دماغ الأمعاء

هل فكرت يوما في تلك العلاقة بين حالتك النفسية وأمعائك؟ هذا السؤال حير العلماء لقرون ولم يجدوا له جوابا شافيا إلا في الأعوام القريبة الماضية. حيرتهم جعلتهم يركزون على المعدة وعلاقتها بحالتك النفسية والذهنية فقط، لكن الأيام أثبتت العلاقة الوثيقة بين الأمعاء والدماغ، والأغرب أنها ليست علاقة في اتجاه واحد، بحيث يتحكم الدماغ في الأمعاء، بل وجدوا أنها علاقة ذات اتجاهين، فالأمعاء وما تحويه من ميكروبات تستخدم دماغها الخاص لترسل إشارات إلى الدماغ!
المدهش في اكتشافهم أن الأمعاء ليست أبدا عضوا تابعا وخاضعا لأوامر الدماغ يعمل وفقا لأهوائه، بل يمكنها اتخاذ قراراتها الخاصة بنفسها، فنحو 90 في المائة من الإشارات التي ينقلها العصب المبهم تسير من الأمعاء إلى الدماغ.
ويمكن أن تؤثر حالة الأمعاء وميكروباتها في مزاجنا ورغباتنا وسلوكنا. وتلعب كائناتها الدقيقة دورا أساسيا في الاتصال الذي يجري بين القناة الهضمية والدماغ. إنها الضلع الثالث في هذا التفاعل بين الدماغ والأمعاء!
فأجسامنا عبارة عن مجتمع مترابط ومتفاعل من الخلايا البشرية والكائنات الحية، ووجد أن جسم الإنسان البالغ متوسط الحجم يحتوي على أكثر من 100 تريليون ميكروب تمثل ما يقرب من ألف نوع من البكتريا، 90 في المائة من تلك الميكروبات تسكن في الخلايا والأغشية المخاطية للأمعاء!
تنتج هذه الميكروبات المعوية سيلا متنوعا من المواد الكيميائية المعروفة بتأثيرها في الحالة المزاجية والإدراك وكذلك التواصل بين الأمعاء والدماغ. أكثر من ثلاثة أرباع مادة السيروتونين - المنظم للمزاج - في الجسم تفرزه الأمعاء بمساعدة الميكروبات، ليس هذا فقط، بل ترسل تلك الميكروبات رسائل للدماغ فتتحكم في الأطعمة التي نرغب في تناولها حتى كمياتها. يشير آخر الأبحاث إلى أنه عندما تتكاثر بكتريا مفيدة معينة في الأمعاء، فإن الدماغ ينتج مزيدا من "هرمون السعادة" أوكسيتوسين. وبهذه الطريقة يمكن أن تؤثر مجموعة الميكروبات المعوية في عواطفنا وحساسيتنا للألم حتى سلوكنا الاجتماعي!
إنها أكثر بكثير من مجرد جزء في الجهاز الهضمي، فلها جهازها العصبي الخاص بها. وأطلق عليه مايكل غيرشون الأستاذ في جامعة كولومبيا اسم "الدماغ الثاني". أما العالم فوكودو، فالقناة الهضمية - من وجهة نظره - هي الدماغ الأول، حيث إن الأمعاء هي أول عضو يتطور في الكائنات متعددة الخلايا على وجه الأرض. ومن ثم تطور تدريجيا جهاز عصبي حول القناة الهضمية البدائية.
وتشير مجموعة من الدراسات إلى وجود خلل في التوازن الكيميائي في الأمعاء عند مجموعة واسعة من مرضى الحساسية والربو والتوحد ومرض باركنسون ومرض ألزهايمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي