سوق الاكتتابات تنضب .. محامو الشركات يتنفسون الصعداء
هناك رابحون غير متوقعين بعد التباطؤ الأخير في سوق الاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة، وهم منظمو حفلات الزفاف في نيويورك.
قال ديفيد جولدشميت، الرئيس العالمي لأسواق رأس المال في شركة سكادين آربس، إنه شهد ارتفاعا طفيفا في إعلانات الخطوبة وحفلات الزفاف بين الموظفين الذين أجلوا مخططاتهم خلال اندفاع الإدراجات في 2020 و2021.
بعد عامين حافلين بشكل استثنائي، استغل كثير من محامي أسواق رأس المال في المدينة وقت الفراغ الإضافي الذي أتيح لهم. قالت شركات مثل بول وايس وفريد فرانك وسكادين لموظفيها إن بإمكانهم العمل عن بعد لمدة ثلاثة أو أربعة أسابيع خلال آب (أغسطس).
قال جولدشميت، "يجب أن يكون التوازن بين العمل والحياة حالة مستدامة على المدى الطويل. في 2021 كان هذا التوازن معطلا".
من الجيد أن تخف وتيرة العمل المحمومة في شركات المحاماة، لكن ذلك تزامن أيضا مع انخفاض في ساعات العمل المدفوعة، بعد أن كان لتراجع أسواق الأسهم تأثير سلبي في الاكتتابات العامة الأولية في الولايات المتحدة. تسببت عاصفة قوية من التقييمات المتدهورة وعدم اليقين الاقتصادي وتقلبات السوق بانخفاض جمع الأموال من الاكتتابات العامة 95 في المائة منذ بداية العام حتى الآن مقارنة بالفترة نفسها من 2021.
مواكبة وتيرة 2021 السريعة ستكون صعبة دائما، وذلك عندما سجلت عمليات جمع الأموال من خلال الديون والأسهم أرقاما قياسية جديدة، لكن فترة الجفاف الممتدة كانت واضحة جدا لدرجة أن بعضا بدأوا يقارنونها بتداعيات انهيار الدوت كوم بداية القرن الحالي.
جمعت الشركات خمسة مليارات دولار فقط من الاكتتابات العامة الأولية التقليدية في الولايات المتحدة هذا العام، وفقا لشركة ديلوجيك، مقارنة بـ105 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.
تأثر قطاع التكنولوجيا خصوصا بشكل سيئ بعد أن كان المهيمن في طفرة الاكتتابات السابقة، سيصادف يوم العمال مرور 222 يوما منذ آخر إدراج كبير للتكنولوجيا، أي أقل بأسبوعين فقط من الرقم القياسي للقرن الـ21 والمسجل في 2008، وفقا للبيانات التي جمعها فريق أسواق رأس المال في مورجان ستانلي عن شركات التكنولوجيا.
قال بول كوان، كبير مصرفيي الاكتتابات العامة الأولية سابقا في مورجان ستانلي الذي يشغل الآن منصب المدير الإداري في شركة جنرال كاتاليست لرأس المال المغامر، "سيكون إغلاق هذه النافذة هو الأطول خلال الـ20 عاما الماضية".
كوان ليس وحده من أعطى مثل هذا التقييم. عندما أجرى فريق أسواق رأس المال في شركة كيه كيه آر استطلاعا الشهر الماضي شمل أكبر عملائهم، اعتقد أقل من ثلث العملاء أن أسواق رأس المال ستعود إلى العمل بكامل قوتها بعد عطلة يوم العمال الشهر المقبل. كان نصفهم تقريبا يعتقد أن فتح النافذة مجددا لن يحدث حتى العام المقبل. قال ديفيد باور، رئيس أسواق رأس المال في كيه كيه آر، إن التوقعات قد تراجعت أكثر في الأسابيع التي تلت الاستطلاع.
على عكس الأزمة التي أعقبت أزمة الرهن العقاري بين 2007 و2008، فإن تخمة الأموال الرخيصة التي تمكنت الشركات من الاستفادة منها في الأعوام القليلة الماضية تعني أن سوق الاكتتابات الأولية الضعيفة لم تتزامن بعد مع موجة عمليات إعادة الهيكلة وانهيار الشركات.
قال آدم فليشر، الشريك في شركة كليري جوتليب، "في الأسواق سيئة الأداء مسبقا، بدا أن الأمور تسوء بسرعة، حيث انتقلنا من الازدهار إلى الانهيار. هذا العام، نظرا إلى أن معظم الشركات تملك ما يكفيها من المال للاستمرار لفترة من الوقت، فإن الحساب الحقيقي لم يحن وقته بعد".
هذه الأخبار جيدة لكثير من الشركات، لكنها سيئة للمحامين والشركات الأخرى التي اعتمدت على إعادة الهيكلة كمصدر بديل للرسوم عندما نضبت الاكتتابات العامة. قال مسؤول تنفيذي كبير في بنك استثماري كبير إن البيئة الحالية هي بمنزلة "صدمة للسوق المالية" مثل انهيار فقاعة الدوت كوم لكنها لا تعد تهديدا وجوديا للاقتصاد. "إن ما نتعامل معه الآن قد يكون أسوأ لأعمالنا لكنه أقل ترويعا"، حسبما قال.
أضاف أن "الجانب المشرق" هو أن الأساسيات الاقتصادية القوية يجب أن تسمح بانتعاش أسرع عندما تستقر الأسواق وتفتح نافذة الاكتتابات العامة جددا.
أكد مصرفيون ومتداولون وأصحاب رأس المال المغامر على حد سواء أنه لا تزال هناك مجموعات كبيرة من الشركات التي ترغب في طرح أسهمها. قال بيتر جياتشي، الذي يدير فريق تداول شركة سيتاديل سيكيوريتيز في بورصة نيويورك، إن مزيدا من الوضوح بشأن وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل للاحتياطي الفيدرالي في أيلول (سبتمبر) يمكن أن يساعد على تقليل التقلبات وفتح نافذة صغيرة للإدراجات قبل الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر).
من المتوقع أن يأتي المحركون الأوائل من الطرف الأقل خطورة نسبيا من المجموعة، وهم الشركات الكبيرة و"الأسماء البارزة أو التي لديها أساسيات أقوى وليس مجرد قصص تحكي عن النمو"، كما قال روشني بانكر كاريلو، الشريك في شركة ديفيس بولك.
تطبيق إنستاكارت لتوصيل مواد البقالة، الذي خفض أخيرا تقييمه الداخلي أكثر من الثلث، من المتوقع أن يكون من الأوائل الذين سيختبرون السوق، وفقا لبعض الأشخاص المطلعين على خطط التطبيق. تعد موبيلاي، وحدة السيارات ذاتية القيادة التابعة لشركة إنتل لصناعة الرقائق، من المرشحين بقوة نظرا إلى سجل ربحيتها والدعم من مالكها الحالي.
قال آري روبنشتاين، الرئيس التنفيذي لشركة جي تي إس التجارية، "إن أول طرح كبير هو دائما الأصعب. إذا طرحت شركة في السوق وكان أداؤها جيدا، فمن المحتمل أن تجعل كثيرا من الشركات تلحق بها. لكن إذا عمت الفوضى، فلهذا الأمر تأثير معاكس".
تروي شركة باوش آند لومب لمنتجات الرعاية بالعيون قصة تحذيرية وقعت أخيرا. تعد الشركة، التي تحمل اسم عائلتين نافع لها والمدعومة من شركة أم كبيرة، مرشحة مثالية لإعادة فتح السوق عند إدراجها في أيار (مايو). لكن الحملة الترويجية للصفقة تزامنت مع نوبة من التقلبات الشديدة في السوق، وجمعت الشركة بسبب ذلك 210 ملايين دولار أقل مما كانت تأمل جمعه في البداية. منذ ذلك الحين، لم يتم سوى اكتتاب عام واحد فقط تزيد قيمته على 250 مليون دولار.
توسعت قائمة الطروح التي تم تأجيلها، عندما قالت مجموعة التأمين أيه أي جي إنها أجلت الإدراج المخطط لوحدة إدارة الأصول والتأمين على الحياة "بسبب الدرجة العالية من التقلبات في سوق الأسهم" في أيار (مايو) وحزيران (يونيو).
قال جولدشميت من سكادين إن الزيادة الأخيرة الطفيفة في عمليات الاندماج والاستحواذ مثل صفقة استحواذ أمازون على شركة وان ميديكال بقيمة أربعة مليارات دولار ستساعد الأسواق على الاستقرار، كما سيشجع موسم الأرباح الجيد في الربع الثاني على مزيد من مبيعات الأسهم الثانوية من الشركات المدرجة مسبقا، وهو من أنواع جمع الأموال الأقل خطورة التي عادة ما تتعافى قبل تعافي الاكتتابات العامة.
في الوقت نفسه، ستلجأ بعض الشركات إلى مصادر رأس المال الخاص لمساعدتها للتغلب على المصاعب. قال بعض المصرفيين إنهم يتوقعون أن يشهدوا زيادة في الصفقات المهيكلة مثل السندات القابلة للتحويل قبل الاكتتاب العام، التي يمكن استخدامها لزيادة رأس المال دون قبول تقييم أقل وذلك من خلال جمع تقليدي للأموال بالأسهم. مع ذلك، يقول بعض إنه ينبغي للشركات ألا تتمسك بالتقييمات التي أصبحت الآن غير واقعية وحددها عدد صغير من المستثمرين في ذروة الطفرة.
قال داني ريمر، الشريك في شركة إندكس فنتشرز، "هل يجب أن تأخذ اليوم تقييما أقل بشروط واضحة أم تقييما أعلى أو التقييم نفسه حتى؟ نوصي بالخيار الأول، في كل يوم من أيام الأسبوع".
قال ريمر الذي أسس مكتب شركة إندكس في لندن في خضم انهيار فقاعة الدوت كوم في 2002، إن الشركات قبل الاكتتاب التي تأثرت بهذا التراجع يجب أن تصبح "أكثر دهاء وفاعلية وتفكرا"، لكنه قال إن كثيرا منها ستخرج أقوى، على عكس ما حدث خلال فقاعة الدوت كوم.
"إنها شركات حقيقية. في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 عندما كان هناك انهيار، كانت كثير من تلك الشركات المتأثرة ما تزال مجرد أفكار"، كما أضاف ريمر مستشهدا بشركات مثل ويب فان، مجموعة خدمات توصيل البقالة التي تقدمت بطلب للإفلاس في 2001، وكذلك موقع شركة بيتس دوت كوم لبيع مستلزمات الحيوانات الأليفة عبر الإنترنت، التي لم يعد لها وجود الآن. أضاف، "تلك الأفكار لم تكن خاطئة، لكن جاءت في وقت مبكر جدا".
يشعر معظم المديرين التنفيذيين بالتفاؤل بأن النشاط سيعود إلى طبيعته في 2023، وإن كان بمستويات أقل من 2020 و2021. قال كوان من شركة جنرال كاتاليست إنه يأمل في أن يجبر التراجع الشركات على اتباع نهج في النمو يتسم بمسؤولية أكبر في المستقبل، لكن الآخرين يتوقعون ندوبا أكثر ديمومة. مثلا، قال المسؤول التنفيذي في البنك الاستثماري الكبير إن شركات الأسهم الخاصة على وجه الخصوص ستبقي شركات المحفظة خاصة لفترة أطول. أضاف، "إن الآثار الناجمة ستخنق الأسواق لبضعة أعوام مقبلة".