موسم العودة للسياحة الداخلية
بدأ اهتمام السعوديين بالسياحة في بلادهم منذ وقت مبكر جدا، وتوجه سكان المدن التي لا تملك مقومات السياحة آنذاك إلى مناطق تملك بعض هذه الإمكانات، وأهمها الجو المعتدل صيفا، وتحملوا مشقة الوصول إلى هذه المناطق بمركباتهم المتواضعة في ظل عدم توافر رحلات الطيران، كما عاشوا في خيام أو ما يشبه الخيام لعدم توافر السكن في تلك الوجهات، وكانوا مقتنعين بهذا الوضع، لأنه يتناسب مع قدراتهم المالية المتوافرة في زمن ما قبل الطفرة المالية التي حدثت قبل خمسة عقود أو تزيد قليلا.
بعد الطفرة المالية، بدأ بعض الموسرين بالسفر للسياحة في الخارج، وتزايدت أعدادهم رغم توافر بعض الإمكانات السياحية في مناطق الاصطياف، مثل: أبها، الطائف، الباحة، وغيرها من المناطق، وكذلك شواطئ جدة والمنطقة الشرقية.
ولوحظ خلال الفترة الماضية أن السعوديين يشكلون أكثرية ملحوظة من السياح العرب الموجودين في لندن وباريس وتركيا وغيرها من الدول. هذه الظاهرة تقلق المهتمين بالاقتصاد الوطني، لأنها تعني تسرب المليارات من الريالات سنويا خارج الحدود، خاصة أن السائح السعودي ينفق أضعاف ما ينفقه غيره، كما ذكرت بعض الدراسات، لأنه يسكن أفضل المساكن، ويرتاد أفخر المطاعم، ويستأجر سيارة أو أكثر طيلة إقامته في البلد الذي يقضي فيه إجازته، إضافة إلى مشترياته التي يضرب بها المثل. وأمام هذه المشكلة بدأ التحرك للنهوض بالسياحة الداخلية لا لتكون بديلا عن السياحة الخارجية، بل على الأقل لتكون رديفا لها وبديلا لمن أراد تجزئة إجازته بين الداخل والخارج.
وبدأ التحرك قبل عقدين من الزمن، حيث تم تأسيس الهيئة العامة للسياحة بقيادة الأمير سلطان بن سلمان، ووضعت هذه الهيئة المرتكزات الأولى والقبول الاجتماعي لمفهوم السياحة الداخلية، ثم تحولت الهيئة إلى وزارة تولاها الوزير أحمد الخطيب، وتمت النقلة الكبرى بعد تبني السياحة ضمن برامج رؤية 2030، ما وفر لها المشاريع والتمويل اللازم لتشجيع المستثمرين في هذا القطاع المهم، ولذا توافرت بعض المقومات المطلوبة للسياحة العائلية من سكن ومتنزهات ومناطق ترفيه ومطاعم ومقاه وغيرها.
وفي هذا العام بالذات، لوحظ وجود كثيف للمصطافين السعوديين والخليجيين، خاصة العائلات، في الطائف وأبها والباحة ومناطق أخرى في الجنوب والشمال، ما يمكن أن يطلق عليه موسم العودة إلى السياحة الداخلية، ومن بين هؤلاء من عاد من رحلة خارجية صادف فيها حر أوروبا وغلاءها، وربما جاء بإلحاح من أطفاله وعائلته لإكمال الإجازة في ربوع بلاده، وقد سألت أحدهم عن ذلك، فقال: اعتدت وعائلتي على اقتسام الإجازة الصيفية رحلة للخارج وثانية أو أكثر داخل بلادنا. وربما لم يكن واردا عندي عقد مقارنة بين الوجهتين، حيث كانت الرحلة الخارجية تشبع عندنا التجربة السياحية من جوانبها الثقافية والخدمية، إلى جانب التسوق والترفيه، وتبقى الرحلة الداخلية خاصة لكبار السن لاستدعاء ذكريات السياحة الأولى في مصايفنا التي رافقت مراحل عمرنا المبكرة مع كثير من الراحة النفسية والأمان الذي تمتاز به بلادنا، ولله الحمد.
وأخيرا: من المتوقع عودة قوية للسياحة الداخلية، وكلما زادت مواقعنا السياحية خدمة وتنامت فيها المشاريع والخيارات كانت الأسعار - وهي الهاجس الأول - أنسب لمستويات الخدمة التي تقدم، وسيكون الرابح الأكبر اقتصادنا الوطني، كما أنها تعرف المواطنين، خاصة الأجيال الجديدة، على مناطق بلادهم الجميلة.