نوعية ووظائف للمواطنين، فالسعودية اليوم في الحال الاقتصادية المناسبة لأخذ مكانة مرموقة عالميا في هذه الصناعة المستقبلية المهمة التي ستكون سيدة صناعة السيارات والمركبات في العالم أجمع ومستقبلها وستقتحم هذا العالم بقوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي