البيانات غيرت قواعد اللعبة .. 345 مليار دولار قيمة الصناعة البحرية الرقمية في 2030

البيانات غيرت قواعد اللعبة .. 345 مليار دولار قيمة الصناعة البحرية الرقمية في 2030
البيانات غيرت قواعد اللعبة .. 345 مليار دولار قيمة الصناعة البحرية الرقمية في 2030

تواجه الموانئ في جميع أنحاء العالم تحديات يومية بسبب متطلبات البنية التحتية ونمو التجارة العالمية وتصاعد القدرة الإنتاجية وتنامي الاحتياجات المالية وتزايد الحاجة إلى الامتثال للأطر التنظيمية بما في ذلك إجراءات الأمن والسلامة.
وهناك حاجة ماسة إلى ضمان التوسع المستدام في أعمال الموانئ، وإدخال الرقمنة في أعمالها في ظل عولمة الاقتصاد والتجارة الدوليين، والأهم من هذا أن تلك التحديات باتت الآن أكثر وضوحا من أي وقت مضى نتيجة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وسط توقعات شبه مؤكدة أنها ستكون أكثر تأثيرا مع مرور الوقت.
مع هذا يرى الخبراء أنه يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص مربحة طالما أبدت الموانئ استعدادا للتغيير والاندماج في مسار التحول الرقمي الذي يحدث في الاقتصاد العالمي عامة وصناعة النقل البحري والشحن خاصة.
فالموانئ أحد الأعمدة الرئيسة في سلسلة التوريد العالمية، ويجب أن تواكب تطورات الرقمنة لتظل قادرة على المنافسة، حيث ينظر إلى الموانئ الذكية على أنها طريق المستقبل لتنمية الصناعة البحرية المستدامة، فالميناء الذكي منفذ يدمج التقنيات الرقمية الجديدة مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي وشبكة 5G ويهتم بالنظام البيئي والمجتمع في آن.
وفي الواقع فإن عالم الموانئ التقليدي يتغير حاليا بسرعة شديدة، حيث تؤثر العوامل الديموغرافية والتكنولوجيا ومطالب الاستدامة على الأعمال اليومية للموانئ، وتشكل عديدا من الاتجاهات المهمة المقبلة.
والتقديرات المتاحة تشير إلى أن قيمة سوق المنتجات والخدمات البحرية العالمية بلغت العام الماضي ما يعادل 159 مليار دولار، بما يقارب 18 في المائة زيادة على توقعات ما قبل جائحة كورونا، وسط توقعات أن بحلول عام 2030 ستبلغ قيمة الصناعة البحرية الرقمية 345 مليار دولار بزيادة على التوقعات السابقة البالغة 279 مليار دولار.
كما أن زيادة استخدام الرقمنة في الصناعات البحرية مدفوعة في ذلك بوباء كورونا، إذ أدت إلى زيادة تقارب ثلاثة أضعاف متوسط الاستهلاك اليومي للبيانات لكل سفينة من 3.4 إلى 9.8 جيجابايت بين يناير 2020 ومارس 2021.
من جانبها، تعرف جاسكا داني رئيسة قسم العمليات في ميناء دوفر الإنجليزي، مصطلح الميناء الذكي، بأنه "بات من أكثر المصطلحات شيوعا في الصناعات البحرية، وباختصار المنفذ الذكي أو الميناء الذكي يعني ميناء أكثر جاذبية وابتكارا وفاعلية في الأداء ومن ثم أكثر تنافسية من الناحية الاقتصادية".
وأضافت لـ"الاقتصادية" أن الموانئ الذكية تتميز بأنها خضراء ورقمية وأكثر ارتباطا بالخدمات اللوجستية والبيئة الصناعية وموارد التنمية المستدامة، كما أنها موانئ آلية تستخدم تقنيات جديدة مع الاهتمام أكثر بالبيئة البحرية، ولهذا فهي تشمل استخدام كثيف للبيانات، والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتكنولوجيا سلسلة الكتلة والإنترنت السريع 5G.
وفي عالم البحار اليوم يتزايد عدد السفن وأحجامها، وتزدحم الموانئ، ومع العولمة وتزايد عدد السكان يجب أن تتحرك البضائع بسرعة، ومن ثم فإن التحول السريع إلى الرقمنة بجميع جوانبها لم يعد خيارا أمام المسؤولين عن الموانئ، وإنما بات ضرورة ملحة لتصبح الموانئ قادرة على المنافسة في سوق الشحن، ولا شك أن جعل الممارسات والعمليات التجارية أكثر ذكاء يعني جعلها أكثر جاذبية وربحية.
من هذا المنطلق، يرى المهندس البحري آن. كلارك، أن التحدي الأساسي الذي يواجه عملية تطوير الموانئ يرتبط أولا وقبل أي شيء بالقدرة على تطوير البنية التحتية لها.
وذكر لـ"الاقتصادية" أن "أغلب موانئ العالم تواجه مشكلة في البنية التحتية، فصناعة الشحن صناعة قديمة، وكذلك عديد من الموانئ الدولية، ومع استمرار نمو الصناعة البحرية وصناعة الشحن، لم تعد البنية التحتية تستوعب حركة السفن الحالية، ما يتطلب تغيير البنية التحتية عن طريق التوسع والبناء، وهذا يضع ضغوطا على المناطق النائية للميناء، كما أن المنافذ البحرية تواجه مشكلات في العمق والحجم، ويجب إجراء عمليات بناء لتعميق وتوسيع مياه الميناء، ما يضع ضغوطا على البيئة البحرية والمدن المحيطة".
ويرى أنه "يجب أن تتغير البنية التحتية لمواكبة صناعة النقل، ويتضمن ذلك استراتيجية جديدة للمنافذ البحرية الذكية حيث تعمل على إعادة دمج السكان والمجتمع والنظام البيئي للميناء في البنية التحتية له، فميناء كوبنهاجن أعيد تصميمه ليكون أكثر جاذبية للمواطنين حيث تم تضمينهم في أنشطة الميناء".
ويجد الخبراء أن تطوير تقنيات المنافذ البحرية يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع عملية تحديث البنية التحتية، وفي هذا السياق تعد سبل التعامل مع البيانات والتوسع في استخدام الذكاء الصناعي جزءا رئيسا من مفهوم الموانئ الحديثة.
والبيانات الضخمة تقنية غيرت قواعد اللعبة بالنسبة للصناعة البحرية والشحن، ولم تعد البيانات مجرد كميات كبيرة من المدخلات، إذ توجد مجموعات كبيرة منها، ومعها يطرح السؤال نفسه، ما الذي يمكن عمله بهذا الكم الضخم من البيانات؟
من جانبه، قال ريك هوجان رئيس قسم التنسيق في ميناء فولكستون البريطاني، إن أهمية البيانات زادت بشكل كبير في الموانئ الحديثة، "إذ تسهم البيانات الضخمة في التكنولوجية التنبؤية وأنظمة الوقت المقدر لوصول السفن، كما أن تعظيم الاستفادة من تلك البيانات سيغير صناعة الشحن البحري".
وضرب لـ"الاقتصادية" مثالا على ذلك، بالقول "يتم الآن توصيل أجهزة الاستشعار بالسفن التي تقدم معلومات بشأن الوقت الفعلي للوصول، وتستخدم أنظمة البيانات الضخمة هذه المعلومات لتتبع السفن والبضائع، فالمدخلات الدقيقة تقود الموانئ إلى أعلى مستويات الكفاءة والأداء والنمو".
في الإطار ذاته المتعلق بالموانئ الذكية وتحديثها، فإنه لا غنى عن الذكاء الاصطناعي ودمجه مع تعظيم الفائدة من البيانات الكثيفة، حيث يحسن العمليات التجارية وكفاءتها، ويستخدم الذكاء الاصطناعي كنظام لصنع قرارات التنبؤات الدقيقة المتعلقة بتشغيل الميناء، معتمدا على البيانات الضخمة للتنبؤ بما سيحدث، ليوجد بذلك بيئة عمل أكثر أمانا ويحد من الأخطاء
تلك التحديات لا تنفي أن الموانئ الذكية باتت تواجه أيضا صعوبات غير تقليدية أو غير مسبوقة، فالنمو المستدام للموانئ والشواغل البيئية زادت أهميتهما حيث أصبحت جزءا لا يتجزأ من تقييم مستوى الأداء في الميناء، ومقارنته بغيره من الموانئ المنافسة.
وفي الوقت الحاضر لم يعد من الممكن أن تركز الموانئ على الأهداف الاقتصادية فحسب، بل يجب أيضا دمج المسؤوليات البيئية والاجتماعية في خطط الأعمال، فجزء كبير من التحول إلى منفذ أو ميناء ذكي لا يقف فقط عند التحول الرقمي، لكنه يتضمن أيضا أن يكون الميناء جزءا من نظام بيئي صحي.
مع هذا، يرى بعض الخبراء أن فكرة الموانئ الذكية قد تجد صعوبة حقيقية عند التنفيذ على أرض الواقع في كثير من الأحيان، خاصة إذا تم التعامل مع الميناء باعتباره حلقة منفصلة أو مستقلة عن الصناعة البحرية، فالموانئ الذكية باعتبارها وسيلة لإيجاد بيئية صحية في النشاط البحري، يجب أن تقابلها أيضا تطويرات وعمليات تحديث في صناعة الشحن ذاتها، حيث تصبح السفن أيضا ذكية إذا جاز التعبير لضمان التكامل والتكييف بين الطرفين، وإلا فإن النتيجة النهائية ستختل لوجود ثغرات ناجمة عن التطور غير المتكافئ للطرفين، بما يعنيه ذلك من عملية إهدار للموارد وعدم تعظيم الفائدة من عملية التطوير التي تقوم بها الموانئ البحرية.
مع هذا يجب التأكيد أن اعتماد استراتيجية المنافذ الذكية لا تتم بين عشية وضحاها، فمفهوم الموانئ الذكية مفهوم حديث ومتطور يتطلب عملية تحديث مستمرة، بما يتضمنه ذلك من تحليل وفهم عمليات الموانئ الحالية لاعتماد أفضل استراتيجية ممكنة للمنافذ الذكية، كما أن الأمر لن يقف أبدا عند حدود استراتيجية واحدة قابلة للتطبيق، فهناك عديد من الاستراتيجيات المتاحة التي يجب الاختيار بين أفضلها وفقا لطبيعة التحديات التي تواجه الميناء، ونقاط القوة والضعف التي يتمتع بها وطبيعة الأنشطة والأعمال الاقتصادية والتجارية له.

الأكثر قراءة