رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الرهون العقارية وانكشافات 2008

التحذيرات من مغبة انفجار أزمة عقارات في الصين ليست جديدة. بعض هذه التحذيرات تحدثت عن أزمة قد تضرب مؤسسات مالية خارج نطاق الصين. والحق أن الديون المتراكمة على شركات القطاع الخاص بلغت حدا خطيرا للغاية، ليس فقط من حيث حجمها الذي يصل إلى خمسة تريليونات دولار، وفق تقديرات مجموعة "نومورا" المالية، بل توسع نطاق المؤسسات والمصارف المنكشفة أيضا. ويبدو أن أزمة ديون قطاع العقارات شبح يهدد بكبح عجلة الاقتصاد الصيني. وتمتلك الصين قوة بشرية ضخمة تصل إلى 1.4 مليار نسمة واقتصادا تضاعفت قوته خلال العقد الماضي، كل هذا يوحي بأن طارئا اقتصاديا قد ينذر بخسائر ضخمة وقلق مزعج قد يتجاوز البلاد.

وكان هذا السيناريو قد وقع في أيلول (سبتمبر) الماضي عندما تجاوزت ديون مجموعة "تشاينا إيفرجراند" التي تعد إحدى أكبر الشركات العقارية في الصين، عتبة الـ305 مليارات دولار جراء التوسع الكبير في الأعوام الماضية. وخلال الفترة الماضية تجاوزت أكثر من عشر شركات عقارية كبرى في الصين الخطوط الحمراء الحكومية. ولأن السوق العقارية في هذه البلاد واسعة للغاية، فالخوف يبقى دائما حاضرا من أزمة قد تكون بحجم السوق ذاتها. فالقاعدة المعروفة تستند إلى أن السوق الكبيرة تكون أزمتها إذا ما انفجرت بحجمها وربما أكبر منها، خصوصا إذا ما كانت لها روابط متشعبة.

والمشكلة تتعاظم أكثر، بفعل ترابط قطاعات محلية صينية متعددة مباشرة بالقطاع العقاري، بما فيها شركات كل الأحجام، الأمر الذي يبرر "مثلا" مستوى حصة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي ما بين 25 و29 في المائة. وهي نسبة كبيرة للغاية. فأي انهيار له في أي وقت ولأي سبب، سيكلف الاقتصاد الصيني كثيرا، دون أن ننسى أن هذا الأخير مرت عليه "كغيره من اقتصادات العالم" ضغوط كبيرة من تداعيات جائحة كورونا، إلى جانب طبعا، الأزمة الراهنة على صعيد التضخم العالمي، ما أثر في مستويات النمو كله. وتراهن الحكومة الصينية على نمو مرتفع بعض الشيء لتعويض خسائر توقف الاقتصاد خلال الأزمة الصحية العالمية، إلا أن المسألة ليست بالسهولة المتوقعة في هذه الفترة العصيبة.

المثير، أن نحو نصف النمو في الصين في الأعوام الأخيرة ارتبط بقطاع العقارات. ووفرت الحكومة تسهيلات بلا حدود في هذا المجال، على أمل الإبقاء على مستويات نمو "مبهرة" - إن جاز الوصف. لكن الأمور لم تمض وفق المخططات التي وضعت، فقد توقف المستثمرون قبل أيام عن إتمام أقساط الرهن العقاري لوحدات سكنية ضمن مشاريع غير مستكملة. والتوقف عن التسديد جاء في الواقع في وقت أعلن فيه مطورون عقاريون عجزهم عن التعامل مع الديون المتراكمة عليهم. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن أزمة ديون ممكن أن تظهر إذا ما ظلت الأمور على حالها. الجميع يعلم، أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي اندلعت في 2008، ما كانت لتحدث لولا الانفلات في القروض السكنية والمشتقات المالية الأخرى. الذي يحدث أيضا على الساحة الصينية حاليا، تراجع حاد جدا في مبيعات البيوت المخصصة للطبقة المتوسطة التي يتسع نطاقها يوما بعد يوم.

ليس واضحا حاليا إلى أي مدى وصل تفاقم الأزمة المشار إليها. والواضح أن السلطات الصينية تعلمت "كما قالت" من التجربة الأمريكية "المنفلتة" التي أوقعت العالم في أزمة خطيرة في 2008. ماذا فعلت بكين؟ وضعت خطوطا حمراء في ميدان القروض العقارية، أو بمعنى آخر لوائح مقيدة لتفادي وقوع أزمة لا يمكن أن تتحملها البلاد ولا العالم حاليا. إلا أن التجربة السابقة أظهرت أن بكين "غضت" الطرف عن بعض التجاوزات في عمليات الإقراض، لضمان نمو مرتفع ومتواصل في آن معا. حجم الديون في الوقت الراهن كبير للغاية، وظهور بعض بوادر العجز عن السداد، مؤشر خطير جدا، ولا شك في أن الحكومة تعمل حاليا في كل الاتجاهات لمنع حدوث أزمة ديون عقارية محرجة، لن تكون مقتصرة تماما على البر الصيني.       

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي