ضرورة الطموح لوحدة أوروبا

ضرورة الطموح لوحدة أوروبا
شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي

لقد تصرف الاتحاد الأوروبي بشكل أسرع وأكثر حسما وبوحدة أكبر تجاه التدخل الروسي في أوكرانيا، مقارنة بأي أزمة سابقة أخرى، لقد قام الاتحاد الأوروبي مع حلفائه والدول الأعضاء فيه بتقديم دعم عسكري واقتصادي وإنساني مهم للحكومة الأوكرانية والضغط الشديد على الكرملين لوقف الحرب، لكن الصعوبات التي واجهت الاتحاد في فرض حظر مشترك على النفط ضد روسيا تكشف عن خلافات بين الحكومات، التي تعكس أيضا وجهات نظر مختلفة في كيفية التعامل مع نقطة التحول التي نشهدها منذ 24 فبراير.
ليس هذا وقت الشقاق، فحرب روسيا ضد أوكرانيا فتحت فصلا جديدا في أزمة أوروبا التي لا يبدو أنها ستنتهي، كما أنها تمثل قطيعة هيكلية مع الماضي، ما يعطل بشكل عميق البنية الأمنية للقارة ويقوض الافتراضات الأساسية في معظم مجالات صنع السياسة في الاتحاد الأوروبي. بحسب ما يرصده تقرير المختصين هيرمان فان رومبوي، الرئيس الفخري للمجلس الأوروبي، وبريجيد لافان أستاذ فخري في مركز روبرت شومان التابع لمعهد الجامعة الأوروبية.
يجب أن تتوافر لدى قادة الاتحاد الأوروبي الإرادة السياسية والقدرة على التحمل من أجل إعداد الاتحاد الأوروبي لحقبة جديدة، مع عدم وجود محرمات عندما يتعلق الأمر بتطبيق سياسات رئيسة مبتكرة وإنشاء هياكل حوكمة أكثر فاعلية، وللقيام بذلك ينبغي لهم الاستمرار في إظهار الوحدة والطموح ضمن مسار إصلاحي ملموس.
وعليه يجب أن يوافق المجلس الأوروبي في قمة الاتحاد الأوروبي التي ستعقد في الفترة من 23 إلى 24 يونيو على إنشاء "مجموعة حكماء" مكلفة بتحديد أولويات السياسة الأساسية وإصلاحات الحوكمة التي تعكس الضرورات الحالية ونتائج مؤتمر مستقبل أوروبا. تتطلب الإجراءات الجوهرية أكثر من مجرد خطابات وتصريحات حسنة النية. لقد استجاب البرلمان الأوروبي لمؤتمر مستقبل أوروبا بالدعوة إلى إبرام معاهدة أوروبية، حيث يتعين على حكومات الاتحاد الأوروبي أيضا الالتزام بإصلاحات محددة.
ستساعد مجموعة الحكماء - التي تضم شخصيات تتمتع بثقل سياسي وممثلين عن الأجيال الشابة - قادة الاتحاد الأوروبي على الاتفاق على مجموعة من السياسات العاجلة المبتكرة وتحديد طرق لتحسين هيكلة حوكمة الاتحاد، وصياغة خريطة طريق إصلاحية طموحة.
إن هناك عديدا من المجالات التي تتطلب الاهتمام، بادئ ذي بدء توجد لدينا مقاربة الاتحاد الأوروبي تجاه المناطق المجاورة له وتوسيع الاتحاد في ضوء الوضع الجديد بعد 24 فبراير، إضافة إلى دور الاتحاد في الاستثمارات الدفاعية ونطاق بند الدفاع المتبادل الخاص به، هناك أيضا حاجة إلى إعادة تحديد جذرية لاعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة وجهوده لمواجهة تغير المناخ، التي ترتبط بمرونة الاتحاد الاقتصادية والاستقلالية الاستراتيجية في المجالات الأساسية.
هناك أيضا حاجة إلى إصلاحات مؤسسية من أجل تعزيز حماية القيم والمبادئ الأساسية مثل حكم القانون وتحسين القدرات المتعلقة باتخاذ القرارات، وذلك من خلال الاستخدام الموسع لتصويت الأغلبية المؤهلة، وأخيرا يجب على المجموعة النظر في كيفية تعميق ديمقراطية الاتحاد الأوروبي من خلال الموازنة بين مزايا المؤسسات التمثيلية والحاجة إلى تعزيز مشاركة المواطنين في عمليات صنع السياسة في الاتحاد.
يجب على مجموعة الحكماء من أجل الربط بين عملها وآراء المواطنين المقدمة خلال مؤتمر مستقبل أوروبا أن تقدم وتناقش مقترحاتها مع السفراء الذين مثلوا أعضاء مجلس مستقبل أوروبا الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي خلال الجلسة العامة للمؤتمر. يجب على المجموعة أن تقدم تقريرها النهائي في النصف الثاني من 2022 إلى المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي اللذين يجب عليهما عندئذ الالتزام بعملية متابعة مفصلة.
يمكن تحقيق عديد من أهداف الإصلاح بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي الحالية، لكن قد تستنتج مجموعة الحكماء أن بعض الابتكارات ستتطلب أيضا تعديلات على المعاهدات لضمان أن الاتحاد الأوروبي سيكون قادرا هيكليا على الاستجابة بسرعة للتحديات الحالية والمستقبلية. في هذه الحالة، يجب على المجموعة تجميع قائمة بالتغييرات المحددة حيث يمكن أن يساعد تحديد مثل هذه التعديلات على ضمان أن الجهود المستقبلية لتكييف القانون الأساسي للاتحاد ستختلف عن تجربة المؤتمر الدستوري في 2002 - 2003، حيث ستلتزم هذه الجهود بتفويض أكثر وضوحا وإطار زمني محدد.
بالنسبة إلى أوروبا فإن التحرك فقط من أجل تعديل شكلي للوضع السابق لن يكون ساذجا فحسب، بل سيكون خطيرا كذلك. يجب أن نتجنب أن نجد أنفسنا في موقف يجعلنا نشعر بالأسف لأننا لم نتصرف في وقت مبكر وبشكل أكثر حسما، خاصة عندما تكون قضايا الحرب والسلام على المحك.
لقد أظهرت الأزمة في أوكرانيا أنه فقط من خلال العمل الجماعي يمكن أن يأمل الاتحاد الأوروبي أن يظل لاعبا فعالا. لكن هذا لا يعد بأي حال من الأحوال نتيجة مفروغا منها. يتعين على الاتحاد الأوروبي بدوله الـ27 الاستجابة للأوقات الحالية التي تشهد تحولات مهمة، من خلال تمهيد الطريق لمستقبل مشترك طموح. إن هذا يعني إظهار الاستعداد السياسي والتصميم اللازمين لإجراء إصلاحات جوهرية على سياسات وحوكمة الاتحاد الأوروبي.

الأكثر قراءة