رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مفاهيم العمارة بمعايير الرؤية

لم يكن استخدام مفهوم العمارة السلمانية في الكود العمراني للمناطق الواقعة على طريق الأمير محمد بن سلمان - كمفهوم يدل على ربط الأصالة بالحداثة – مستغربا، بل هو يعكس حقيقة التقدم العمراني الكبير الذي شهدته الرياض منذ كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أميرا عليها.
الرياض في نشأتها الأولى كقرية صغيرة، بنيت على أنقاض مدينة حجر، التي كانت حاضرة اليمامة لقرون عديدة، فأصبحت واسطة العقد في الحكم السعودي وعاصمته، ومن أبرز معالمها العمرانية: السور الذي يحيط بها، حصن المصمك، قصر الحكم، الجامع الكبير، وبيوتها ذات الطراز المحلي الفريد بها، ثم شهد أسلوب البناء فيها نقلة نوعية مع التطور الصناعي الذي شهدته المملكة وظهور شركات الأسمنت والحديد، ويعد قرار الملك سلمان منتصف السبعينيات البداية الحقيقة لظهور مفهوم العمارة السلمانية عند تطوير منطقة الحكم، حيث تم دمج التراث العمراني المحلي مع التقنيات المعاصرة وبما يشكل امتدادا طبيعيا من الماضي إلى الحاضر، ووضعت التنظيمات لنمط العمارة في تلك المنطقة، ما سهل انتشار مفهوم العمارة السلمانية في باقي مناطق الرياض والمملكة عموما، وأصبحت كل مدينة تحذو حذو الرياض في الدمج بين العمارة التقليدية و المكونات الحديثة.
ومن الواضح أن التحول العمراني الكبير الذي شهدته الرياض ومنطقة الحكم خصوصا كانت تتطلب تنظيما، وهذا هو النهج المثالي في الإدارة الذي لا ينفك مع جميع مشاريع الرؤية، فالحوكمة والتكامل يعدان السمتين البارزتين في كل برامجها، ذلك أن عديدا من المشاريع الكبرى التي أنتجت على مدار عقود في مدن خارج الرياض كانت في كثير من الأحيان لا تنسجم مع محيطها، أو أنشئت في مناطق بعيدة عن النمو العمراني في ذلك الحين، ثم تمددت المدن لتصل إلى الضواحي دونما مراقبة لهذا النمو، الأمر الذي انتهى بنمو غير نموذجي لبعض المدن، ووصلت العشوائيات إلى مشاريع كانت في أحد الأيام مفخرة معمارية أو انتهى المطاف بالمتنزهات لتصبح تالفة ومهجورة، لهذا انطلقت مشاريع الرؤية ضمن برنامج جودة الحياة لضمان استدامة المشاريع الكبرى واستدامة مفهوم جودة الحياة، من خلال تبني فكر الحوكمة لإدارة المستقبل قبل الحاضر، وضمان أن هذا المستقبل سيكون أكثر جمالية وثراء لجودة الحياة.
ويأتي مشروع المسار الرياضي كأحد أربعة مشاريع كبرى في الرياض، التي أطلقت في 19 آذار (مارس) 2019، وأحد أهم مشاريع جودة الحياة، لتصبح الرياض واحدة من أفضل المدن ملاءمة للعيش في العالم، ينعم المجتمع فيها بحياة ذات نمط حياة صحي ومحيط يوفر بيئة إيجابية جاذبة لسكانها وزائريها، ويقع على طريق الأمير محمد بن سلمان، ويمتد حتى يربط بين وادي حنيفة في غرب المدينة ووادي السلي في شرقها. فهذا المشروع عند انتهائه سيكون لوحة عالمية مشرقة، ومن أهم عوامل الجذب السياحي للمدينة ونقلة حضارية كبرى بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. وانسجاما مع الإدارة السلمانية التي تقتضي نموا متوازنا مع محيط المشروع، وبما يتطلب تفهم الجميع للمفاهيم الأساسية التي بني عليها المشروع حتى لا تضيع كل هذه الجهود مع تشوه بصري ونمو غير متوازن على جوانبه أو في خلفياته، ذلك أن بعض المشاريع الاستثمارية قد تكون مدة إنشائها أقل من مدة إنشاء المشروع فتنطلق دونما هدى، وقد تتصادم مع أحد مكوناته إما موضوعا أو شكلا، لذا لا بد من العمل المبكر من أجل تحقيق الانسجام التام والفهم العام لأهداف المشروع.
ولضمان ذلك، أعلن مجلس إدارة مؤسسة المسار الرياضي برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، إطلاق الكود العمراني للمناطق الواقعة على طريق الأمير محمد بن سلمان.
فالكود يمثل إحدى البنى الأساسية لحوكمة الرياض، وحوكمة العلاقات بين مشاريعها الكبرى، بين حركة المجتمع الطبيعية والنمو العمراني والاجتماعي الحتمي وبين رؤية المملكة 2030، بحيث يمنح المجتمع حرية واسعة في الاختيار ولا يقيد خياراته، لكن ضمن مفهوم واسع يحقق مفهوم جودة الحياة، والأهداف الاقتصادية والاجتماعية للرؤية، وضمن هذا الفهم الواسع لحوكمة الرياض ومشاريعها، فإن الكود العمراني يأتي بوصفه لائحة تنظيمية توفر معايير للتصميم الهندسي، ودليلا مرجعيا لجميع ملاك العقارات التجارية والسكنية الحاليين والمحتملين، وكذلك المستثمرون والمطورون العقاريون، بما يسهم في توفير أنماط عمرانية تتناغم مع المسار الرياضي بجميع مساراته المتنوعة للمشاة والدراجات والخيل، بحيث تشكل بيئة عصرية ومستدامة لسكانها وزوارها. فالكود ليس مجرد مفاهيم هندسية، بل منظومة متكاملة من العلاقات بين المشروع وبين ملاك العقارات، وبين الحاضر والمستقبل، فهو يضمن تحولات متوازنة، فلا نقع في أخطاء الماضي ونضطر بعدها إلى اتخاذ قرارات ذات تكلفة اقتصادية كبيرة تشمل نزع الملكيات والهدم والبناء، فالكود يحدد للمستثمرين والملاك الحاليين ما المشروع وما أهدافه وما ينبغي عليهم الالتزام به؟، كما أنه ملزم للمستثمرين في المستقبل، وهذه هي المرة الأولى التي يتم التخطيط فيها لنمو المدينة وعمرانها وفقا لقواعد وحوكمة تضمن استدامة أهداف المشروع وعدم خروجها عن مسارها.
ولا شك أن الرياض تعيش أزهى عصورها على الإطلاق، فهي بين ماض تليد وحاضر مجيد وبين مستقل زاهر، فالقيادة تسعى إلى أن تكون المملكة رائدة العالم في تقنيات المستقبل، وأن تكون من كبريات مدن العالم من الجانب الاقتصادي كما ونوعا، ولا شك أنها أرض خصبة لتحقيق هذه القفزات الحضارية، وقد أكد ولي العهد في أكثر من مناسبة مفهوم اقتصاد المدن.
هذه المشاريع الكبرى تأتي تحقيقا لهذه الأهداف المستقبلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي