رئيسة وكالة البحوث والابتكار البريطانية: نحن بحاجة إلى نظام يقدر الاختلافات
تعتقد أوتولين لايزر، أستاذة علم النبات في جامعة كامبريدج، أنه يجب أن نتعلم دروسا ثمينة في القيادة من الخضراوات. منذ أيام دراستها، "تملكت" لايزر الرغبة في معرفة كيفية تطور النباتات وتكيفها مع بيئاتها - وتكافح أيضا لفهم سبب عدم شغف الآخرين بالطريقة نفسها.
لكن على عكس الحيوانات المبرمجة وراثيا، التي تستغرق أجيالا من أجل التكيف، يتعين على النباتات إعادة تشكيل نفسها كل يوم. إنها تنمو في اتجاه شروق الشمس، وتقرر أفضل وقت للإنبات وفقا لحالة الطقس وتحاول كذلك التصدي للمفترسات، وهو أمر صعب عندما تكون جذورها راسخة في مكان واحد. تقول، "في سياق الحديث عن النباتات، فإن معظم التطور يحدث بعد اكتمال نموها، حيث يوجد ذلك مرونة استثنائية في بنية النبتة".
لايزر، التي حصلت على لقب سيدة في 2017، تبتسم للادعاء "غير الصحيح" بأن هوسها الأكاديمي ربما كان السبب المثالي الذي هيأها لكي تتولى منصبها الحالي رئيسة تنفيذية لوكالة البحوث والابتكار في المملكة المتحدة، وهي وكالة عامة مسؤولة عن إنفاق أكثر من ثمانية مليارات جنيه استرليني سنويا من أجل تمويل الأبحاث. على الرغم من عزم الحكومة على تحويل بريطانيا إلى "قوة علمية عظمى"، إلا أن مجتمع الأبحاث في البلاد يواجه حالة من عدم اليقين في فترة ما بعد بريكست وإمكانية تنحيته من برنامج هورايزون يوروب للعلوم التابع للاتحاد الأوروبي الممول بمبلغ 95 مليار يورو. ما كان على هذا المجتمع إلا أن يتكيف مع ذلك بالسرعة الممكنة.
إدراكا منها للبيئة السياسية والاقتصادية المتغيرة التي ترتكز عليها وكالة البحوث والابتكار البريطانية "يو كيه آر آي"، تحاول لايزر تطوير نهج لامركزي وطموح لدعم البحث والابتكار المؤثرين. حيث قالت في مقابلة أجرتها في مكاتب يو كيه آر أي المطلة على نهر التايمز في وسط لندن، "أحب حقا أن أفكر مثل الخضراوات".
تم تعيين الأستاذة البالغة من العمر 57 عاما رئيسة تنفيذية للوكالة في 2020، على اعتبار أن مهمة الوكالة هي "اغتنام هذه اللحظة التاريخية من أجل إعادة الابتكار الوطني". أسست الهيئة العامة في 2018 لتنسيق الجهود بين سبعة مجالس بحثية، تشمل الطب والهندسة والعلوم الفيزيائية والبيولوجية والعلوم الإنسانية، إضافة إلى مؤسسة ريسيرتش إنجلاند ووكالة إنوفيت يو كيه للابتكار.
تقول لايزر إنها كانت مهتمة بالتقدم للوظيفة في الوقت نفسه عندما تم التواصل معها للسبب نفسه. تطمح لايزر في مساعدة وكالة يو كيه أر أي على بناء بيئة بحثية أكثر تنوعا وترابطا من شأنها أن تقدم قيمة حقيقية للاقتصاد. يتمثل التحدي الذي تواجهه في إقناع رؤساء جميع المجالس التسعة الأعضاء في اللجنة التنفيذية في الوكالة بوضع طموحهم المشترك فوق المصالح التي تتطلبها القطاعات التي ينتمون إليها. تقول، "إن القوة المذهلة لوكالة يو كيه آر أي هي أن لدينا مجموعة من الأنشطة التي يمكنها أن تحقق جميع أنواع النتائج".
كانت وظيفتها السابقة هي إدارة مختبر سينزبوري في جامعة كامبريدج، التي وصفتها بوظيفة أحلامها. أسس المختبر في 2011 عن طريق منحة قدرها 82 مليون جنيه استرليني من مؤسسة جاتسبي الخيرية، ويركز المختبر على النمذجة الحاسوبية لعلم أحياء النباتات، الذي يضم أكثر من 120 باحثا. وترجمت لايزر قناعتها إلى ممارسة عملية بأن البحث ينبع من التعاون المشترك أكثر مما ينبع من عبقرية شخص واحد. كما تقول، "في الأساس البحث عبارة عن مسعى جماعي".
تجادل لايزر بأن الاستجابة العالمية لجائحة كوفيد - 19 أوصلتنا إلى هذه المرحلة، مؤكدة إمكانية تضييق الفجوة بين العلم والمجتمع. على الرغم من أن الجائحة كانت صادمة لكثير من الناس، إلا أن التجربة المشتركة التي نتجت عنها يمكن أن تؤدي إلى "الحصول على مكاسب من كوفيد" من حيث التقدير المتزايد لقيمة البحث المشترك.
يرجع الفضل في تطوير اللقاحات إلى ثمرة العمل الذي قام به الأفراد. لكنه اعتمد أيضا على المعرفة المتراكمة للعلماء السابقين، والخبرة التصنيعية للشركات، وقدرة المنظمين على التكيف، وتفاني خدمة الصحة الوطنية والمشاركة الجماعية للمتطوعين والمواطنين، الذين شمروا عن سواعدهم لأخذ اللقاح.
تقول لايزر، "أعتقد أن جائحة كوفيد أوجدت لنا فرصة سانحة. كانت هناك جهود وطنية مشتركة هائلة لإنقاذنا من الجائحة. هذا هو السبب في أن الانحراف عن البحث والتطوير على اعتبار أنه أمر يقوم به الأشخاص الأذكياء يمثل مشكلة كبيرة أمامنا".
بحسب ما تعتقده لايزر، فقد تم التركيز كثيرا على مجموعة صغيرة جدا من المقاييس، مثل الاستشهادات في الأبحاث المرموقة. يميل ذلك إلى دفع الباحثين نحو البحث الذي يمكن التنبؤ بنتائجه ويشجع على الامتثال. أما هدفها فهو توفير مزيد من "الأمان النفسي" للباحثين ليخوضوا غمار المخاطر. كما تقول، "إذا اختلف معك شخص ما، فهذا شيء رائع. نحن بحاجة إلى نظام يقدر الاختلافات".
مع الاعتراف بأهمية المقاييس، تقول لايزر إنه يجب تفسيرها ضمن سياق مجتمعي أكثر شمولا نظرا إلى العلاقة المعقدة بين المدخلات والمخرجات في البحث العلمي. قالت، "يجب أن ندعم الأشخاص الذين يخوضون هذه المخاطر الفكرية المذهلة. لكن الطريقة التي تعمل بها أنظمة الحوافز لدينا في البحث تهدم فكر المخاطرة بدلا من أن تدعمه".
بطبيعة الحال، ترحب لايزر بالتزام الحكومة بزيادة التمويل في البحث العلمي والفرصة التي إتاحتها لإعادة التفكير في كيفية السعي من أجل تحقيق ذلك. على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، تعهدت الحكومة بزيادة ميزانية البحث لوكالة يو كيه آر أي 14 في المائة لتصل إلى 8.9 مليار جنيه استرليني. تتمثل استراتيجية الوكالة حول أربعة محاور هي دعم الأشخاص، والأماكن والأفكار والابتكار. الهدف من ذلك هو أن تصبح المملكة المتحدة أكثر الوجهات جاذبية للعمل بالنسبة إلى الباحثين، وبناء مؤسسات وبنية تحتية على مستوى عالمي، واغتنام الفرص من الاتجاهات الجديدة في البحث والتأسيس لقطاعات الأعمال عالية النمو في المستقبل.
وعلى الرغم من أن هذه الطموحات مثيرة للإعجاب، إلا أنها ستكون جوفاء بالنسبة إلى كثير من الباحثين في بريطانيا حيث وجدوا أنفسهم في مواجهة حقائق قاسية مثل بريكست والقيود المالية التي تحكمهم. ومثل أغلبية العلماء البريطانيين، صوتت لايزر للبقاء في استفتاء 2016 المتعلق بعضوية الاتحاد الأوروبي. لا تزال تأمل في أن تبقى بريطانيا جزءا من برنامج هورايزون للأبحاث التابع للاتحاد الأوروبي، وهو "أفضل خيار" متاح من أجل تمكين الباحثين من البقاء على صلة بباقي الشبكة الأوروبية. لكن إذا خسرت بريطانيا هذه العلاقة، كما تقول، سيتعين على وكالة يو كيه آر أي أن تعمل بجد أكبر في سبيل مد جسور التعاون عالميا.
تؤكد لايزر أيضا ضرورة التنوع. حيث شجعت مزيدا من النساء على الدخول في البحث العلمي. لكنها تدرك أيضا الحاجة إلى العثور على أشخاص من خلفيات غير تقليدية ممن تتوافر لديهم أفكار ذكية. تأمل لايزر أن تقوم وكالة الأبحاث المتقدمة والابتكار "آريا" التي أسست أخيرا، وهي وكالة للأبحاث عالية المخاطر والعائدات ويتم تمويلها بشكل منفصل، بالمساعدة على اكتشاف المبتكرين غير التقليديين. تقول، "بالنسبة إلي، السؤال الأساس يدور حول إيجاد ثقافة تتمتع بالتنوع".
على الرغم من أن الشخص الذي عينته وكالة آريا في الأساس قد تراجع في وقت سابق من هذا العام، فقد أعلنت الوكالة الأسبوع الماضي أنها عينت إيلان جور ليكون رئيسها التنفيذي الأول. جور هو مؤسس "أكتيفيت"، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة حيث ساعدت العلماء على تأسيس أكثر من 100 شركة ناشئة.
في محاضرة عن حضور المرأة في العلوم التي ألقيت في جامعة دورهام في 2018، بعنوان "متعة أن تكون مخطئا"، اقتبست لايزر من ألبرت أينشتاين، "إذا كنا نعرف ما نقوم به فلن يطلق عليه اسم البحث". أضافت لايزر أنها تتفهم أن عدم اليقين هذا يجعل الناس غير مرتاحين. لكن الشعور بالراحة تجاه عدم اليقين كان شرطا أساسيا لتقدم العلم. أضافت، "الأبحاث عالية الجودة تعتمد علينا في إيجاد طرق لقبول المجهول والاستمتاع بكوننا مخطئين".
النهج الذي تتبعه لايزر اكتسب مؤيدين بالفعل. يقول سورانجا تشاندراتيلاكي، وهو مستثمر رأسمالي مغامر في "بولديرتون كابيتال"، "إنني متحمس لرؤيتها حول ما يمكن أن يصبح عليه شكل البحث والابتكار في هذه الدولة. إنها تتمتع بوجهة نظر شاملة مفادها أن الابتكار يجب أن يكون ذا صلة بالجميع".
مع ذلك، رؤية لايزر لنهج تعاوني عالي المخاطر وطويل المدى للبحث العلمي يبدو أنها تسير عكس الممارسة السياسية في بريطانيا، التي في الأغلب ما تتغذى على الانقسامات والابتعاد عن المخاطر والمدى القصير. العلماء والسياسيون يميلون إلى العمل وفقا لأجندات وأولويات وأوقات مختلفة.
تعترف لايزر أيضا بالاختلافات الصارخة بين هذين العالمين، لكنها شخصية سياسية بما يكفي لضمان عدم انحرافها عن رسالة الحكومة. قد تتفق مع الادعاء المستفز بأن السياسيين ليسوا مثيرين للاهتمام مثل الخضراوات. تضحك قائلة، "لكن على الرغم مع ذلك، الناس مثيرون جدا للاهتمام".
قبل أن يبدأ أي سياسي بالهجوم، يجب التأكيد أنه، في عالم لايزر، لا يوجد سوى قليل جدا من الموضوعات التي تتملكها - أو الملهمة بالنسبة إليها - مثل النباتات.
ثلاثة أسئلة طرحتها على أوتولين لايزر
من هو قدوتك في القيادة؟
كنت محظوظة في العمل إلى جانب كثير من القادة البارعين على مر الأعوام وتعلمت كثيرا منهم جميعا، لكنني سأخص والدتي بالذكر باعتبارها قدوتي في القيادة. لم تشغل والدتي مناصب يعتقد معظم الناس أنها مناصب قيادية، لكن هذا هو بيت القصيد. القيادة لا تتعلق باللقب الذي تحمله، ولا بإخبار الناس بما يجب فعله. القيادة هي فهم ما يجب القيام به والعمل على التأكد من حدوثه.
ما الدرس الأول الذي تعلمته عن القيادة؟
من الشائع جدا وضع افتراضات لا أساس لها تماما حول ما يمكن تغييره وما لا يمكن تغييره. يمكن النظر عبر منظور أكثر شمولا لتحدي الفرضيات والتأكد من أن تتسبب جميع الخيارات في تغيير جذري.
ماذا كنت ستفعلين لو لم تكوني رئيسة تنفيذية؟
المملكة المتحدة تجري أبحاثا وابتكارات رائدة على مستوى العالم، لكننا لا نحصد كل فوائدها اقتصاديا أو اجتماعيا. إن نظام البحث والابتكار لدينا مجزأ للغاية. إذا لم أكن حيث أنا الآن، فسأحاول معالجة واحد من أكبر الحواجز الإشكالية - وهو الحاجز بين العلم، على نطاق واسع، وكل المجتمع. هذا يتطلب تغيير طريقة تفكيرنا جميعا تجاه العلم، ربما من خلال تغيير الطريقة التي يتم بها تصنيف العلم في وسائل الإعلام أو في المناهج الدراسية أو في المؤسسات الثقافية مثل المتاحف والمكتبات.