قراءات
شكل الخرائب
جميع صحف اليوم التالي الصباحية أشارت إلى السرقة الفاشلة، الجميع فوجئ، مفاجأة النفاق، بأن أسطورة غايتان لا تزال تلهب العواطف بعد ست وستين عاما من الأحداث، وقارن بعضهم للمرة الألف بين مقتل غايتان ومقتل كيندي، الذي أتم في العام الماضي نصف القرن، دون أن يكون قد تقلص الذهول أدنى تقلص. الجميع تذكروا، عندما دعت الحاجة، ظروف القتل غير المتوقعة: المدينة التي أحرقتها الاحتجاجات الشعبية، القناصة الذين اتخذوا مواقعهم على السطوح، الذين كانوا يطلقون النار دون أوامر ولا تمييز، البلد في حرب الأعوام اللاحقة. المعلومة ذاتها كانت تتكرر في كل مكان، بتنويعات أكثر أو أقل بكثير أو قليل من الميلودراما، مرفقة بكثير أو قليل من الصور بما فيها تلك التي انتقمت فيها الشرذمة الغاضبة توا من القاتل، وراحت تجر جسده شبه العاري وسط الطريق السابع باتجاه القصر الرئاسي. لكنني لم أستطع أن أعثر في أي من وسائل الإعلام على تفكير، مهما كان بائسا، حول الأسباب الحقيقية التي تجعل رجلا، ليس مجنونا، يقرر أن يقتحم بيتا محميا ويأخذ بالقوة الثياب المثقبة لرجل مشهور ميت. ما من أحد طرح هذا السؤال وذاكرتنا الإعلامية راحت تنسى شيئا فشيئا كارلوس كاربايو. والكولومبيون المخنوقون بأعمال العنف اليومية، التي لا يفسح لهم الوقت كي يشعروا بالإحباط، تركوا ذلك الرجل المسالم يتلاشى تدريجيا مثل ظل في المساء. ما من أحد عاد ليفكر فيه.
رفعة الجادرجي
هذا الكتاب عن رفعة الجادرجي كمعماري، ومنظر وكاتب وفوتوغرافي، عن رفعة الذي كان في سباق مع الزمن. كان رفعة يؤمن بعبثية التواجد، ولا يؤمن بالطقوس لكنه يحترمها، فالحياة قصيرة مهما طالت، وعلينا أن نقبل الواقع، فلكل شيء نهاية، كما قال الكاتب والخطيب الروماني، ماركوس تريليون شيشرون "علينا أن نقبل أن الحياة قرض أعطي لنا، من دون تاريخ محدد، وأن دفع هذا القرض ربما يطلب منا في أي وقت"، لذا نشعر بسبب تقدم العمر، بالخسارة و لا نلتفت إلى ما كسبناه أبدا. والمهم هو ما الذي تركه الإنسان من إرث ليكون درسا تتعلم منه الأجيال. اكتشفت بعد إنجاز كتابي هذا، جوانب أخرى لم أتناولها من شخصية وسيرة رفعة. من بينها محاسبة نفسه حد القسوة، والاعتراف بفشله في السيطرة التكوينية في بعض مشاريعه التصميمية ذاكرا ذلك: "لحداثة خبرتي في السيطرة على مشاريع كبيرة تخرج من عالم التكوين الورقي إلى حيز التنفيذ الحقيقي لأول مرة في ممارستي" ويعترف "في كل سطر كتبته، بل في كل خط رسمته، كانت ثمة مؤثرات.. أنا معماري فحسب، أسمع كلام الناس وأنصت إليهم، أدرس تراثهم وأحزن وأفرح معهم، بمعزل عنهم ومعهم، أتعرف على التكنولوجيا المعاصرة، أنا فرد متشخص ومتفرد، وأنا واع في التشخيص الذي أتمتع به وأقصده، وبانفراد أقوم بصهر هذه المعطيات". تميز رفعة بالقدرة على التركيز والدقة في التعبير وحرية البحث والتقصي، ما أعانه على تنظيم حياته ومساره الفكري.