مصادر الطاقة .. بواقعية ومسؤولية

لا يشك أحد أن التطور الحضاري الكبير والسريع الذي تحقق للبشرية جمعاء خلال القرن الـ 20 حتى اليوم كان يقوم أساسا على الطاقة الأحفورية، فهذه الطاقة منخفضة التكلفة نسبيا مكنت من تحقيق عديد من الابتكارات وتحريك جميع أنواع الآلات، وتصور الحياة الإنسانية اليوم دون هذه الطاقة ومنتجاتها يعني العودة إلى القرن الـ 19 وما قبله.
واستخدم البشر هذه الطاقة بشكل مفرط في العقود الماضية، ومع عوامل أخرى مثل حرق الغابات، إضافة إلى غاز الميثان الذي ينبعث معظمه من أمريكا وأوروبا أدى كل ذلك إلى تسبب في تغيرات مناخية، الأمر الذي استدعى مزيدا من تضافر الجهود الدولية التي انتهت باتفاقية باريس في 2015.
والسعودية من أقل دول العالم في انبعاثات الكربون قد أعلنت قبل عدة أشهر أنها تمثل مع دول أخرى مجتمعة 40 في المائة من الإنتاج العالمي من النفط والغاز لتأسيس "منتدى الحياد الصفري للمنتجين"، لدعم تطبيق اتفاقية باريس للتغير المناخي، كما أن السعودية قد أكدت في أكثر من مناسبة أن تطبيق اتفاقية باريس له مسارات واستراتيجيات تعتمد على ظروف كل دولة والجميع يسعى إلى تحقيق الهدف العالمي بتخفيض الانبعاثات ليس هذا فحسب بل إن ولي العهد أكد في كلمته في مركز الملك عبدالله الدولي للمؤتمرات في "قمة جدة للأمن والتنمية التي عقدت أخيرا أن تبني سياسات غير واقعية لتخفيض الانبعاثات من خلال إقصاء مصادر رئيسة للطاقة دون مراعاة الأثر الناتج عن هذه السياسات في الركائز الاجتماعية والاقتصادية للتنمية المستدامة وسلاسل الإمداد العالمية، سيؤدي في الأعوام المقبلة إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة بما في ذلك تزايد الفقر والمجاعات وتصاعد في الجرائم والتطرف والإرهاب.
وتأتي كلمة الأمير محمد بن سلمان لتعيد تأكيد هذا الموقف العلني والواضح للسعودية، فالمملكة تقف مع العالم أمام التحديات البيئية وعلى رأسها التغير المناخي، وتعمل مع المجتمع الدولي على الإبقاء على درجة حرارة الأرض وفقا للمستويات التي حددتها اتفاقية باريس على أساس التعامل معها بواقعية ومسؤولية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تبني نهج متوازن وذلك بالانتقال المتدرج والمسؤول نحو مصادر طاقة أكثر ديمومة تأخذ في الحسبان ظروف وأولويات كل دولة.
فالمسألة لن تقف عند حد سياسات غير ناجحة في تحقيق أهداف اتفاقية باريس بل إن الأمر قد يقود إلى مشكلات خطيرة آنية قد تقوض كل الجهود، فالتضخم الذي يضرب العالم اليوم هو نتيجة، وقد تستمر هذه الأسعار في الارتفاع إذا تم تشديد السياسات دون مراعاة للظروف الخاصة بكل دولة، فالتوازن العالمي مهم جدا لضمان تدفق الغذاء والسلع واستدامة سلاسل الإمداد، وهذا لن يتحقق ما لم تتم المحافظة على أمن إمدادات الطاقة، فمواصلة ضخ الاستثمارات في الطاقة الأحفورية وتقنياتها النظيفة لتلبية الطلب المتنامي عالميا ضرورة اقتصادية واجتماعية وإنسانية اليوم، ولا بد من ضمان عدم حدوث نقص في إمدادات الطاقة من هنا يطمئن ولي العهد جميع العالم بأن المملكة ستواصل القيام بدورها في زيادة طاقتها حتى الحد الأعلى لطاقتها الإنتاجية البالغة 13 مليون برميل يوميا.
إن المملكة لا تقف عند هذا الحد فقط، بل تقدم مبادرات أثبتت جدواها في تحقيق أهداف اتفاقية باريس وفي تحقيق التوازن المنشود لإمدادات الطاقة، ومن ذلك نهج الاقتصاد الدائري للكربون بما يتوافق مع مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر". والمملكة من خلال "رؤية 2030" التي يشرف عليها ولي العهد مباشرة، حققت تقدما ملحوظا في تنمية الطاقة المتجددة ومن ذلك تدشين محطات الطاقة الشمسية، ومبادرات مدينة ذا لاين في مشروع نيوم، وكذلك تبني المعايير البيئة في مشاريع البحر الأحمر، فالسعودية تقوم بدورها في هذا المجال وتتبنى رؤية تضع في أولوياتها تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، وترتكز على الاحترام المتبادل مع جميع دول العالم لمجابهة التحديات الأمنية والسياسية، لتحقيق مفهوم وأهداف تنمية اقتصادية شاملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي