رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


ميكنة الزراعة بنتائج مضافة

أدى انتشار التكنولوجيات الرقمية وإمكانية نقلها إلى تغيير في الإنتاج الزراعي والغذائي في ظل الصعوبات الطبيعية، واستخدام وسائل الإنتاج التقليدية، حيث تسبب التوسع في التقنيات المحمولة وخدمات الاستشعار عن بعد، والحوسبة، إلى تحسين وصول أصحاب الحيازات الصغيرة إلى المعلومات والمدخلات والأسواق، وزيادة الإنتاج، وتبسيط سلاسل الإمداد وخفض التكاليف التشغيلية. ويعمل كثير من الجهات ذات العلاقة على تطوير التقنيات الزراعية بمساعدة الحكومات والشركاء وسد الفجوات الرقمية متعددة التخصصات، لضمان استفادة الجميع من المجتمع الرقمي الناشئ.
ومع التطورات التقنية الكبيرة، ودخول عالم الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن التحكم بذلك الآن، فالتكنولوجيا الزراعية في تطور مستمر، وتطالعنا الأخبار كل يوم بقصص عن لحوم مستنبتة، وروبوتات تقطف الفواكه بسرعة فائقة، وشركات عالمية تضخ ملايين الدولارات للاستثمار، فيما أصبح يعرف على نطاق واسع بالزراعة الرقمية التي تعمل على توفير جميع الأصناف الغذائية في معظم أوقات العام، بغض النظر عن التغيرات المناخية، مع المحافظة الكبيرة على البيئة عبر تقليل حجم الانبعاثات الملوثة للجو من الغازات السامة الناتجة عن العمليات الزراعية بالوسائل التقليدية التي كانت سائدة سابقا.
ومن هنا، يبدو أن عصر الماكينات الزراعية "الروبوتات" بدأ يقترب، خصوصا في الدول التي تمثل التكنولوجيا محورا رئيسا فيها. ورغم أن المسألة لا تزال عمليا في بداياتها، إلا أن التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، حدث عمليا في فترة زمنية قصيرة، ولم يحتج إلى وقت طويل لكي ينتشر حتى في الدول الأقل وزنا في هذا الميدان، فالتقدم السائر دون توقف في هذا المجال، يمكن أن يوفر الأدوات اللازمة في مجال الإنتاج الزراعي، ولا سيما في ظل مشكلات جمة تواجه إنتاج الغذاء عامة، بما في ذلك نقص اليد العاملة، ففي بريطانيا - مثلا - اضطر المزارعون لرمي منتجاتهم في القمامة، بعد أن عانوا خروج العاملين الأجانب في الحقول من البلاد، في أعقاب الانفصال من الاتحاد الأوروبي.
النقلة النوعية الجديدة المتوقعة في الإنتاج الزراعي، بدأت بالفعل بنتائج كبيرة للغاية، رغم محدودية الميادين التي أطلقت فيها الماكينات الذكية، حيث تبين أنها لا تسد نقص العمالة في الأوقات العادية أو في أزمنة الطوارئ فحسب، بل تساعد على الإنتاج في مساحات زراعية أقل، وتقلل من الاستخدام المفرط للمواد الكيماوية، وهذه نقطة مهمة جدا تسعى المؤسسات الدولية المعنية بالصحة العامة إلى أن تضعها على رأس أولويات الحكومات حول العالم. اللافت أيضا في التجربة المثيرة التي تمت أخيرا في منطقة الغرب الأمريكي، أن تلك الماكينات تسمح بالتنوع في المحاصيل على رقعة زراعية واحدة، ما يدعم التنوع الزراعي المطلوب، خصوصا في الدول التي تعاني نقصا في بعض المحاصيل الأساسية.
التكنولوجيا الزراعية المتطورة هذه، توفر أيضا إمكانية تعامل الماكينات مع كل نبتة، في التسميد ورش المبيدات والتخلص من الأعشاب الضارة، إنها باختصار ميكنة زراعية بعوائد كبيرة وذات قيمة مضافة للغاية، وهذه التقنية تستند وفق المختصين إلى عدد كبير من الكاميرات الذكية أيضا التي يمكنها التمييز بين المحاصيل وطبيعتها واحتياجاتها من المبيدات والسماد والري، فضلا عن الوقت الدقيق جدا للحصاد، الأمر الذي يقلل من الهدر في هذا الميدان الحيوي.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن رفع معدلات الإنتاج الزراعي بالطرق المتطورة، يعد بحد ذاته عاملا مهما للغاية في دعم الأمن الغذائي في هذا البلد أو ذاك، في الوقت الذي أثبتت فيه التطورات العالمية، مدى اضطراب وتيرة الإنتاج الزراعي في أوقات الأزمات الطبيعة وغير الطبيعية والحروب. لكن تبقى المشكلة الأهم حاليا في التكاليف الباهظة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بالنظر إلى أن أي شكل من أشكال التكنولوجيا يكون مكلفا في بداياته، ولذلك فإن كثيرا من الجهات المختصة على الساحة الأمريكية، بدأت تتحرك من أجل وضع تشريعات حكومية تختصر الوقت وتسهم في خفض هذه التكاليف.
ومن هنا، لا بد من التركيز على وجود تمويل حكومي يمكن المزارعين من امتلاك هذا النوع من الماكينات المتطورة، بدلا من اضطرارهم لاستئجارها، ما يرفع تكاليف الإنتاج عموما، وهذه النقطة تدخل بالفعل ضمن الأمن الغذائي لأي دولة تعتزم اعتماد الميكنة الزراعية في المستقبل، خصوصا في ظل السرعة الكبيرة التي شهدتها "الروبوتات" الزراعية على صعيد تطويرها، فعلى الرغم من حداثة وجودها، إلا أن المطورين تمكنوا من تقليل أحجامها وتسهيل تشغيلها من قبل المزارعين العاديين.
تبدو الزراعة الرقمية أمرا حتميا أيضا مع ازدياد أعداد البشر، والحاجة المستمرة إلى مزيد من الطعام، والتمدد العمراني الذي قلل حجم ومساحة الأراضي الصالحة للزراعة في العالم. والوعود التي تقدمها الزراعة الرقمية ليس لها حد، فيرى كثير من المتحمسين لهذا التحول أن استخدام التكنولوجيا في الزراعة سيسمح للبشرية بإنتاج مزيد من الغذاء على مساحة من الأراضي أقل بكثير من السابق، وسيسهم في تقليل النفايات والملوثات، وحماية التنوع البيولوجي، وتوفير مزيد من فرص العمل في أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي