طوابير بنوك الطعام تتسرب إلى كبرى الاقتصادات .. وأثرياء الغذاء يربحون مليار دولار كل يومين

طوابير بنوك الطعام تتسرب إلى كبرى الاقتصادات .. وأثرياء الغذاء يربحون مليار دولار كل يومين
طوابير بنوك الطعام تتسرب إلى كبرى الاقتصادات .. وأثرياء الغذاء يربحون مليار دولار كل يومين
طوابير بنوك الطعام تتسرب إلى كبرى الاقتصادات .. وأثرياء الغذاء يربحون مليار دولار كل يومين
طوابير بنوك الطعام تتسرب إلى كبرى الاقتصادات .. وأثرياء الغذاء يربحون مليار دولار كل يومين

واحد من كل عشرة آباء من المرجح أن يلجأ إلى بنك الطعام في الأشهر الثلاثة المقبلة لإطعام أطفاله، بحسب استطلاع حديث.
وثلث العينة البحثية تخلى عن وجبة من وجبات الطعام اليومية، حتى يستطيع الإيفاء بالالتزامات والمصاريف المالية الأخرى، في حين أن 20 في المائة من الأشخاص الذين أجري عليهم الاستطلاع غير قادرين على تحمل تكاليف طهي الطعام.
هذه العينة البحثية عن تأثير التضخم على الأسر، لم تجر في دولة نامية أو حتى اقتصاد ناشئ، إنما في المملكة المتحدة خامس أقوى اقتصاد في العالم، حيث يتزايد لجوء المواطنين إلى بنوك الطعام لتلبية احتياجاتهم الغذائية، وسط تقديرات أولية بأن 250 ألف بريطاني سينضمون هذا العام لشريحة الفقر المدقع، ليرتفع العدد الإجمالي لتلك الشريحة إلى 1.2 مليون مواطن بريطاني.
الأمر لا يقف عند حدود المملكة المتحدة، بل نجد الظاهرة تتكرر في اليابان ثالث أقوى اقتصاد في العالم، إذ تشير وزارة الزراعة والغابات ومصايد الأسماك إلى أن عدد بنوك الطعام في اليابان في تزايد، وبلغ عددها في مارس الماضي 178 بنكا للطعام مقابل 120 قبل عامين، بينما يشير المسؤولون عن تلك البنوك إلى أن ارتفاع الأسعار يضع ضغوطا على الأسر ذات الدخل المحدود.
المنطق ذاته يتكرر في الولايات المتحدة، فتحت حكم إدارة الرئيس الديمقراطي جوزيف بايدن عادت الطوابير الطويلة إلى بنوك الطعام في جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث يلجأ إليها مزيد من الأمريكيين المثقلين بالتضخم والحاجة إلى المساعدة لإطعام أسرهم.
وفي مسح حديث أجرته شركة أبحاث السوق إبسوس، ونشر نتائجه منتدى الاقتصاد العالمي، وجد أن التضخم هو أكبر مصدر قلق يواجه المواطنين في 27 دولة، وأن القلق من التضخم وتداعياته على مستوى المعيشة في تزايد.
وفي الوقت نفسه، يظهر الاستطلاع أن القلق بشأن وباء كورونا انخفض في الأشهر الأخيرة، كما كشف عن أن الاهتمامات الاقتصادية للمواطنين تهيمن على المراكز الثلاثة الأولى، فبعد التضخم يأتي في المرتبة الثانية القلق من الفقر وعدم المساواة الاجتماعية، بينما تحتل البطالة المرتبة الثالثة.
وقال لـ"الاقتصادية" أريك ميلر الخبير الاقتصادي، إن "التضخم يضرب بشدة مستويات المعيشة في الوقت الراهن، فعلى المستوى العالمي بلغ أعلى مستوى منذ عام 2008، وفي الاقتصادات الصاعدة والنامية وصل إلى أعلى مستوى له منذ عام 2011، وفي الولايات المتحدة مستوى التضخم هو الأعلى منذ 40 عاما، وهذا يضر بالعائلات بشكل كبير".
واستطرد "لكن وراء تلك الأرقام شيء غالبا ما يتم تجاهله، وهو أن التضخم يؤثر في الأسر المختلفة بطريقة مختلفة، وتأثيره في الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل أكثر قسوة، والسبب بسيط، فالأسر الفقيرة تنفق نسبة أكبر بكثير من دخلها على الغذاء مقارنة بما تنفقه الأسر المتوسطة".
وبالفعل، فإن التضخم يجعل مستويات معيشة الأسر الفقيرة أكثر سوءا، بسبب تآكل قيمة الأجور الحقيقية التي تحصل عليها، وكذلك تراجع ما لديها من مدخرات، بينما تكون الأسر الثرية في وضع أفضل نتيجة تنوع مصادر الدخل لديها واختلاف سلتها الاستهلاكية مقارنة بنظرائها من الأسر متوسطة أو محدودة الدخل.
ومن المؤكد، أن جائحة كورونا وما تركته من آثار سلبية على الاقتصاد العالمي، ثم المشكلات اللاحقة في سلاسل الإمداد، والحرب الروسية في أوكرانيا، مثلت تشكيلة قاتلة أفلتت التضخم من عقاله.
ووفقا لمنظمة أوكسفام الخيرية، فإن ثروة أصحاب المليارات في العالم ارتفعت بعد تفشي وباء كورونا أكثر مما كانت عليه في الأعوام الـ23 السابقة مجتمعة، وأن المليارديرات في قطاع الغذاء حاليا يزيدون ثرواتهم بمقدار مليار دولار كل يومين، وفي المقابل تتوقع المؤسسة أن يؤدي التضخم إلى دفع 263 مليون شخص إلى الفقر المدقع هذا العام.
ويشير الخبراء إلى اتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء نتيجة التضخم، ويعود السبب من وجهة نظر كثيرين منهم إلى اختلاف عادات الإنفاق لدى المجموعتين.
ويفسر الدكتور جاكسون هيفن أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة لندن هذا بالقول، "في أوقات عدم اليقين والركود الاقتصادي، تميل معظم الأسر إلى الامتناع عن شراء السلع الكمالية، لكن بشكل عام لا يمكن للناس تقليل الضروريات مثل الغذاء والتدفئة، وذلك على الرغم من أن المستهلكين الأكثر ثراء دائما، ما يكونون في وضع أفضل لتخزين هذه الضروريات عندما تكون الأسعار منخفضة".
وأضاف أن "هذا التحول في الإنفاق بعيدا عن السلع الكمالية مثل الإجازات وشراء السيارات الجديدة والساعات الفاخرة، والاتجاه نحو الضروريات يجعل تأثير التضخم ملحوظا أكثر على الفقراء مقارنة بالأثرياء، لأن الأسر الفقيرة وذات الدخل المنخفض تخصص نسبة أعلى من دخلها للضروريات".
ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونجرس، يزداد أقطاب الإدارة الأمريكية توترا من تواصل ارتفاع معدلات التضخم وإخفاق التدابير التي اتخذها الفيدرالي الأمريكي حتى الآن في وضع حد له.
ولا شك أن التأثير السلبي في مستوى معيشة المواطنين الأمريكيين قد يدفعهم إلى تصويت عقابي ضد إدارة بايدن، كما أن تراجع مستوى المعيشة قد يمثل ذخيرة لمصلحة الجمهوريين لإطلاقها على قرارات الإدارة وسياستها الاقتصادية والاجتماعية.
لكن الأكثر خطورة بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية، أن التضخم يقوض الإنفاق الهائل لمصلحة الأمريكيين الفقراء والطبقة العاملة أو ما يعرف بأجندة "العدالة الاقتصادية"، حيث إن تأثيرات التضخم في الاقتصاد الأمريكي باتت سلبية، بحيث لم تعد الطبقات الفقيرة قادرة على تحمل الوضع.
وفي ظل تلك الظروف، يطرح بعض الخبراء الاقتصاديين حلولا من قبيل مطالبة الحكومات باللجوء إلى الإعانات لتخفيف تأثير التضخم في الأسر، وفي بعض الحالات يمكن أن تكون الإعانات أداة انتقالية فاعلة للتخفيف من تأثير الصدمات، لكن ترك تلك الإعانات لفترة طويلة يؤدي إلى آثار ضارة.
والدعم الحكومي يأتي في كثير من الأحيان على حساب المبالغ المالية التي سيتم توجيهها إلى البنية التحتية والصحة والتعليم، كما أن دعم الطاقة غالبا ما يذهب إلى الأسر الأكثر ثراء وليس الأسر الفقيرة.
من جانبها، ترى الدكتورة شيلي لينك أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد، أن التحدي الذي تطرحه قضية التضخم يظهر في الطابع العالمي للظاهرة في وقت تنصب الحلول المطروحة حتى الآن على توجهات قطرية، ما قد يفاقم المشكلة مستقبلا، أو يعوق من إمكانية حلها سريعا.
وقالت لـ"الاقتصادية"، إنه "تتصاعد الآن بعض الأصوات والاقتراحات الدولية الداعية إلى استخدام القيود التجارية وحظر تصدير بعض السلع لتوفير الإمدادات والاحتياطات الغذائية على المستوى الوطني، وتلك الحلول تبدو إيجابية على المستوى القطري لبعض الوقت، لكنها على الأمدين المتوسط والطويل ستكون انعكاساتها سلبية ووخيمة، فالطابع الراهن للاقتصاد العالمي، سواء من حيث العولمة والتداخل الاقتصادي نتيجة حرية التجارة، يجعل عمليا تلك المقترحات غير عملية وغير قادرة على التصدي للتضخم".
وباختصار، تبدو قضية ارتفاع الأسعار، وتحديدا أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية وفي مقدمتها الغذاء والطاقة، شديدة الوطأة في البلدان الرأسمالية المتقدمة، خاصة على الطبقات الفقيرة، حيث إن ارتفاع معدلات التضخم ليس مجرد مسألة متعلقة بتجديد الباقة الشهرية لاشتراك نتفليكس أو شبكات البث التلفزيوني أو دفع اشتراك الهاتف المحمول، لكنها مسألة متعلقة بما إذا كان الملايين من الناس لديهم أموال كافية لتوفير الغذاء لهم ولأسرهم، وأن يكونوا قادرين على إطعام أبنائهم بما يضمن نمو جسدي وعقلي ونفسي سليم لهم في المستقبل، بل إنها قضية مرتبطة بالاستقرار الاجتماعي.
وفي بلد كالمملكة المتحدة، كانت أزمة غلاء المعيشة أحد أسباب الإطاحة برئيس الوزراء بوريس جونسون، وجعلت السلطة البريطانية في حالة تأهب، وعززت أعداد الشرطة خوفا من اضطرابات وأعمال شغب كالتي شهدتها المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء المحافظة مارجريت تاتشر.
وفي مثل تلك الأوقات تبدو سياسات الرعاية الاجتماعية لحماية الفقراء من ارتفاع الأسعار وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي عبر المساعدات المالية والغذائية وبرامج التغذية المدرسية وتحسين الوصول إلى المنتجات المالية التي تحمي القيمة الحقيقية لأصول الأسر الفقيرة من الآثار المدمرة للتضخم والتعاون الدولي عبر دعم التجارة الحرة، الوسيلة الأمثل ليعبر الجميع مأزق التضخم الحالي.

الأكثر قراءة