لاستعادة أمجاده الغابرة .. برشلونة في سوق الانتقالات بحقيبة مالية منتفخة

لاستعادة أمجاده الغابرة .. برشلونة في سوق الانتقالات بحقيبة مالية منتفخة

خوان لابورتا ليس من أولئك قليلي الكلام. ادعى رئيس نادي برشلونة في حزيران (يونيو) أن النادي كان "ميتا سريريا" عندما تولى الرئاسة في مارس العام الماضي، لكنه انتقل الآن إلى العناية المركزة بعد جراحة مالية طارئة.
كان هدفه إقناع من كان أمامه، جمهور من مالكي النادي، بالموافقة على تدابير إصلاح ميزانية النادي العمومية المتعثرة والسماح له مرة أخرى "بأن يحيا حياة طبيعية". فقد سجل نادي برشلونة خسارة بلغت نحو 500 مليون يورو في أعقاب موسم 2021 - 2020، وهو رقم قياسي لأي نادي كرة قدم.
بمباركة من العضوية التي تصوت على القرارات الرئيسة باع لابورتا منذ ذلك الحين أصولا بقيمة تربو على 600 مليون يورو، والحبل على الجرار.
لكن التوقعات بنادي برشلونة جديد، المبنية على الاقتصاد في الإنفاق واللاعبين الشباب أثبتت أنها قصيرة الأمد. ففي هذا الصيف أنفق النادي أكثر من 150 مليون يورو على تعاقدات اللاعبين، المبلغ الأعلى في أوروبا، بما في ذلك ثالث أغلى انتقال على الإطلاق للاعب كرة قدم يزيد عمره على 30 عاما. ولا يزال النادي في السوق لشراء مزيد من اللاعبين، رغم أنه لا يزال غير قادر على تسجيل أي منهم بسبب القواعد المالية للدوري الإسباني. السؤال هو ما إذا كان هذا الإنفاق الكبير سيسمح للنادي باستعادة أمجاده الماضية على أرض الملعب، أو تخزين مزيد من المشكلات المالية للمستقبل.
أعوام مضطربة
منذ عام تقريبا في مثل هذا الوقت، ودع ليونيل ميسي نادي برشلونة بالدموع. انضم النجم الأرجنتيني إلى النادي عندما كان طفلا، لكنه أصبح الضحية الأكثر شهرة للمشكلات المالية التي اجتاحت النادي. كما أنه كان عاملا مهما في هذه المشكلات. فوفقا لعقد مسرب نشرته صحيفة «إل موندو» الإسبانية، كسب ميسي أكثر من 555 مليون يورو بين عامي 2017 و2021.
في الوقت نفسه تراكمت المشكلات المالية على النادي تدريجيا، ثم تسارعت دفعة واحدة. كانت هناك أعوام من الإنفاق المرتفع على اللاعبين، لكن النتائج كانت مخيبة للآمال على أرض الملعب. فبين عامي 2017 و2021، أنفق النادي أكثر من مليار يورو على تعاقدات اللاعبين، وفقا للأرقام الواردة من موقع ترانسفير ماركت لكرة القدم، ما أدى إلى خسارة صافية من الانتقالات بلغت 340 مليون يورو. كما أن لديه أعلى فاتورة سنوية للأجور في أوروبا، بلغت ذروتها عند 575 مليون يورو عام 2019، أي أعلى 180 مليون يورو من غريمه اللدود نادي ريال مدريد.
وكان متوقعا أن تصل الإيرادات إلى مليار يورو في موسم 2019 - 2020 لكن تفشت الجائحة حينها، واضطر النادي لإغلاق ملعبه الذي يسع 99 ألف مقعد.
بحلول موسم 2020 - 2021 قفزت الديون إلى 1.35 مليار يورو، وفقا للابورتا. المحاولة الفاشلة من قبل 12 فريقا من أكبر فرق كرة القدم في أوروبا، بما في ذلك برشلونة، لإنشاء دوري ممتاز مع مكافأة تسجيل دخول كبيرة، بددت الآمال في حل مالي سريع.
مع الخسائر الفادحة والقواعد الاقتصادية الصارمة التي فرضها الدوري الإسباني الذي يحدد ميزانية سنوية لكل ناد ينفقها على اللاعبين، بناء على دخله وتكاليفه لم يكن أمام برشلونة خيار سوى الاستغناء عن ميسي، بينما طلب من اللاعبين الآخرين قبول تخفيضات أجورهم وتأجيلها في محاولة لخفض الفاتورة.
في تلك الأثناء تعثرت حظوظ النادي على أرض الملعب. احتل المركز الثالث في الدوري الإسباني في موسم 2020 - 2021 أسوأ أداء له منذ أكثر من عقد ولم يفز بمنافسة الأندية الأوروبية، دوري أبطال أوروبا، منذ عام 2015. ومنذ ذلك الوقت فاز بها نادي ريال مدريد أربع مرات. كما خرج نادي برشلونة من دوري أبطال أوروبا في موسم 2021 - 2020 في الجولة الثانية بخسارة مخزية 1 / 4 على أرضه أمام نادي باريس سان جيرمان، الذي انتقل إليه ميسي.
المشكلات على أرض الملعب انتقلت إلى غرفة مجلس الإدارة. استقال جوزيب ماريا بارتوميو الرئيس آنذاك قبل تصويت بحجب الثقة عنه، أعقبه تصويت الأعضاء لإعادة لابورتا، الذي رأس برشلونة خلال فترة أكثر نجاحا بين عامي 2003 و2010.
محاولة إصلاح الأمور
تولت الإدارة الجديدة ناديا يعاني نقصا في السيولة ويعاني لدفع الأجور. كانت هناك حاجة ماسة إلى إجراء جذري. بنك جولدمان ساكس، مصرف النادي منذ وقت طويل، تحرك سريعا لإعادة هيكلة ديون تبلغ نحو 600 مليون يورو. بموجب شروط صفقة سندات لأجل عشرة أعوام، وافق نادي برشلونة على دفع فائدة أقل بقليل من 2 في المائة لمجموعة من المستثمرين الأمريكيين، في إشارة إلى الرغبة القوية في إقراض النادي.
ثم تحولت الأفكار إلى توليد مزيد من الدخل. نظم المسؤولون سلسلة من اجتماعات الأعضاء للسماح بالتصويت المنتظم على الخطط لإعادة بناء الميزانية العمومية. وتم إبرام شراكة جديدة مع شركة سبوتيفاي في وقت سابق من هذا العام، ما منح شركة خدمة البث حق رعاية القميص وحقوق تسمية على ملعب كامب نو، الذي من المقرر أن يخضع لعملية ترميم.
في يونيو، وافق الأعضاء على سلسلة من مبيعات الأصول. وبعد شهر، وافقت شركة الاستثمار الأمريكية، سيكث ستريت، على شراء 25 في المائة من حقوق بث الدوري الإسباني لمدة 25 عاما مقابل أكثر بقليل من 500 مليون يورو، في صفقة نظمتها شركة كي كابيتال، شركة استثمارية صغيرة لديها علاقات وثيقة مع نادي ريال مدريد.
من حيث القيمة الاسمية، يبدو أن شركة سيكث ستريت تشتري الإيرادات المستقبلية بسعر مخفض. تشير عملية حسابية بسيطة إلى أن الحصة البالغة 25 في المائة من حقوق البث بيعت بنحو 21 مليون يورو في العام. وفي موسم 2020 - 2021 بلغت قيمة ربع حقوق برشلونة في الدوري الإسباني ما يزيد قليلا على 40 مليون يورو سنويا.
يشعر بعضهم بالقلق أن الصفقة عبارة عن تصحيح لمرة واحدة لمشكلات مستمرة. قال أحد الأشخاص الذين تربطهم علاقات وثيقة بإدارة النادي: "ما يقلقني الآن هو أنهم يستخدمون هذه الأصول طويلة الأجل للاستثمار في نافذة الانتقالات هذه، وهذا ليس من الذكاء".
مع ذلك، يرفض كلا الجانبين المقارنة. بدلا من ذلك يقولون إن الصفقة أقرب إلى شراكة استراتيجية، تم تنظيمها كمشروع مشترك، وإن شركة سيكث ستريت، التي تمتلك أيضا شركة فعاليات دولية كبيرة، ستساعد نادي برشلونة على تعزيز إيراداته في المدى الطويل.
أعلن النادي الأسبوع الماضي أنه وافق أيضا على بيع حصة بنسبة 25 في المائة من مؤسسة برشا ستوديو، منصة الفيديو والصوت الخاص به، مقابل 100 مليون يورو لشركة التشفير سوسيوس. كما أن هناك حصة تصل إلى 49 في المائة من أعمال الترويج للنادي معروضة للبيع. بحسب أندريا سارتوري، الرئيس التنفيذي لشركة فوتبول بينشمارك الاستشارية، الشؤون المالية للنادي كانت في وضع سيئ العام الماضي لدرجة أن بيع حقوق البث كان ضروريا.
قال: "لم يكن لديهم كثير من البدائل، ما الذي كان بإمكانهم فعله إضافة إلى هذا في وضع سيئ للغاية؟ نعم، باعوا مجوهرات العائلة، لكن ربما كان هذا هو الأمر الوحيد الذي يمكنهم فعله. آمل أن يتمكنوا من الفوز على أرض الملعب حتى يستطيعوا تحقيق عوائد إضافية في الأعوام المقبلة. إذا لم يحدث ذلك، فقد نشهد في غضون ثلاثة إلى خمسة أعوام ظهور بعض المشكلات الجديدة في النادي".
فورة الإنفاق في الصيف
بينما تدفقت الأموال من مبيعات الأصول، يبدو أن كثيرا منها ينفق مباشرة. في الشهر الماضي تعاقد نادي برشلونة مع لاعب الجناح البرازيلي، رافينيا، من نادي ليدز والمهاجم البولندي، روبرت ليفاندوفسكي، من نادي بايرن ميونخ مقابل ما مجموعه نحو 100 مليون يورو. وسبق نادي تشيلسي في الحصول على جول كوندي من نادي إشبيلية، في صفقة أخرى بقيمة 50 مليون يورو. وتم توقيع لاعبين آخرين في انتقالات مجانية، بينما يتوقع انضمام لاعبين آخرين قبل الموعد النهائي في أول سبتمبر.
حدث كل هذا مع استمرار النادي في محاولة التفاوض على تخفيض أجور اللاعبين الحاليين.
أثار توقيع ليفاندوفسكي على عقد مدته أربعة أعوام الدهشة، خصوصا لأنه سيبلغ من العمر 34 عاما هذا الشهر. لم يفرض لاعب آخر رسوما أكبر من هذه في هذا العمر سوى كريستيانو رونالدو.
قال جوليان ناجيلسمان، مدير نادي بايرن، لدى سؤاله عن الانتقال: "إنه النادي الوحيد في العالم الذي لا يملك المال، لكن يمكنه شراء كل لاعب. إنه أمر غريب وجنوني بالنسبة لي، لكنهم يجدون حلا في النهاية".
لم يتم تسجيل أي من اللاعبين الجدد في الدوري الإسباني حتى الآن. ومن المحتمل أن يحدث ذلك في وقت لاحق من الصيف بمجرد أن يبيع النادي بعض تشكيلته الحالية للوفاء بقواعد الدوري الإسباني بشأن الإنفاق على اللاعبين. لكن مبيعات اللاعبين تعقدت بسبب ترتيبات الأجور المؤجلة.يقول النادي إن تعاقدات اللاعبين هي جزء من "استراتيجية الدورة الحميدة" حيث يؤدي اللاعبون الأفضل إلى نتائج أفضل، والنتائج الأفضل تساعد على توليد مزيد من الدخل. قال مسؤول في نادي برشلونة: "ما يرغب فيه مشجعونا هو امتلاك أفضل اللاعبين في العالم، والفوز".
ويقول آخرون إن السياسة وليس الاقتصاد هي التي تتطلب من النادي الاستمرار في الإنفاق لأن رئيس النادي منتخب من قبل الأعضاء.قال شخص لديه علاقات وثيقة بإدارة النادي: "في نادي برشلونة، إذا كنت رئيسا ولم تؤد بشكل جيد من ناحية رياضية فسيكون الضغط هائلا".
درس للمستقبل
رغم أن النادي تلقى دفعة نقدية، إلا أنه لا تزال هناك مشكلات بحاجة إلى الإدارة. في الصيف المقبل سيبدأ سداد سنداته بعد عطلة لمدة عامين. وفي غضون ذلك، لن يعود يتلقى 100 في المائة من الإيرادات من المباريات التي يتم بثها.
من المتوقع أن تكلف عملية إعادة تطوير ملعب كامب نو ما يصل إلى 1.5 مليار يورو، رغم أنه تم تنظيم التمويل من قبل بنك جولدمان ولن يكون للتكاليف أي تأثير في الميزانية العمومية للنادي.
لم يتم إنفاق جميع النقود الجديدة على التشكيلة، تم بالفعل سداد دفعة كبيرة من الديون حجمها 125 مليون يورو.
يضم فريق هذا العام مجموعة من اللاعبين الشباب، بعضهم من أكاديمية برشلونة، في إشارة إلى أن النادي يمزج بين التعاقدات ذات الأسماء الكبيرة والمواهب المحلية. فقد وقع بيدري البالغ من العمر 19 عاما عقدا مع نادي برشلونة، قادما من فريق لاس بالماس عام 2020 مقابل خمسة ملايين يورو فقط، إنه الآن اللاعب الرابع الأعلى قيمة في العالم تتجاوز قيمته 135 مليون يورو، وفقا لمركز سي آي إي إس لكرة القدم.
يتعاقد النادي أيضا مع لاعبين آخرين ينظر إليهم على أنهم أصول قيمة: بعضهم مطلوب من منافسين في الدوري الإنجليزي الممتاز، وقد أدخل هيكلا جديدا للأجور لإبقاء فاتورة الأجور تحت السيطرة.
قال مسؤول النادي "لقد تعلمنا الدرس (...) ولا نحاول تكرار الأخطاء نفسها. الأمر مشابه لقارب كبير. عليك أن تتحرك في الاتجاه الصحيح، ثم يبدأ في السير بسرعة".
مع ذلك، خفضت وكالة التصنيف فيتش الأسبوع الماضي توقعاتها للنادي، مشيرة إلى ضعف الأداء المالي في الموسم الماضي، وتخفيض الديون أقل من المتوقع، والتأثير المحتمل في مبيعات التذاكر بمجرد بدء أعمال البناء في الملعب.
لكن شخص على دراية وثيقة بالشؤون المالية للنادي قال إن حقوق البث التي تم بيعها تعادل أقل من 5 في المائة من إجمالي إيرادات برشلونة وبالإمكان استرداد هذا الدخل سريعا، إذا تحسن الأداء على أرض الملعب أو ارتفعت قيمة الحقوق نفسها.
قال: "عليهم أن يؤدوا (...) لكن لديهم متسع كبير للمناورة. أعتقد أن الناس يثيرون كثيرا من الضجيج حول لا شيء".
فاتورة الأجور في برشلونة بلغت 575 مليون يورو في 2019 وكانت أعلى 180 مليون يورو من فاتورة ريال مدريد
ميسي الضحية الأكثر شهرة للمشكلات المالية التي اجتاحت برشلونة وفي الوقت نفسه كان عاملا مهما في متاعب النادي

الأكثر قراءة