العودة للمدارس عودة للحياة

أسابيع قليلة وتنتهي إجازة الصيف وتبدأ الحياة في عودتها إلى الانتظام والإنتاجية تزامنا مع تحسن الأجواء. وباعتبار أن إجازة الصيف الحالية من أقصر الإجازات فهناك تعبيرات بأن الإجازة كانت قصيرة جدا والعودة مبكرة جدا. ولو أن هذه التعليقات تأتي ممن يزدحم صيفه بالبرامج الترفيهية والترويحية والإنتاجية لعذرناه، لكنها في معظم الحالات تأتي ممن يندمج أثناء الصيف مع الفوضى والرتابة ويخلو يومه من البرامج المثرية ترفيها كانت أو إنتاجا.
لم نعتد على الاستفادة من الوقت والترفيه بالطرق المناسبة، سواء كان صيفا أو نهاية أسبوع طويلة، أو إجازة رسمية مناسبة. ولهذا يفقد البعض بهجة الاستمتاع بالصيف ومع ذلك يخاف من مفارقته. الرتم الطبيعي أن يعمل الإنسان في معظم ساعات نشاطه، ويحدد من هذه الساعات قدرا معتبرا للترويح عن النفس والاسترخاء، وقدرا آخر معتبرا لاستكشاف الذات والعمل في أمر يستمتع به، هواية أصيلة أو مبتكرة. وربما تمكن بعضهم من دمج الأول مع الثالث، وهذا أمر رائع لكنه يتطلب مهارات خاصة بعض الشيء. عندما تتاح فرصة الاستمتاع بالإجازة، تتوقف ساعات العمل ويقضي الفرد إجازته في الاسترخاء والعمل الممتع "الهوايات والأنشطة". إلى حد ما، ينطبق هذا الأمر على الجميع، من الطالب حتى الموظف والتاجر.
كلما أصبحت الهواية أكثر عمقا واختلافا، وتطلبت نشاطا بدنيا وذهنيا مختلفا عن طبيعة ما يستهلكه العمل، وفعلت في سياق مختلف عن سياقنا اليومي الطبيعي، ورأينا فيها وجوها مختلفة عن التي نراها في أماكن العمل والحياة اليومية، أصبحت أكثر استمتاعا وتأثيرا. وهذا أمر يصعب شرحه ولا يعرفه إلا الذي يمارس شيئا من هذه الأنشطة. والحقيقة اختلف واقعنا اليوم عن السابق، فهناك عدد لا يستهان به من البرامج والأنشطة التي تتوزع في مختلف المناطق، بعضها يحصل في أماكن خارجية وبعضها داخل أماكن مغلقة. ولا نتحدث بالضرورة عن نشاط سياحي تقليدي أو ممارسة للرياضة فقط، فالتنوع اليوم في نمو غير مسبوق، من ألعاب الماء والهواء حتى الفنون والأفكار. صحيح هناك الكثير لتتطور البنى التحتية التي تحفز هذه الأنشطة وتصنع باقة متنوعة من الخيارات متاحة لكل فرد. من المتوقع أن تكون هناك خصوصية للمناطق والمجتمعات في اختيار أو تفعيل هذه الخيارات التي تتاح، نخبوية كانت أو شعبية، احترافية أو بسيطة، بمعيار عالمي أو ببساطة محلية.
من الملاحظ أيضا أن هناك نموا للمجتمعات التي تلتقي عند هواية أو اهتمام محدد، والنمو ليس في عدد المجتمعات فقط، وإنما في طريقة تفاعلها. وهذا بالطبع تأثر بما تقدمه لنا التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي من قنوات لهذا النوع من التواصل، ويتأثر بأمور بسيطة مثل توافر الأدوات عن طريق شرائها من الإنترنت. ومن ينظر إلى هذه التجمعات يجد أن لكل هواية أو نشاط محبيه الذين يستمتعون به ويتفاعلون من أجله، ويستهلكون جزءا معتبرا من طاقاتهم في الاهتمام به، سواء كانوا محبين للسيارات الكلاسيكية أو ممن يغوصون تحت الماء أو يطيرون بالأشرعة أو يقودون السيارات "بالريموت" أو طائرات الدرون، وهناك طبعا قائمة طويلة من الأنشطة الفكرية والذهنية مثل الحوارات القيمة على الإنترنت أو الأنشطة الأدبية أو حتى لعب الشطرنج. الفارق الواضح أن الخيارات المتاحة أصبحت أكثر ثراء وأسهل وصولا من ذي قبل ولم تعد تنحصر في لعب الورق أو الكشتات أو الاجتماعات القائمة على الدردشة فقط. فعليا، الإجازة الصيفية لا تنهي هذه الأنشطة أعلاه، ولا تبتدئها. لأن المهتم بصنع التوازن لنفسه سيجد من الوقت ما يستمتع به، وسيعمل على إعادة شحن طاقاته بمثل هذه الاهتمامات. سيجد ما يناسبه خلال الأسبوع وتحديدا في نهايته، وما يناسبه في الإجازات الأطول. الصيف لا يمثل إلا أكبر الفسح المتاحة، مجرد ذروة زمانية لهذا الأنشطة، لكنها فعليا متاحة في معظم أوقات العام، باستثناء ما يتطلب أجواء معينة. لهذا، العودة إلى المدارس مجرد فرصة لبدء موسم جديد من العمل والاستمتاع، من الجد والارتياح، من العطاء والأخذ. الحياة الحقيقية لا تقوم على رتابة عمل طوال العام ورتابة كسل طوال الصيف، وإنما هي عمل واستمتاع مستمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي