رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


كرة القدم .. استثمار الشعبية

حظيت رياضة كرة القدم خلال العصر الحالي باهتمام كبير في دول العالم كافة تقريبا، ليس على الصعيد الترفيهي الاجتماعي لمشاهدات المباريات فقط، بل تطور هذا الفهم وانتقل إلى جانب اقتصادي مربح، مثل أي قطاعات تجارية تسويقية أخرى، بل إن اللعبة أصبحت في آخر عقدين من الزمن أحد القطاعات الاقتصادية المهمة في أرجاء المعمورة، وتقدر تعاملات كرة القدم المالية بمليارات الدولارات.
تعد الرياضة من أهم القنوات الاستثمارية، التي انفتحت أبوابها بشكل كبير خلال الفترة، خاصة من كبار المستثمرين، وأصبح هذا النوع من الاستثمار يسهم في حل مشكلات اقتصادية تعانيها أغلب الدول النامية، إذ تتجاوز عوائد القطاع الرياضي إلى مجالات اجتماعية وصحية. والصناعة الرياضية أصبحت دورة اقتصادية متكاملة، وتطورت هذه العلاقة بين الرياضة والاقتصاد لتتحول إلى شكل من أشكال الصناعة، فأصبحت تشكل إحدى دعائم الاقتصادات الوطنية.
الجميع يعلم أن رياضة كرة القدم نشأت في إنجلترا، حيث إن دوري أبطال أوروبا وبطولة أمم أوروبا لكرة القدم أشهر المسابقات الكروية في العالم حاليا. كما أن المنتخبات الأوروبية تعد أكثر المنتخبات الوطنية نجاحا في بطولات كؤوس العالم، كما أن بطولات الدوري فيها من أقوى وأشهر المسابقات الكروية على مستوى العالم، وتعد الدوريات: الإنجليزي، الإسباني، الإيطالي والألماني من أشهر المسابقات الكروية في أوروبا، والأندية الأوروبية هي الأكثر شهرة في العالم، منها: ريال مدريد، برشلونة، يوفنتوس، إيه سي ميلان، إنتر ميلان، بايرن ميونخ، مانشستر يونايتد، وليفربول. ولهذه الأندية شعبية واسعة ليست داخل أوروبا فحسب، بل على مستوى دول العالم. وهذه الخلفية المميزة أعطت الرياضة في القارة الأوروبية فرصة الانطلاق نحو عالم اقتصادي رحب.
ومن هنا يبدو واضحا، أن الشعبية الهائلة لكرة القدم حول العالم، وفرت لها مكانة مرموقة ضمن القطاعات المولدة للعوائد. فأي صناعة تكبر أو تصغر وفقا لحجم السوق التي تتمتع بها. وكرة القدم لها سوقها الكبيرة، التي اتخذت منحى مهما منذ سبعينيات القرن الماضي، بتحولها إلى صناعة تجني العوائد وتحقق الأرباح، في ظل وتيرة لا تتوقف من ضخ الأموال فيها. والرياضة عموما، حققت قفزات نوعية كبيرة كصناعة في العقود القليلة الماضية، إلا أن كرة القدم على وجه الخصوص، أخذت نصيبا كبيرا، ليس بزخم عشاقها ومتابعيها، بل بارتفاع حجم الأموال التي تضخ فيها، وتزايد الجهات والأفراد أيضا، الذين توجهوا إلى الاستثمار فيها، ولا سيما في ظل تشريعات محلية مساعدة على التحرك الاستثماري والتمويلي في هذه الساحة.
وبهذا المفهوم الاقتصادي الحديث، صارت كرة القدم صناعة وتجارة واقتصادا تعقد على جانبها صفقات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات من شراء واستحواذ على أندية وعقود لاعبين ودخول وإيرادات مباريات ورعاية شركات ذات علامات تجارية مشهورة لبطولات وأندية ولاعبين، فتوسع فهم هذه الصناعة على مستويات كبيرة، فأصبحت ميدانا يتنافس فيه كبار المستثمرين في العالم.
في جائحة "كورونا" تأثرت سلبا الميادين الرياضية كلها، مثل عالم الاقتصاد وغيره، بما في ذلك كرة القدم. فالمباريات توقفت تماما خلال هذه الجائحة العالمية، حتى عندما أعيدت بعض المباريات إلى الملاعب، كانت تجرى بلا جمهور، الأمر الذي أثر ماليا بصورة سيئة في الجهات المعنية. وإذا أخذنا كرة القدم الأوروبية مثالا، فإنها سرعان ما تمكنت من الانتعاش، بفعل العوامل المشار إليها، الأمر الذي يفسر زيادة إيراداتها 10 في المائة خلال الجائحة في 2020 و2021، لتصل العوائد إلى 27.9 مليار يورو. ولا شك في أن نسبة كبيرة من الرعاة التزموا بقوة خلال الأوقات الصعبة، ما خفف الضغوط المالية عن هذه اللعبة. وتعد صناعة كرة القدم في أوروبا، أكثر ديناميكية، مقارنة بغيرها حول العالم، كما أنها أكثر استقطابا للتمويل والاستثمارات، فضلا عن تمتعها بتاريخ عريق حقا.
وفي الأحوال كلها، قدرت قيمة سوق كرة القدم العالمية في 2019 بـ1.9 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تبلغ القيمة الإجمالية لها بحلول 2027 أكثر من 3.7 تريليون دولار، بحسب بيانات دولية، وهذا يؤكد مجددا أن هذه الصناعة ماضية قدما في توفير العوائد ضمن وتيرة نمو هائلة في فترة زمنية قصيرة. وفي الآونة الأخيرة، سجلت الجهات الرقابية المختصة ارتفاعا كبيرا في عدد الجهات الراغبة في الاستحواذ على بعض الأندية الأوروبية، ولا سيما في بريطانيا، التي تعد من الأسواق النشطة في هذا المجال. ما يعني أنها صناعة متماسكة، وأنها يمكن أن تعبر فترات الأزمات العالمية الكبرى كـ "كورونا" بسهولة.
ويؤكد المختصون أن صناعة كرة القدم تتميز أيضا بأنها مرنة للغاية، والعوائد الأخيرة على الساحة الأوروبية تعزز حقيقة أنه حتى في ظل اضطرار العالم إلى لعب مباريات دون جمهور، فإن عوائد الإعلانات والبث التلفزيوني الحصري تسهم في دعم هذه العوائد إلى الأعلى، وتؤمن موارد مالية للأندية التي لا يمكن أن تتوقف عن الاستثمار، سواء في لاعبيها أو منشآتها، أو تطوير أدائها بأدوات مختلفة ومكلفة أيضا.
ومما لا شك فيه، أن رياضة كرة القدم، ستواصل نموها بصرف النظر عن طبيعة الظروف الاقتصادية العالمية، كما أن تدفق الاستثمارات إليها يسهم مباشرة في توفير القوة اللازمة لها، خصوصا في أوقات عدم الاستقرار الخارجة عن إرادة هذه الصناعة الرياضية الاجتماعية المحورية. فحتى الديون التي منيت بها خلال فترة "صمت الحراك الرياضي"، ستتمكن من مواجهتها بفعل العوائد الكبيرة، والثقة لم تهتز في ميدان يتسع يوما بعد يوم ويشهد استثمارات في مختلف الجوانب داخل الميدان وخارجه، بل اشتمل على جوانب تجارية جديدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي