رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


اليورو الضعيف والقرار المتأخر

تلقى اليورو ضربات قوية وموجعة أمام العملة الأمريكية مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إذ هبطت العملة الأوروبية إلى أدنى مستوياتها منذ عقدين مع ارتفاع أسعار الغاز وعدم التيقن بشأن إمدادات الطاقة الروسية، ما أثار مخاوف الركود في منطقة اليورو. وأدى الانخفاض الحاد إلى وصول اليورو إلى مستوى أدنى مقابل الدولار للمرة الأولى منذ أواخر 2002، متزامنا مع انخفاض التوقعات الاقتصادية في منطقة اليورو وسط ارتفاع أسعار الغاز والمخاوف من قطع روسيا إمدادات الطاقة، وقد ترك الاعتماد الكبير للاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا على الغاز الروسي المستثمرين في حالة من التوتر مع توقع الاقتصاديين حدوث ركود أسرع وأكثر إيلاما في منطقة اليورو مقارنة بالولايات المتحدة. ومع انخفاض سعر صرف اليورو ليتكافأ مع الدولار، يرجح خبراء المال أن يستمر الانزلاق في سعر الصرف. في حين أن ضعف اليورو يجب أن يقلق الأوروبيين.
ويبدو واضحا أن تراكم العوامل الضاغطة على اقتصاد منطقة اليورو، أدى في النهاية إلى التراجع الخطير لليورو أمام الدولار، والعملة الأمريكية تتقدم على كل الساحات، بما في ذلك الجنيه الإسترليني الذي خسر 10 في المائة من قيمته أمام الدولار منذ الربيع الماضي. إلا أن وضعية اليورو تمثل مؤشرا مهما لمسار الاقتصاد العالمي ككل. فقبل أيام، أعلنت وزيرة الخزانة الأمريكية أن الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو تسير من سيئ إلى أسوأ، وأنها لا تقارن بأوضاع الاقتصاد الأمريكي الذي يمكنه أن يتجنب الركود، وإن طال أمد التباطؤ الذي يمر به. ماذا فعل المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي "البنك المركزي"؟ أقدم على رفع تلو الآخر للفائدة، ما أسهم في هجرة الاستثمارات في العملات الأخرى "بما فيها اليورو" إلى الدولار القوي.
المستوى المكافئ للعملة الأوروبية الموحدة مع الدولار، لأول مرة منذ أن تم إطلاق هذه العملة قبل عقدين من الزمن، عكس تفاقم موجة التضخم التي تضرب منطقة اليورو، ولا سيما في ظل "عناد" واضح من جانب البنك المركزي الأوروبي، بالإبقاء على المستوى الصفري للفائدة. فالمشرعون الماليون الأوروبيون، يسعون إلى الحفاظ على أي مستوى للنمو، عبر الاستراتيجية التقليدية التي تعتمد أساسا على التيسير المالي. لكن الأمور تغيرت بسرعة في الأشهر القليلة الماضية، بفعل تفاقم انعكاسات الحرب في أوكرانيا، التي تنال من أوروبا "بحكم الجغرافيا والترابط"، أكثر من أي ساحة أخرى في العالم، إلى جانب الآثار السلبية لتبعات أزمة كورونا، بما في ذلك تعمق مشكلات سلاسل التوريد التي رفعت أسعار الإمدادات بأنواعها، ورفعت بالتالي الأسعار إلى مستويات تاريخية.
من أكثر هموم المستثمرين حاليا، تجاوز عتبة التعادل "نفسيا على الأقل" بين اليورو والدولار، بينما حققت العملة الأمريكية ارتفاعات بلغت 14 في المائة منذ بداية العام الجاري. لكن المخاوف تبقى حاضرة من مغبة حدوث ركود اقتصادي في منطقة اليورو، في ظل الأزمات الأخرى المصاحبة، في ميادين الطاقة وسلاسل التوريد، في حين يقترب التضخم في المنطقة من 9 في المائة. "المرض" الذي أصاب اليورو لم يأت من العوامل السابقة فقط، بل جاء أيضا من تأخر كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي وأركان إدارتها في رفع الفائدة. صحيح أن البنك قرر زيادة الفائدة في أواخر الشهر الحالي، إلا أن ذلك يبدو في نظر حتى بعض أركان البنك المركزي سيأتي متأخرا.
الفرق بين مستويات الفائدة الأمريكية والأوروبية "الأخيرة لا تزال صفرية"، يبقى عاملا مهما لوصول اليورو إلى مستوى التكافؤ مع الدولار. فحتى "الفيدرالي الأمريكي" المعروف بتفضيله مستويات الفائدة المنخفضة لم يتحمل الضغوط التضخمية المتواصلة، ليبدأ سلسلة من الزيادات التي لن تنتهي قبل نهاية العام الجاري. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن الفائدة في الولايات المتحدة ستصل إلى 3 في المائة مقابل 1 في المائة في منطقة اليورو، علينا أن نتوقع مزيدا من الهبوط لليورو في المرحلة المقبلة. الكل يعلم، أن الأموال ستتحول إلى الساحة التي توفر أكبر العوائد، وهي في هذه الحال الولايات المتحدة، التي تمثل أيضا ملاذا آمنا بعملتها في الأوقات العصيبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي عادة.
بالطبع هناك فائدة واحدة فقط من عملة أوروبية منخفضة تتعلق برفع صادرات المنطقة، لكن مثل هذه الميزة لا تفيد كثيرا في الحال الراهنة، وينبغي للأوروبيين أن يتجنبوا خلالها دخول دائرة الركود، وضربات التضخم المتصاعدة، وفي الوقت نفسه التخلي عن سياسة التيسير، التي باتت عاملا سلبيا. أي اتباع التشديد النقدي. إن اليورو الضعيف والتضخم من شأنهما أن يزيدا من التحديات التي يواجهها البنك المركزي الأوروبي، الذي يواجه بالفعل تحديات مالية كبيرة بسبب تباطؤه في مكافحة التضخم. وأن الانخفاض في معدلات صرف اليورو قد يزيد من نطاق ضعفه أمام العملات الأخرى، وبالتالي تصبح مشكلة تضخم أكبر بالنسبة إلى البنك المركزي الأوروبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي