رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


جدل مع قرارات العيد وعباراته

وفي مناسبة العيد وفي يوم مثل هذا لا مساحة للحديث عن قضايا اقتصادية صرفة، مهما كانت هذه القضايا ملحة ومهمة، فالعيد يحمل معه الأمل، والمحبة، والسلام، يأتي بالبهجة في كل مكان، والحديث عن الاقتصاد لا يخلو من التشاؤم. الحديث عن عيد الأضحى؛ حديث عن جدال دائم حول المناسك، وقرارات نتخذها عن ثمن الأضحية، ومتى وكيف نضحي؟ فلقد منحنا لله - جل وعلا - هذه الأضاحي، نعمة من عنده - جل شأنه -، فما بالك لو مضى أمر الله على بني البشر بأن يذبحوا من أبنائهم في هذا اليوم، ماذا لو أن هذا الأضاحي "واجبة" كمثل الصلاة، والصيام. تصور هذه الأمور جميعها، ثم تصور الوضع الحالي، وقد رزقنا الله هذه الأضاحي بدلا عن الأبناء، وجنبنا كل الحرج فيها، ورزقنا هذه الأنعام نأكل منها ونعطي الفقراء ونهدي من نحب، لقد تبدل القلق سعادة، والهموم فرحة، فالحمد الله الذي رزقنا بهيمة الأنعام، وكما قال - جل وعلا - في سورة الحج، «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (28)». فكل عام وأنتم وأبناؤكم ومن تحبون بألف خير.
قال تعالى، «لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم (67) وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون (68) الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون (69)». هذه الآيات العظيمة من سورة الحج، ففي الحج مناسك كثيرة، للحجاج ولغيرهم من المسلمين، تلبيات وتكبيرات، ومسيرات، ووقفات، وذبح الأضاحي والهدي والقربات، وحلق شعر الرأس، ومناسك كثيرة قد يدور حولها جدل كبير بين المسلمين أنفسهم، وبين غيرهم، جدل يحاول البعض من الناس وضع هالة من التفسيرات العقلانية لها "علمنتها"، ولماذا هذا وما يدل عليه ذاك، والأصل في القرآن الكريم أنها مناسك وضعها الله لنا، لهذه الأمة، نفعلها تقربا لله، ليس بالضرورة أن يفهم كل واحد منا سبب هذه التشريع الرباني العظيم، لكنها مناسك، وفي هذا فإن لكل أمة من البشر مناسك يعبرون فيها عن دينهم؛ عن معتقداتهم، يرسمون صورا بشرية عن هذه المعتقدات، بعضهم كانت مشرعة من عند الله في زمن الأنبياء قبل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم من نتاج فكرهم، حتى تلك الأفكار المنحرفة جدا، لهم شعارات ولهم مناسك وطقوس، لقد جاءت آيات الله واضحة بشأن الجدال في مناسك المسلمين، رد بليغ وواضح، «لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه»، وقال جل شأنه، «فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم»، ثم قال، «وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون»، فنحن كمسلمين على هدى مستقيم من الله، وأما مناسككم؛ فالله أعلم بها أيضا، وهو الله وحده الذي سيحكم بين البشر، المسألة لا تحتاج إلى دفاع كبير، ولا نقاش موسع، فقل لكل من يجادلك: كل عام وأنت بخير.
كثيرا ما يقال "جاب العيد"، في عبارة يفسرها البعض بحدوث مصيبة، لكن ليست كذلك؛ بل هي من تعابير الفأل، فمن اتخذ قرارا وجاءت النتيجة على غير ما يسره، نقول له تفاؤلا "جاب العيد"، أي أنه أخطأ، لكن الله سيجعلها خيرا بإذنه - جل شأنه -، ومثلها قول العرب للصحراء "مفازة" من الفأل أنهم يتجاوزنها بسلام. وعندما نقول "جاب العيد"، فإننا نستبشر بالخير رغم النتائج غير المواتية للقرار؛ ما يجعل الأمر ينقلب إلى فكاهة أحيانا. وفي العيد قرارات كثيرة، من بينها اختيار الأضاحي، والأمر في هذا على السعة، «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم»، فلا فرق بين الأضاحي في وزن ولا شكل ولا حجم إذا حققت الشروط فهي أضاحٍ. بعضنا يعظم هذه الشعيرة بشكل واضح وجلي، وبعضنا يتعامل معها كروتين سنوي وقد برمج نفسه على آليات معينة لإنجازها، وبعضنا يأخذه الهم، والفرق بين كل هؤلاء ليست له علاقة بالأضحية؛ بل بقراراتنا الشخصية، الذي يصيبه الهم منها عادة يصيبه الهم من غيرها، ذلك أسلوبه في اتخاذ القرار، فهو قلق جدا، يريد أفضل صفقة وأفضل نتائج، ولهذا يذهب بعيدا في المقارنات وجمع المعلومات عن أنواع الأضاحي في هذه السوق وتلك الأخرى، ويسأل هذا وذاك، ثم إذا استقر به الحال على نوع ومكان شراء الأضحية، ذهب إلى التفكير في الأسعار والصفقات، وبينما يأخذ بعضنا أقل من نصف ساعة لاتخاذ قرار يأخذ هو ساعات، ثم إذا أنجز ذلك جاءه هم الذبح وتوزيع اللحم، يقارن بين المسالخ الرسمية والمؤقتة والذبح الشخصي أو الاستعانة بصديق، وتفكير بهذا الحجم مرهق ولا شك، وليست له علاقة بالنسك، ولا بالتقوى، ولا بأي شيء، إنما هو مسألة شخصية بحتة، قلق دائم مع كل قرار، يظهر جليا مع قرار الأضحية، وفي يوم العيد يذهب ليسأل الناس عن قراراتهم ومن أين اشتريت، وبكم وأين ذبحت وبكم، وليس في هذا فضول بقدر ما هو رغبة منه في تقييم قراره، فإذا واجهت مثل هذا الشخص فلا تتذمر كثيرا من أسئلته، فإنما هو شديد القلق من قولهم "جاب العيد"، فقل له كرما: كل عام وأنت بخير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي