صدوع في سوق القروض الاستهلاكية الأمريكية

صدوع في سوق القروض الاستهلاكية الأمريكية

يراقب المستثمرون من كثب صدوعا دقيقة في سوق القروض الاستهلاكية الأمريكية مع شعور المقترضين من ذوي الدخل المنخفض بضغط ارتفاع الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة.
ارتفعت مستويات ديون الأسر الأمريكية بشكل كبير هذا العام حيث يقترض الأمريكيون المزيد للدفع مقابل المنازل والسيارات باهظة الثمن على نحو متزايد.
لا يتعلق الأمر بالمشتريات باهظة الثمن فحسب: ارتفاع الإيجارات، إضافة إلى ارتفاع الأسعار في محطة البنزين وفي محل البقالة، دفع المستهلكين إلى الاعتماد بشكل أكبر على بطاقات الائتمان. تظهر أبحاث أجراها "الاحتياطي الفيدرالي" في نيويورك أن ديون الأسر الأمريكية حطمت الأرقام القياسية، بارتفاعها إلى 16 تريليون دولار في الربع الثاني، أي أعلى بواقع تريليوني دولار تقريبا عن مستويات ما قبل الجائحة.
في الوقت الحالي تظل حالات التأخر عن السداد الإجمالية – الديون التي تجاوزت تاريخ استحقاقها – منخفضة تاريخيا عند نحو 2.7 في المائة ولم يسجل المقرضون الكبار، بما في ذلك البنوك، ارتفاعا كبيرا في الخسائر على القروض الاستهلاكية. وظلت معدلات البطالة ثابتة عند المستويات الدنيا لفترة ما قبل الجائحة واستمر الأمريكيون في لمس فائدة التحفيز في بدايات الجائحة.
لكن في حين أن حالات التأخر عن السداد الإجمالية لم ترتفع في الربع الثاني ولا تزال أقل بواقع نقطتين مئويتين عما كانت عليه في فترة ما قبل الجائحة، إلا أن تركيبتها تغيرت. هناك حصة متزايدة الآن في المراحل الأولى من حالات التأخر في السداد، وفقا لبيانات الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ما قد يشير إلى تطور المشكلات. هذه المشكلات جديرة بالملاحظة بشكل خاص في قروض بطاقات الائتمان والسيارات، حيث تتزايد حالات التأخر عن السداد في المناطق ذات الدخل المنخفض وبين مقترضي الرهن العقاري.
يحذر محللون واقتصاديون من أن هذه المشكلات قد تنتشر مع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بسرعة لكبح نمو الأسعار الذي يستمر في الارتفاع عند أعلى مستوياته منذ 40 عاما.
لم يؤثر تشديد البنك المركزي بعد في سوق العمل في الولايات المتحدة، حيث انخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له منذ نصف قرن، لكن الاقتصاديين يتوقعون أن يحدث ذلك في النهاية مع تقليص الشركات للتوظيف. ومن المتوقع أيضا أن تؤدي السياسة النقدية الأكثر تشددا إلى زيادة صعوبة الوصول إلى الائتمان الجديد، في حين يواجه المقترضون مدفوعات ديون أعلى على بطاقات الائتمان وغيرها من القروض متغيرة الفائدة.
أظهرت الأرقام من "دي في 01"، منصة بيانات السوق التي تتعقب القروض الاستهلاكية التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية، مثل سوفي وليندنج كلب وبروسبر ومارليت، أن حالات انخفاض التصنيف الائتماني الجديدة التي لم يتم إصلاحها في غضون 30 يوما تجاوزت مستويات ما قبل كوفيد لأول مرة في مايو.
يحدث الانخفاض في التصنيف الائتماني عند إضافة معلومات سلبية عن المقترض – المدفوعات المتأخرة، والتخلف عن السداد، والتأخر في السداد – إلى ملفه.
كان هذا الاتجاه مدفوعا بالمقترضين الذين حصلوا على درجات ائتمانية منخفضة، لكن بيانات منصة دي في 01 أشارت أيضا إلى ارتفاع معدلات خفض التصنيفات الائتمانية بين الأسر التي يصل دخلها إلى 120 ألف دولار سنويا.
يبلغ مجموع القروض المستحقة التي يتم تتبعها بواسطة منصة دي في 01 نحو 30 مليار دولار. هذا رقم أقل كثيرا مقارنة ببطاقات الائتمان أو الرهون العقارية، لكنه لا يزال ملحوظا لأن قروض التكنولوجيا المالية هذه من المحتمل اعتبارها "غير قابلة للتحصيل" – قرض متأخر في السداد يشير إليه المقرض على أنه من غير المحتمل سداده – بصورة أسرع من القروض الاستهلاكية التقليدية، حسب جيسون كالان، رئيس منتجات الهيكل في شركة كولومبيا ثريدنيدل، ما قد يكشف عن مشكلات في هذا القطاع في وقت قريب.
قال كالان: "لا تزال معظم البيانات عالية المستوى تبدو منخفضة بشكل لا يصدق. لكن هذه المشكلات تبدأ من مكان ما. عندما تشدد معايير الإقراض، فإنك تقطع الوصول إلى الائتمان، وتتقاضى رسوما أكبر مقابل هذا الائتمان، ما يؤدي إلى نتائج أسوأ وأسوأ".
معدلات التأخر في السداد بدأت ترتفع في قروض السيارات أيضا، مدفوعة بالمقترضين من الرهن العقاري – بلغ المعدل في يونيو 2.7 في المائة، بزيادة 0.8 نقطة مئوية عن العام الماضي، وفقا لبيانات التي جمعتها وكالة موديز. هذا الاتجاه لا يزال أقل كثيرا من المتوسطات التاريخية، لكن من المتوقع أن تستمر هذه المعدلات في الارتفاع مع سحب آخر مدخرات تحفيز كوفيد، حسبما ذكر تقرير وكالة موديز.
كان الارتفاع في حالات التأخر في السداد حتى الآن منخفضا للغاية ومحدودا، بحيث لا يشير إلى تزايد خطر حدوث ركود. لكن كل نقطة من نقاط البيانات هذه تشير إلى أنه على الرغم من معدل البطالة الذي يبلغ 3.5 في المائة ومعدل الاستهلاك الذي لا يزال قويا، إلا أن الضغوط الاقتصادية تتراكم على الأسر ذات الدخل المنخفض. وقد بدأت هذه الضغوط مع تآكل المدخرات جراء الجائحة وستزداد سوءا مع تشديد الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية في محاولة متعمدة لتهدئة الاقتصاد الأمريكي.
من المقرر أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بنسبة تراوح بين 0.5 و0.75 نقطة مئوية في اجتماعه المقبل في سبتمبر. كان الدليل على التباطؤ في أكبر اقتصاد في العالم – الربع الثاني على التوالي من الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي الذي تم الإبلاغ عنه في يوليو – قد دفع المستثمرين في البداية إلى المراهنة على أن الاحتياطي الفيدرالي سيبطئ وتيرة ارتفاع أسعار الفائدة في سبتمبر بعد زيادتين بواقع 0.75 نقطة مئوية في يونيو ويوليو. لكن أدى تقرير الوظائف القوي الذي صدر الجمعة الماضي، الذي يظهر ارتفاعا مستمرا في الأجور عبر القطاعات، أدى إلى تغيير التوقعات في الوقت الراهن.
قال إريك فينوجراد، الخبير الاقتصادي في شركة ألاينس بيرنشتاين: "أعتقد من المحتمل جدا أن نشهد فترة مستدامة من النمو البطيء للغاية. في مثل هذا النوع من البيئة، أتوقع أن أرى زيادة في تأخر المستهلك عن السداد. أعتقد أن سوق العمل ستضعف. ومع ضعف سوق العمل، سيكافح الناس ليتكيفوا مع الظروف المتغيرة فيما يتعلق بمدفوعات ديونهم".

الأكثر قراءة