أخبار سيئة لشركات التكنولوجيا الكبرى .. نموذج الأعمال يهتز
كتب عديد من الكتاب حول ما إذا كانت شركات التكنولوجيا الكبرى قد بلغت ذروتها. أعلنت "ميتا" أخيرا أول انخفاض في مبيعاتها، وسط انخفاض في الإعلانات عبر الإنترنت. خفضت "أمازون" و"نتفليكس" وغيرهما التوظيف. وكثير من المنصات شهدت انهيار أسعار أسهمها هذا العام، وهو أمر طبيعي مع ارتفاع الأسعار وتباطؤ نموها.
لكن هذه اتجاهات قصيرة المدى تعتمد على الدورة الاقتصادية العالمية. التغيير الأكبر هو أن الثغرات الحقيقية بدأت تظهر في نموذج الأعمال الأساس لشركات التكنولوجيا الكبرى الذي يعتمد على العولمة وتأثير الشبكة لإنشاء الحجم. هناك ثلاثة تحولات سياسية وتنظيمية رئيسة تمثل تحديا لقدرة المنصات على عبور الحدود والاستحواذ على حصتها في السوق. وهي تفعل ذلك بطرق ستثبت أنها تدوم لفترة أطول ويكون لها تأثير أكبر من صعود وهبوط أسعار الأسهم في حالة الركود العالمي.
أولا، ضع في الحسبان قواعد الاتحاد الأوروبي التي تمت الموافقة عليها في تموز (يوليو)، التي ستجبر أكبر خدمات المراسلة الفورية في العالم - بما في ذلك "آي مسج" iMessage من "أبل"، و"واتساب" و"فيسبوك ماسنجر" من ميتا، ومن المحتمل جدا "جوجل تشات" و"مايكروسوفت تيمز" - على إمكانية التواصل فيما بين تلك الخدمات. هذا النوع من "قابلية التشغيل البيني" سيجعل من الصعب على هذه الشركات تأمين حصتها في السوق من خلال الاستيلاء المعتاد لشركات التكنولوجيا الكبرى، الذي يتضمن جذب المستخدمين إلى خدمة معينة ثم تقييدهم بجعل تحويل بياناتهم ومعلوماتهم إلى المنافسين أمرا صعبا.
عندما تكون قوائم جهات الاتصال والبيانات الأخرى قابلة للنقل على الفور، يصبح من السهل الانتقال من خدمة إلى أخرى. قد يؤدي ذلك إلى إيجاد مشهد تكنولوجي أكثر تنافسية بمرور الوقت، على الرغم من أن دعاة الخصوصية قلقون من أنه سيزيد أيضا من احتمال انتهاك البيانات، لأنه يتطلب نموذجا برمجيا أكثر انفتاحا يعتقد بعضهم أنه قد يقوض الأمان.
على الجبهة السياسية، يحدث العكس - أصبح من الصعب على كثير من شركات التكنولوجيا عبور الحدود. قبل أسبوعين تقدمت شركة "علي بابا"، منصة التكنولوجيا الصينية العملاقة، بطلب لإدراج أساس في بورصة هونج كونج، تحسبا لقواعد مالية أمريكية جديدة تتطلب مزيدا من تدقيق البيانات الحساسة أكثر مما ترغب بكين في السماح به. قد ينتهي الأمر بإلغاء نحو 200 شركة صينية إدراجها في الولايات المتحدة بسبب اللوائح التنظيمية. يسلط ذلك الضوء على العالم ثنائي القطب، أو حتى ثلاثي الأقطاب الذي يتطور في قطاع التكنولوجيا، مع تباعد الولايات المتحدة وأوروبا والصين.
في حين أن هناك بعض الحديث عن قيام إدارة بايدن برفع الرسوم الجمركية عن الصين، إلا أن النخبة الاقتصادية والسياسية في أمريكا ليس لديها توقعات تذكر بأننا سنعود إلى شبكة إنترنت عالمية موحدة. أصدر مجلس العلاقات الخارجية أخيرا تقريرا أعده فريق عمل بعنوان "مواجهة الواقع في الفضاء الإلكتروني، السياسة الخارجية من أجل إنترنت مجزأ". يشير هذا إلى أن "عصر الإنترنت العالمي قد انتهى"، وأن "واشنطن لن تكون قادرة على إيقاف أو عكس الاتجاه نحو التجزئة".
فريق العمل الذي تضمن خبراء تكنولوجيين، ورؤساء تنفيذيين، ومسؤولين من القطاع العام، وضباط استخبارات، حث السياسيين على بناء تجارة رقمية بين "شركاء موثوق بهم" -وهو ما يبدو أنه يعني "دعم الأصدقاء-، وحل مشكلات نقل البيانات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واستخدام قانون اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا GDPR أساسا لسياسة الخصوصية المشتركة للديمقراطيات الليبرالية.
هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به على هذه الجبهة - لا تستطيع الولايات المتحدة حتى تمرير قانون الخصوصية الفيدرالي. يرجع ذلك جزئيا إلى مخاوف اليسار السياسي من أن صناعة التكنولوجيا تمكنت من تخفيف اقتراح التشريع الوطني لدرجة أنها ستقوض بالفعل القواعد الصارمة المعمول بها فعليا في ولايات مثل كاليفورنيا. هناك أيضا قلق من أن القانون الفيدرالي من شأنه أن يضع كثيرا من عبء الإنفاذ على وكالة واحدة، هي لجنة التجارة الفيدرالية.
لكن لجنة التجارة الفيدرالية بقيادة رائدة مكافحة الاحتكار، لينا خان، تتابع بالفعل قضية قد تغير قواعد اللعبة في منطقة أخرى. في أواخر تموز (يوليو)، طعنت في عرض قدمته شركة ميتا لشركة الواقع الافتراضي "ويذن" Within، بحجة أن الأخيرة هي بالفعل لاعب رئيس في الواقع الافتراضي، وأنها تحاول "شراء طريقها إلى القمة".
هذه القضية التي تعد غير عادية إلى حد كبير لأنها تتضمن استحواذا على شركة ناشئة صغيرة بدلا من الاندماج بين عملاقين، تتماشى تماما مع جوهر نموذج عمل شركات التكنولوجيا الكبرى في اقتناص المنافسين المحتملين فور نشأتهم. مثلا، عملية استحواذ فيسبوك ـ قبل أن تصبح ميتا في 2014 ـ على شركة أوكولوس، وهي شركة واقع افتراضي حديثة العهد، ضمنت أن نظام التشغيل الواعد المبتدئ لا ينافس نظام التشغيل الخاص بفيسبوك. وبالمثل استحواذها على إنستجرام وواتساب منع هاتين الشركتين من أن تصبحا شبكتي تواصل اجتماعي منافستين.
ميتا ليست وحدها. عديد من الشركات الناشئة اتهمت أمازون بالاستحواذ على التكنولوجيات الخاصة لإطلاق منتجات منافسة. واستحوذت جوجل على مئات من المنافسين المحتملين. لكن إذا نجح الطعن في القضية الحالية، التي ستستمر لأعوام، فإنه سيغير بشكل كبير أسلوب شركات التكنولوجيا الكبرى المتمثل في خنق المنافسين الصغار.
كل هذا سيبدأ بدوره في تقويض تأثير الشبكة الذي سمح لأكبر الشركات بالوصول إلى مثل هذا الحجم والتركيز. حتى إنه قد يفتح الباب أمام تفكك المنصات. ستستغرق العملية وقتا لتنتهي، وستفعل ذلك بطرق مختلفة اعتمادا على المنطقة الجغرافية. لكن هذه التحديات التي تواجه نموذج عمل شركات التكنولوجيا الكبرى حقيقية. يجب على المستثمرين الانتباه جيدا.