صداقة الذات
هل سألت نفسك يوما من ذلك الشخص الذي تحدثه يوميا، وما حقيقة تلك الحوارات التي تدور في دماغك؟ هل أنت شخص واحد أم عدة أشخاص. هل جربت يوما أن تتعامل مع ذاتك على أنها شخص آخر منفصل عنك؟!
قد تتعجب من كلامي هذا، لكنه الواقع. أنت مجموعة إنسان والدليل تلك الحوارات اللامنتهية مع الذات، فتارة تشجعها وتارة تقلل من قدرها ولحظات تؤنبها وأخرى تحتويها، لتصنع من نفسك تلك النسخة التي يراها الناس ويتعاملون معها!
الشعور بالملل يلازمنا إما من كثرة الضغوط وزحمة العمل ومسؤولية الأبناء وإما من أوقات الفراغ الطويلة. تأتيك لحظات تشعر أن الحياة لا معنى لها مجرد أيام تمر يتعاقب فيها الليل والنهار دون أن تحظى بلحظات سعيدة، وكأنك تعيش حياة ليست لك وقد تتطور حالة الملل فيتعدى أثرها إلى محيطك القريب ومجتمعك!
يقول الطبيب النفسي فولفجانج ميركله، "مجتمعنا منقسم إلى قسمين، أشخاص ناجحون يعانون الإرهاق المزمن ويجذبون إليهم جميع الأنظار والاهتمام. وأشخاص آخرين لا يعيرهم أحد أي اهتمام يعانون الملل المزمن رغم أنه تظهر عليهم الأعراض نفسها تقريبا، ومنها الشعور باليأس والافتقار إلى الحافز والأرق وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة. وجسديا يعانون مشكلات المعدة أو الدوار أو طنين الأذن أو الصداع أو التعب.
والحل بسيط في يدك أنت، ويكمن في طريقة تعاملك مع ذاتك، كما تقول دراسة حديثة للباحثة مورين أوديه، إن الأشخاص الذين يشعرون بقدر أكبر من التعاطف تجاه أنفسهم يكونون أقل عرضة للشعور بالملل.
ولكن ما هو التعاطف مع الذات؟
هو أن تدرك أن المعاناة والفشل والعيوب هي جزء من التجربة الإنسانية المشتركة بين جميع البشر، وبالتالي كما يتأثر الفرد بمعاناة الآخرين ويتعامل معهم بلطف عندما يفشلون أو يرتكبون الأخطاء، سيتصرف بالطريقة نفسها مع نفسه عندما يمر بأوقات عصيبة مثل الفشل الدراسي والمرض أو الطلاق، بمعنى أن تكون متقبلا للخسائر والإحباطات والأخطاء وتتعامل مع نفسك كما تتعامل مع أصدقائك حين يعانون تجربة سيئة!
توصلت أوديه إلى أن التعاطف مع الذات يقلل من التأثير النفسي للتجارب السلبية والمؤلمة، إضافة إلى أنه يساعدنا على عيش حياة ذات معنى، من خلال تقوية تقديرنا لذاتنا وتعزيز مشاعر التواصل مع ذاتنا ومع الآخرين. ما عليك سوى تدريب نفسك يوميا على التعامل مع ذاتك بلطف وحنان ومواجهة مشكلاتك بدل من تجنبها، ملاحظة نوعية أفكارك والطريقة التي تتحدث بها مع نفسك.