الدور والمكانة والتأثير
تميزت العلاقات السعودية ـ الأمريكية منذ عقود مضت بوتيرة استراتيجية تاريخية إيجابية، تراعي مصالح البلدين في جميع الجوانب الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وحملت هذه الاستراتيجية المضامين التي تتيح للبلدين الاستفادة انطلاقا وبناء على هذه العلاقة والشراكة، حيث تطورت العلاقة المؤسساتية عبر القنوات الدبلوماسية المختلفة، وتميزت وتوطدت على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، وهي علاقة خاصة بدأت منذ 1933، وشهدت خلال هذه الفترة مواقف متعددة كان هدفها تحقيق السلام والاستقرار في جميع أرجاء العالم.
وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى السعودية من الأجندة ذاتها المطروحة على الطاولة، وهي امتداد للعلاقات المتينة، والشراكة العميقة بين الدولتين اللتين تتمتعان بمركزين اقتصادي وسياسي، على المستويات الإقليمية والعالمية. هذه العلاقة التاريخية اتسمت بالمصالح ذات الاهتمام المشترك، وأسهمت بقوة في دعم الاستقرار العالمي، كما أن الدولتين تلتقيان في كثير من المنظمات الدولية التي تخدم مصالح شعوب العالم، وأيضا التعاون في جميع الأصعدة، ومنها الاستثمارات الثنائية، وتعزيز التبادل التجاري عبر الاتفاقيات الاستثمارية والشراكات المتعددة، والجهود المشتركة التي تسهم في المحافظة على استقرار وتوازن أسواق الطاقة العالمية.
الرياض وواشنطن تجمعهما علاقات تجارية استراتيجية متجددة، ومستمرة، تدعمها أرقام وإحصائيات كبيرة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري في عام 2021 نحو 30.4 مليار دولار، فيما تعمل 742 شركة أمريكية في السعودية عبر قطاعات متنوعة، ويبلغ إجمالي رأس المال الأمريكي المستثمر في المملكة نحو 90.6 مليار ريال، وهنالك أكثر من 21 ألف علامة تجارية أمريكية مسجلة في السعودية خلال 2022.
الرؤية الخارجية الأمريكية وجدت أخيرا، أنه لا بد من العودة إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة التي تستند إلى أسس لا يمكن أن تنال منها العواصف العابرة، أو المشكلات الآتية من توجهات مرحلية، وهذه السياسة تقوم أساسا على علاقات تاريخية مع السعودية، تجددت على مر الإدارات الأمريكية "الديمقراطية، والجمهورية".
الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن يسعى بعد عامين من وصوله إلى البيت الأبيض، للعودة إلى السياسة التقليدية لبلاده، خصوصا مع دولة بحجم ومكانة المملكة العربية السعودية، وبما تقوم به من أدوار استراتيجية في محيطها العربي والإسلامي وأبعاد قراراتها ومبادراتها وتأثيراتها وبما لها من ثقل على المستويين الإقليمي والدولي.
الرياض لم تغير في الواقع من توجهاتها الثابتة، سواء مع الأشقاء، أو الحلفاء، أو الأصدقاء، كما أنها تحرص دائما على صيانة العلاقات، ولا سيما تلك التي تمثل في النهاية قيمة مضافة للطرفين، وللمنطقة، وللعالم، والمسؤولون في الإدارة الأمريكية يعرفون ذلك تماما، وعبروا عن إدراكهم في غير مناسبة لهذه الحقيقة.
ومن هنا، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس جوزيف بايدن للسعودية، ليس فقط من ناحية إعادة الحيوية للعلاقات التقليدية الثابتة بين المملكة والولايات المتحدة، بل أيضا من جانب محورية السعودية في مواجهة التطورات الإقليمية والعالمية، وأهميتها في المخرجات النهائية للسياسة الدولية عموما. مسؤولون أمريكيون بارزون أشاروا في مواقف عديدة إلى أن واشنطن لم تنشط في الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، وأن من أهداف الزيارة سعي إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى تصحيح مسار العلاقة الأمريكية في هذه المنطقة المهمة، وهذا يعني أن المراجعة التي قد تكون بدأت بالفعل كانت ضرورية لواشنطن بكل المقاييس.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن الاستراتيجية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية منذ عامين أثرت في علاقاتها بالمنطقة كلها، خصوصا مع الشركاء التقليديين الآخرين في منطقة الخليج، فمصالح الولايات المتحدة متعددة، تشمل محاور رئيسة، كالطاقة، والتعاون مع الحلفاء، والحرب على الإرهاب، وتأمين التجارة والملاحة، إلى جانب محاور أخرى لا تقل أهمية عن تلك.
كان لا بد من بدء فصل جديد، في وقت حيوي بالنسبة إلى المنطقة والعالم، وهو فصل يكرس الحقائق التاريخية التي تقوم عليها علاقات واشنطن في هذه المنطقة التي تشهد متغيرات، وتطورات لا تتوقف.
زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن للسعودية تعزز حقيقة المتغيرات في سياسة واشنطن، بعد أن وجدت الأخيرة نفسها بعيدة عن المنطقة بصور مختلفة.
ولأن الرياض إحدى العواصم الكبرى المهمة والمؤثرة بمكانتها وقرارها ، فإنها ستكون مكان لقاء الرئيس الأمريكي مع قادة مجلس التعاون الخليجي وعدد من قادة المنطقة، لبدء صياغة جديدة صارت ضرورية جدا، تأخذ في الحسبان مخاوف وتوجهات وسياسات الشركاء التقليديين للولايات المتحدة، وتضع في الميزان أولا الأهمية النابعة من حراك هؤلاء الشركاء، فالارتباط النابع من المصالح، يبقى الأهم في كل الأزمنة، والمواقف الجامدة لا توفر عادة العوائد المأمولة، وكل ما هو مطلوب في العلاقات الدولية عموما، التوازن في المواقف، وهذه النقطة الوحيدة التي تحقق النجاح لأي رابط سياسي أو اقتصادي بين الدول.
زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن للسعودية، ولقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستدعم الأسس التي تشكلت عليها علاقات الرياض بواشنطن منذ عقود، وستؤدي في النهاية إلى مزيد من التفاهمات والشراكات التي باتت أكثر من ضرورية في ساحة دولية باتت متغيرة بوتيرة كبيرة وسريعة للغاية. هذه الزيارة ستعكس رؤية قيادتي الدولتين لحجم التحديات، وضرورة رفع الأدوار إلى أعلى المستويات، دعما للطريق المثمر الذي تتميز بها العلاقات العميقة بينهما والقائمة أساسا على العمل المؤسسي، سواء أكانت الإدارة في واشنطن جمهورية أم ديمقراطية، وكل ما ستتمخض عنه الزيارة سيكون داعما ومعززا للأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى ما تشكله عضوية البلدين في مجموعة العشرين وما لذلك من انعكاسات على اقتصادات جميع دول العالم، فعلى سبيل المثال كان للرياض مبادرات عديدة بارزة قدمتها خلال ترؤسها قمة العشرين خلال فترة جائحة كورونا العصيبة، حيث أدارت هذه القمة بحكمة وسط جملة صعاب واجهها العالم، وكان ذلك محل تقدير دولي نظير ما بذلته من مجهودات كبيرة ونتائج مميزة.