الصعود الاستثنائي لـ «تيك توك» يشير إلى إنترنت متعدد الأقطاب
بالنسبة لأي شخص لديه هوايات يمكن مشاركتها مثل صيحات الرقص، أو أكواخ البحر، أو أنماط الحياكة، أو جداول إكسل، فإن منصة تيك توك هي المكان المناسب. برز تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة المملوك للصين باعتباره منصة عالمية ممتعة يمكن الوصول إليها من قبل مليار مستخدم للانغماس في هوسهم، والعثور على جمهور من المتابعين بعقول مشابهة وأحيانا جني الأموال أيضا.
لكن بالنسبة لأولئك الذين يتمتعون بعقلية أكثر تآمرية، فإن منصة الترفيه تمثل عميلا مزدوجا إلكترونيا، وتوجد فرصة للحزب الشيوعي الصيني للتلاعب بالرأي العام، وتخريب الديمقراطيات، والتجسس على غرف نوم المراهقين. في حزيران (يونيو) 2020، حظرت الهند تطبيق تيك توك بعد اشتباك حدودي مع الصين، ما أدى إلى حرمان 200 مليون مستخدم محلي من الخدمة. وفي الشهر التالي، هدد الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترمب، بحظر التطبيق بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي لكنه خسر الانتخابات قبل أن يتمكن من تنفيذ تهديده. وهذا الشهر، أغلق مجلس النواب البريطاني حسابه الخاص على منصة تيك توك خوفا من تسرب البيانات وحذر النواب من أن "احتمال وصول حكومة شي جين بينج إلى البيانات الشخصية على هواتف أطفالنا يجب أن يكون مصدر قلق كبير".
وبينما تحتدم الخلافات حول ما إذا كان تيك توك إما تافها للغاية وإما خطيرا للغاية، أصبحت المنصة بلا شك ظاهرة ثقافية وتجارية غير عادية في أكثر من 150 بلدا. وجد أحدث تقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث أن منصة تيك توك اكتسبت شعبية كبيرة بين المراهقين الأمريكيين. قال نحو 67 في المائة من الأشخاص الذين شملهم استطلاع للرأي إنهم يستخدمون تطبيق تيك توك مقارنة بـ 32 في المائة فقط يستخدمون منصة فيسبوك التي كانت مهيمنة في السابق. كتبت جيسيكا ليسين، مؤسسة الموقع التكنولوجي، ذا إنفورميشن: "منصة تيك توك ليست فقط في روح العصر. بل هي روح العصر".
كونه أروع تطبيق للمستخدمين الشباب، أطاح تطبيق تيك توك بأفضل وأسرع التطبيقات في الساحل الغربي للولايات المتحدة. قبل ظهور المنصة، فشلت شركة تويتر في الاستفادة من تطبيق فاين، تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة الخاص بها. كذلك تعثرت شركات فيسبوك وإنستجرام وسناب في احتكار المنطقة الرقمية التي سيطرت عليها شركة تيك توك الآن. وفقا لتقرير الحركة العالمية لشركة كلاود فلاير، تفوق تيك توك دوت كوم العام الماضي على جوجل دوت كوم ليصبح نطاق الإنترنت الأكثر شعبية. وباستخدام لهجة وادي السيليكون، نمت شركة تيك توك أسرع من الشركات الأسرع نموا.
ربما يكون هناك سببان لهذه الشعبية الهائلة. أولا، المنصة سهلة الاستخدام للغاية وتسبب إدمانا شديدا لمشاهدة مزيد. عبر أدواتها ومجموعة الفلتر الخاص بها، تتيح لمستخدميها إنشاء مقاطع فيديو قصيرة، تراوح مدتها من 15 ثانية إلى عشر دقائق، وتساعدهم على تحقيق الدخل من المحتوى الخاص بهم عن طريق توجيه الإعلانات على طريقتهم.
ثانيا، تروج منصة تيك توك لمقاطع الفيديو من خلال رسم بياني للمحتوى بدلا من الرسم البياني الاجتماعي، كما تستخدمه المنصات الأخرى بشكل شائع. بمعنى آخر، تعمل الخوارزميات المدربة على الذكاء الاصطناعي على الترويج للمحتوى لمن هم على المنصة ممن لديهم اهتمامات مشابهة، بدلا من نشره في الأغلب عبر شبكات المتابعين. من الناحية النظرية، على الأقل، يسمح التطبيق لعدد أكبر من "الأشخاص غير المعروفين" بأن يصبحوا "أشخاصا معروفين".
مع ذلك، يعاني تيك توك بشكل متزايد بعض التشريعات المعتلة نفسها التي تعانيها المنصات الأمريكية. حيث اتهم بنشر معلومات مضللة تضر بالديمقراطية في كولومبيا، وكينيا، وفرنسا، والولايات المتحدة وأماكن أخرى، لا سيما أثناء الحرب في أوكرانيا. يقول التطبيق إنه ينشر أدوات الذكاء الاصطناعي ويوظف الآلاف من الوسطاء في جميع أنحاء العالم لفرض إرشادات صارمة للمحتوى.
ماذا عن التأثير المحتمل للحكومة الصينية؟ مجموعة بايت دانس، الشركة الأم لتطبيق تيك توك، وهي شركة خاصة بلغت قيمتها 180 مليار دولار في ديسمبر 2020، اتخذت خطوة فصلت بموجبها عملياتها الدولية عبر إنشاء هيكل شركة منفصل مقره سنغافورة. تقول منصة تيك توك إن جميع بيانات مستخدميها الدوليين محفوظة في الولايات المتحدة وسنغافورة، واعتبارا من عام 2023 في أيرلندا أيضا. وتصر الشركة على عدم تدفق أي بيانات شخصية إلى الحكومة الصينية، إضافة إلى أنها لن تمنح بكين إمكانية الوصول إلى هذه البيانات حتى إذا طلب ذلك.
في كتابه المستند إلى الأبحاث بشكل كبير، "تيك توك بووم"، حقق كريس ستوكيل ووكر في هذه الادعاءات ولم يعثر على أي دليل على تسرب منهجي للبيانات الشخصية. لكن المهندسون في الصين تمكنوا من الوصول بالفعل إلى بعض البيانات لاختبار الخوارزميات، أو هجمات الحسابات المزيفة الفورية، مثلا. وخلص قائلا: "تطبيق تيك توك ليس خلية خامدة على وسائل التواصل الاجتماعي تنتظر تفعيلها عن بعد على ملايين هواتف الغربيين. الحقيقة هنا أنه لا توجد خدعة كبيرة، لكن بدلا من ذلك هناك كذبة بيضاء صغيرة".
حتى لو كان هذا الاستنتاج صحيحا، فقد لا يجدي نفعا. فلا يزال بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي يهاجمون تطبيق تيك توك باعتباره أداة للقوة الناعمة الصينية. هناك خطر يتمثل في أن الشركة قد تعاني مصير هواواي، الشركة المصنعة لمعدات الاتصالات الصينية المدرجة في القائمة السوداء للولايات المتحدة.
لكن إذا تمكن تيك توك من تجنب أن يصبح ضحية جيوسياسية، فقد يصبح رمزا للحظة في تطور الفضاء السيبراني: إضافة الطابع الصيني على الإنترنت العالمي، كما يسمي المحلل التكنولوجي، بن طومسون، هذه الحالة. في هذا العالم الرقمي، يصبح مزيد من التحكم المركزي على النمط الصيني بالمحتوى عبر خوارزميات التوصية ميزة، وليس عيبا. فلعقود عديدة، هيمنت الولايات المتحدة على معايير وقيم وممارسات الإنترنت الاستهلاكية. ويشير صعود تيك توك إلى مستقبل أكثر إثارة للجدل.