ذا لاين .. صناعة الإبهار والاستثمار
انطلقت مبادرات المدن الذكية في جميع أنحاء العالم خلال الأعوام الأخيرة، وأصبح مصطلح المدينة الذكية الأكثر شيوعا، حيث ازداد عدد سكان المدن الحضرية في العالم بشكل مطرد، وتسبب في إجهاد الموارد الحضرية. والفكرة تتمحور حول تطبيق تكنولوجيات جديدة لمواجهة تزايد التحديات الحضرية مثل حركة المرور، والنفايات، والطاقة، والنقل، والإضاءة، ووقوف السيارات، والرعاية الصحية، والعمالة، والأمن. ومعظم المدن بدأت بجهود محلية طموحة لإعادة التفكير وصياغة الكيفية التي تدعم بها خدمة مواطنيها.
في جلسة مؤتمر مبادرات مستقبل الاستثمار، التي تحدث فيها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة في 2017 في الرياض، عن مشروع "نيوم" واصفا إياه باختصار بأننا "نريد أن نحجز مكانا في المستقبل"، لذلك تضمن المشروع فكرة مدينة للمستقبل تبدأ من الصفر لتكون مقرا وموقعا للحالمين بعالم جديد آمن ومسالم يعيش بانسجام مطلق مع البيئة ويجتمع فيها المبدعون والموهوبون من كل العالم لصنع شيء مختلف وبمصادر طاقة مختلفة ويتفاعل فيها البشر مع الروبوتات. وجاء في إعلان ولي العهد مشروع المدن الذكية "ذا لاين" في "نيوم"، مدينة المستقبل سيكون محورها مفهوم جودة الحياة للإنسان السعودي. و"ذا لاين" مشروع مدينة يأتي من المستقبل.
هكذا انطلق مشروع نيوم ضمن رؤية المملكة 2030، بشعار الاستدامة الحضرية المعتمدة على الطاقة المتجددة 100 في المائة، ومسؤولية بيئية تشجع ممارسات التطوير المستدام، وتكون منصة للابتكار وانطلاقة واثقة لتقدم البشرية باستقطاب الرواد وقادة الأعمال والشركات في التقنيات الحديثة، مع مراكز المجتمع لبناء سلاسل إمداد تسهل سير الأعمال بفاعلية وإبداع.
ويعمل مشروع "ذا لاين" على إعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية وما يجب أن تكون عليه المدن في المستقبل، حيث يتمثل المشروع في إنشاء مدينة رقمية بالكامل تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتتبنى الأفكار والتقنيات الجديدة للارتقاء بجودة الحياة.
لقد كانت هذه الشعارات التي أطلقها مشروع نيوم تمثل تحديا فكريا لكل من سمع عن المشروع أو قرأ عنه، لكن إعلان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أمس، تصاميم "ذا لاين" إحدى مدن مشروع نيوم، بكل ما فيها من بصمات ابتكارية وإبداعية، يضع النقاط على حروف المستقبل الزاهي وتفاصيل العمل، وإذا كانت مشاريع نيوم الأخرى تضم مدينة "أوكساچون" للصناعات المتقدمة، و"تروجينا" الوجهة السياحية العالمية والتزلج على الجليد في الهواء الطلق في الخليج العربي، وشركات "إنوا" التي تعنى بالابتكارات وصناعات الطاقة والمياه والهيدروجين، وشركة نيوم التقنية الرقمية، فإن هذه المشاريع تتطلب بجانبها مدينة للعيش الهادئ تكون نموذجا لما عليه المجتمعات الحضرية مستقبلا.
ووفقا لقاعدة البدء من الصفر، ستحافظ "ذا لاين" للإنسانية على نوعية الحياة الحضرية، لكن بطريقة تتبلور حول الإنسان واحترام الطبيعة. فكما أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس إدارة "نيوم"، أن تصاميم مدينة "ذا لاين" تتمحور حول الإنسان الذي يعيش مع الطبيعة، في بيئة خالية من الشوارع والسيارات والانبعاثات، مدينة مصممة للحياة المدنية المترفة ذات المرافق والخدمات والمدارس والجامعات، ومركز الإبداع والتفكير، لكنها رغم هذه الديناميكية الحضارية تتسم بمناخها المثالي على مدار العام ويؤمن للسكان الاستمتاع بالطبيعة والتنقل سيرا على الأقدام مع إمكانية الوصول إلى جميع هذه المرافق ومقار العلم في مشاريع نيوم الأخرى ومصانعها ومدنها الترفيهية في غضون خمس دقائق بوجود قطار فائق السرعة يصل طرفي المدينة في خلال 20 دقيقة.
عاش الإنسان منذ عصر النهضة الصناعية الأولى وهو يغزو الطبيعة ويعاديها حتى أتلف معظم غاباتها وتسبب في انقراض عديد من المخلوقات الحية أو تعريضها لذلك، فالمدن بمفهومها القائم حاليا وتوسعها تأتي دائما على حساب الحياة الفطرية والبيئة، ما أوجد مشكلات لا حل لها إلا بتغيير هذه المفاهيم وأشكال المدن. ولقد قال الأمير محمد بن سلمان، عند إعلان تصاميم "ذا لاين"، إنه لا يمكننا تجاهل أزمة البيئة، وكذلك أزمة طريقة الحياة اللتين تواجهان مدن العالم، من أجل هذا تم تصميم "ذا لاين" على أساس إعادة تعريف مفهوم التنمية الحضرية، حيث تعالج التحديات الملحة التي تواجه البشرية من خلال تحقيق التناغم التام بين التنمية الحضرية والحفاظ على الطبيعة بكل مواردها، حيث تسهم مدينة ذا لاين في المحافظة على 95 في المائة من أراضي "نيوم" للطبيعة، وتكون مساحة المدينة لا تتجاوز 34 كيلومترا مربعا بتصميم فريد ومدهش قام عليه مجموعة من ألمع العقول الهندسية على مستوى العالم، لتكون بعرض يبلغ 200 متر فقط على امتداد 170 كيلومترا، وارتفاع يبلغ 500 متر فوق سطح البحر، وبتصميم إبداعي يحمل في ذاته رسالة للعالم أجمع مفادها أن هذه المدنية هي مكان للحالمين أصحاب العقول الابتكارية والإبداعية.
ولأن هذه المدينة فريدة في كل شيء، فهي ستعتمد على الطاقة المتجددة 100 في المائة لتوفر لسكانها المقدر عددهم بنحو تسعة ملايين نسمة، فرص الحياة الصحية والتنقل بين أرجاء المدينة المكونة من طبقات عمودية تتيح للناس إمكانية التحرك في الاتجاهات الثلاثة "إلى الأعلى، وإلى الأسفل، وكذلك بشكل أفقي في كل جانب"، وتسهل عملية التنقل بين مواقع الاحتياجات اليومية، من أماكن عمل، ومدارس، وحدائق، ومنازل في غضون خمس دقائق، فلا هدر للطاقة ولا لحياة الإنسان في التنقل والازدحام. ومع السير في جنبات المدينة على الأقدام ستغطي جوانبها الخارجية أسطح زجاجية عاكسة تمنحها طابعا فريدا، وتسمح لتفاصيلها بالاندماج مع الطبيعة، في معجزة جديدة وعجيبة من عجائب الدنيا. ولتحقيق هذه المفاهيم الفريدة للغاية، فإن حجم استثمارات مشروع "نيوم" في المرحلة الأولى قد يصل إلى 1.2 تريليون ريال حتى 2030، ومع طرح مشروع نيوم للاكتتاب بحلول 2024 ووصول التمويل إلى سقف خمسة تريليونات ريال بعد استكمال المشروع، ستكون السوق السعودية واحدة من أكبر ثلاثة أسواق في العالم أجمع، وحتى 2030 ستعمل "ذا لاين" على تحقيق أهداف رؤية المملكة على صعيد التنويع الاقتصادي، وستوفر 380 ألف فرصة عمل وعائدا داخليا قد يصل إلى أكثر من 16 في المائة.
لطالما كان للسعودية دور محوري في أسواق الطاقة العالمية، يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي العالمي. فهدف رؤية 2030 الارتقاء بالمستقبل مع التركيز على الاستدامة كمحور أساسي في التخطيط وتأسيس البنية التحتية وتطوير السياسات والاستثمار. وتلهم الرؤية العالم من خلال تعاملها المسؤول مع التحديات العصرية للطاقة والمناخ للمشاركة في الجهود الرامية إلى بناء مستقبل مستدام.