أيرلندا تنعم بمكاسب مفاجئة من ضرائب الشركات .. لكن كيف ستوظفها؟

أيرلندا تنعم بمكاسب مفاجئة من ضرائب الشركات .. لكن كيف ستوظفها؟

بالنسبة إلى دول كثيرة في الاتحاد الأوروبي، تبدو التوقعات الاقتصادية قاتمة بسبب زيادة المخاوف من الركود وتقييد الموارد المالية الحكومية. لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى أيرلندا.
تنعم جمهورية أيرلندا بمكاسب غير متوقعة من ضرائب الشركات بلغت ثمانية مليارات يورو بعد أن تمتعت شركات التكنولوجيا والأدوية بإيرادات كبيرة عززتها الجائحة. حيث ارتفعت قيمة الضرائب المحصلة من الشركات التي انجذبت لنسبة الضريبة في أيرلندا عند 12.5 في المائة منذ 2015 لتقفز هذه التحصيلات بنسبة أخرى قدرها 30 في المائة العام الماضي مقارنة بـ2020.
نما الاقتصاد الأيرلندي 6.3 في المائة خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بمتوسط نمو بلغ 0.6 في المائة فقط في الاتحاد الأوروبي. كان التأثير الذي أسهمت فيه الشركات متعددة الجنسيات كبيرا لدرجة أن أرقام أيرلندا جعلت أرقام الاتحاد الأوروبي تبدو مشوهة، على الرغم من أن أيرلندا التي يبلغ عدد سكانها 5.1 مليون نسمة تشكل أقل من 3 في المائة من اقتصاد المنطقة.
قال داني ماكوي، رئيس اتحاد أصحاب العمل في إيبيك "منظمة اتحاد رجال الأعمال وأصحاب العمل الأيرلندي"، إنه مع ارتفاع معدلات التوظيف والاستثمار الأجنبي إلى مستويات قياسية، فإن "الاقتصاد أصبح أكثر سخونة من الطقس"، مشيرا إلى الارتفاع القياسي في درجات الحرارة في الآونة الأخيرة.
مع ذلك، فإن أيرلندا لا تخلو من المشكلات. ارتفعت الأسعار 9.1 في المائة خلال العام الجاري حتى حزيران (يونيو) الماضي. تشعر العائلات الأيرلندية بأن غلاء سوق الإسكان يجعلها عاجزة عن شراء بيت في دبلن ومدن أخرى.
قال مارك ميرفي، 39 عاما، وهو مدير إقليمي في مؤسسة خيرية ويعيش مع زوجته في ويست كورك، "نحن لا نتقاضى أجورا متدنية". قام بتأخير خططه للزواج وتكوين أسرة من أجل توفير المال لشراء منزل "متواضع للغاية" بسعر يقارب 300 ألف يورو. قال، "لكن أسعار المنازل نفسها باتت الآن تبلغ 400 ألف يورو - لا يمكننا أن ننال هذا الشرف -شراء بيت".
انكمش الإنفاق الاستهلاكي 1.3 في المائة في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة. انخفض الطلب المحلي المعدل 1 في المائة خلال الربع الأول، وهو مقياس لحجم النشاط الاقتصادي الذي يستبعد إنفاق بعض الشركات متعددة الجنسيات ويعد مؤشرا أكثر دقة من الناتج المحلي الإجمالي.
يحذر مسؤولون من تأثر ضريبة الشركات بالتقلبات. نصف إيرادات ضرائب الشركات التي بلغت 15.3 مليار يورو العام الماضي جاء من عشر شركات فقط - من بينها "أبل"، و"جوجل"، و"إنتل"، و"ميتا"، و"أمازون" و"فايزر".
أما في الوقت الحالي، الإيرادات الضريبية الجيدة تمنح أيرلندا احتياطيات مفيدة، مع وجود فائض مالي متواضع للغاية تتوقع اكتسابه في حال استمرت مستويات الإنفاق على ما هي عليه، على الرغم من أن أيرلندا تفكر الآن في فرض ضريبة إضافية على شركات الطاقة في ميزانية 2023 في 27 أيلول (سبتمبر) اقتداء ببعض الدول المجاورة من الاتحاد الأوروبي، مثل إسبانيا.
قال ديرموت أوليري، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة جود بودي للوساطة المالية، إن أيرلندا ليست بحاجة إلى السير على "خطا روبن هود" لأنها تستطيع استخدام الأرباح غير المتوقعة من ضرائب الشركات لتمويل الإنفاق الذي أعلنته في الميزانية بمبلغ يقارب سبعة مليارات يورو.
قالت وكالة دي بي آر إس مورنينج ستار للتصنيف الائتماني إنه حتى بعد استبعاد قطاع الشركات متعددة الجنسيات، انكمش الاقتصاد المحلي لأيرلندا في 2020 وتعافى بشكل أسرع في 2021 من الاتحاد الأوروبي في المتوسط.
قال نائب رئيس الوزراء، ليو فارادكار، في إحدى المناسبات الشهر الماضي تم خلالها عرض بيانات استثمارية داخلية قياسية، "ساعدت الوظائف والإيرادات التي أوجدتها الشركات متعددة الجنسيات على بقائنا بعيدا عن الركود عندما ضربت الجائحة، وهي الآن تمنحنا القوة المالية للتخفيف من أعباء أزمة تكلفة المعيشة وتجنب الركود مرة أخرى".
لكن إذا تعرض الاقتصاد العالمي للتراجع، فقد يكون القطاع متعدد الجنسيات في أيرلندا بمنزلة نقطة ضعف لها. خطر حدوث ركود في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة آخذ في التزايد. وإذا حصل أي انكماش فسيضر ذلك بأرباح الشركات التي تستثمر في أيرلندا وسينتج عنه انخفاض الإيرادات الضريبية.
قال البنك المركزي إن إيرادات ضرائب الشركات، التي فاقت التوقعات على مدى الأعوام السبعة الماضية، كانت أعلى من المتوقع بمقدار ثمانية مليارات يورو العام الماضي، وأنها حققت نحو تسعة مليارات يورو في النصف الأول من هذا العام وحده.
لكن الحكومة كانت مترددة في تحديد ما إذا كانت ستستخدم المكاسب الضريبية المفاجئة في الميزانية أو كيفية استخدامها، لكن البنك المركزي والمجلس الاستشاري المالي الأيرلندي حذرا من الاعتماد على الإيرادات الضريبية التي قد تتسم بالتقلب.
قال سيموس كوفي، محاضر في جامعة كوليدج كورك وخبير في ضرائب الشركات، "لا يوجد في الأفق ما يشير إلى أن عائدات ضرائب الشركات ستنخفض بسرعة. لكن قبل خمسة أو ستة أعوام، لم يكن في الأفق ما يشير إلى أنها سترتفع".
قال جون فيتزجيرالد، أستاذ الاقتصاد في كلية ترينيتي، إن أسوأ سيناريو للانخفاض الحاد في إيرادات ضرائب الشركات يتمثل في خسارة ما بين 3 إلى 4 في المائة من الدخل القومي – وهي ضربة موجعة للمالية العامة.
حذرت منظمة إيبيك من أن الاقتصاد الأيرلندي يتجه نحو "نقطة تحول"، وأنه "بالنسبة إلى أيرلندا، باعتبارها اقتصادا صغيرا يتسم بالانفتاح، يمكن أن يكون للتحولات في تدفق رأس المال عبر الاقتصاد العالمي تأثير كبير في نموذج نمونا".
كما حذر البنك المركزي من التراجع في بناء المنازل لمعالجة النقص المزمن في الإسكان في أيرلندا. يصف فارادكار أيرلندا بأنها "ديمقراطية في ملكية المنازل"، لكن معهد البحوث الاقتصادية والاجتماعية، وهو مؤسسة فكرية، توقع أخيرا أن واحدا من كل ثلاثة أشخاص تراوح أعمارهم بين 35 و44 عاما لن يمتلك منزلا عندما يصل لسن التقاعد.
قد تبقى أيرلندا محظوظة. على الرغم من أن الحكومة تتوقع تأخير تنفيذ قرارها بالانضمام إلى اتفاقية ضريبة الشركات العالمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تحدد نسبة الضريبة عند 15 في المائة كحد أدنى يمكن أن يخفض الإيرادات بمقدار ملياري يورو.
يستمر الاستثمار الأجنبي المباشر في الارتفاع، حيث زاد عدد الاستثمارات في النصف الأول 9 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من 2021، بما في ذلك زيادة 18 في المائة في عدد الشركات الجديدة التي انتقلت إلى أيرلندا. قال كونال ماك كويل، كبير الاقتصاديين في شركة ديفي للوساطة المالية، إنه لا يرى "سببا حقيقيا" يجعل الضرائب التي تدفعها الشركات الأجنبية التي تستثمر في أيرلندا "تتراجع في أي وقت قريب".
في الوقت الحالي، تواجه أيرلندا مشكلة إدارة الوفرة. قال ماكوي، "نحن مثل أسرة فازت لتوها باليانصيب. فهل نحن أسرة ناضجة بما يكفي لنقول، في الواقع، يمكن توظيف هذا الحظ الجيد من أجل الأجيال المقبلة"؟ أم أننا سنستهتر بنصف هذا الجيل ثم نأسف كثيرا بعد ذلك؟".

الأكثر قراءة