الاقتصاد السعودي ومشاريع النمو
يقف الاقتصاد السعودي صامدا في مرحلة مهمة تاريخية، متحديا كل الظروف العالمية المحيطة، بداية من جائحة كورونا، وصولا إلى حرب روسيا وأوكرانيا، ففي الوقت الذي عانت فيه اقتصادات الدول الكبرى، نجح الاقتصاد السعودي في تخطي كل هذه العقبات، وأظهر قوة ومناعة قويتين خلال الأعوام القليلة الماضية. وتجلت هذه القوة بصورة واضحة، خلال الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، تلك الأزمة التي أصابت العالم أجمع بتداعيات سلبية.
وعلى رأس الأسباب الكامنة وراء تحقيق الاقتصاد السعودي مؤشرات نمو مميزة، تلك المشاريع التنموية التي جاءت ضمن نطاق برامج وخطط رؤية المملكة العربية السعودية 2030، إلى جانب طبعا الجودة العالية في عمليات تنفيذها، في ظل وجود عوامل تفاعلية أخرى أسهمت في وضع المملكة على رأس دول "مجموعة العشرين" من حيث النمو المتوقع، الذي تحقق بالفعل في الفترة الماضية. والنمو الذي تجاهد الدول المتقدمة في المحافظة عليه بصرف النظر عن مستوياته المتدنية، يعد مؤشرا متجددا آخر على النجاحات التي تحققها المسيرة الاقتصادية الوطنية في السعودية، التي تشمل كل القطاعات والميادين. إضافة إلى ذلك تصدرت السعودية أيضا ضمن "العشرين" في كونها الدولة الأكثر إيفاء بالتزاماتها المحلية والخارجية، حتى في فترة الأزمات.
صندوق النقد الدولي يتوقع أن يحقق الاقتصاد السعودي نموا في العام الجاري يصل إلى 7.6 في المائة، و3.7 في المائة في العام المقبل. وهذه التوقعات لها ما يدعمها على أرض الواقع بالفعل. ففي الربع الأول من العام الحالي حقق الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعا بـ9.6 في المائة، حيث بلغ أعلى درجة له منذ 2011. في هذه الأثناء تتحدث المؤسسات الاقتصادية العالمية عن نمو متدن جدا في اقتصادات الدول المتقدمة خصوصا، حتى أن بعض التحذيرات تشير إلى إمكانية دخول بعضها في حالة من الركود الصعب، ولا سيما في أعقاب التحولات الأخيرة في سياسات البنوك المركزية، نحو رفع الفائدة للسيطرة على الموجة التضخمية. أي أن زمن التيسير الكمي انتهى في هذه الفترة الحرجة على الأقل.
الأمر ليس كذلك على الساحة السعودية. فالنمو الذي حققه اقتصاد البلاد، أتى من عدة محركات، تتصدرها الأنشطة النفطية التي شهدت ارتفاعا، لكن اللافت أيضا مساهمة أنشطة القطاعات غير النفطية في المحافظة على نمو مرتفع في الزمن الصعب. وهذه النقطة تمثل محورا رئيسا، ليس فقط في ضمان نمو مستقر واضح متوازن، بل في تحقيق هدف التنوع الذي يرفد استراتيجية البناء الاقتصادي الماضية إلى الأمام. فعلى سبيل المثال، حققت أنشطة مثل تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق والترفيه، معدلات نمو بلغت 6.3 في المائة على أساس سنوي. وهذه أيضا نقلة مهمة على صعيد ضمان نمو جيد وأكثر استدامة. مع ضرورة الإشارة إلى ارتفاع وتيرة الاستثمارات الأجنبية في الفترة الماضية، بما تتمتع به المملكة من سمعة اقتصادية عالية المستوى، حتى في وقت الأزمة الطارئة التي أصابت العالم.
ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعا كبيرا للنمو في المملكة، في الوقت الذي خفض فيه توقعاته لنمو الاقتصادي العالمي إلى "3.2 في المائة" الذي يعاني مجموعة من المشكلات، على رأسها الارتفاع في أسعار المستهلكين، واستمرار اضطراب سلاسل التوريد، وتأثيرات خطيرة آتية من الحرب الجارية في أوكرانيا، فضلا عن استفحال أزمة الديون. وهذه النسبة مرشحة للتراجع أيضا، في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. الشيء المهم هنا أن توقعات المؤسسة الدولية المشار إليها، تتوافق تماما مع توقعات الحكومة السعودية التي أشارت إلى أن نمو اقتصاد البلاد سيرتفع 7.4 في المائة في العام الجاري، و3.5 في المائة في العام المقبل.
وتكفي الإشارة هنا إلى أن الاقتصاد السعودي حقق نموا في 2021، العام الذي تلا عام الجائحة بلغ 3.2 في المائة، في أسرع وتيرة له منذ ستة أعوام. مسار النمو في المملكة يمضي قدما وبثبات، رغم كل العوامل الاقتصادية السلبية على الساحة العالمية. والنتائج والأرقام الإيجابية ترجمتها التصنيفات الدولية التي تؤكد أن توقعات النمو المستقبلية في السعودية من مستقرة إلى إيجابية، نتيجة تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي، وديناميكيات المالية العامة على المدى المتوسط.