رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


إمدادات تتقطع .. وحلول تتعقد

منذ تحول الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة "الجات" إلى المنظمة العالمية للتجارة في عام 1995، كان موضوع المفاوضات حول قطاع الزراعة هو القضية الأكثر حضورا وتعقيدا أيضا، وكان الهدف بعيد المدى هو التوصل إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن الزراعة AOA التي تتضمن تخفيضات تدريجية كبيرة في الدعم، وإجراءات الحماية الزراعية.
وعلى غرار عديد من المنظمات الدولية الأخرى التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، تعاني منظمة التجارة العالمية أيضا أزمة الفاعلية والشرعية، ولذلك تنتهي مفاوضاتها بالفشل في كثير من الأحيان، وقد فشلت اجتماعات منظمة التجارة العالمية في قطر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، بسبب رفض كل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي خفض الدعم الزراعي، ولم يشهد هذا الموضوع تقدما كبيرا بهذا الخصوص.
وكمثال فقد نصت المادة الثامنة من اتفاقية الزراعة على "أن يتعهد كل عضو بعدم تقديم إعانات التصدير بخلاف ما يتوافق مع هذه الاتفاقية، ومع الالتزامات المحددة في جدول هذا العضو"، وهذا النص يأتي لأن الدعم من وجهة نظر المنظمة العالمية يؤدي إلى الإخلال بشروط المنافسة التي يتأسس عليها النظام التجاري متعدد الأطراف.
وأثبتت الدراسات الاقتصادية أن تقليص الإعانات يعني زيادة تكلفة الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية والغذائية على وجه الخصوص في الأسواق العالمية، إضافة إلى النتائج السلبية على الإنتاج الحيواني نظرا إلى الارتفاع المتوقع لأسعار الأعلاف، فمعظم الدراسات تنتهي إلى أن قواعد التجارة العالمية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية، وحددت بعض الدراسات تلك الزيادة بين 1 و8 في المائة، كما أن هذه القواعد تؤدي إلى انخفاض كمية السلع المعروضة من منتجات زراعية وغذائية، وبالتالي ارتفاع أسعارها.
انخفاض التعريفات الجمركية على المنتجات الزراعية يخفض أسعارها المحلية، وخصوصا في دول المجموعة الأوروبية والولايات المتحدة، بما يؤدي إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية والغذائية ويرفع أسعارها العالمية، وهذا يلقي بظلال ثقيلة على الدول النامية ويقع على كاهلها.
وهنا تفتح منظمة التجارة العالمية اليوم ملفات أكثر سخونة من القضايا السابقة التي أدخلت معظم الدول في صراعات تجارية عنيفة لم تجد الحلول التي ترضي جميع الأطراف، وذلك بعد أن قررت السلطات الأوكرانية عقب اندلاع الحرب حظر تصدير القمح والشوفان وغيرهما من المواد الغذائية الأساسية التي تعد ضرورية لإمدادات الغذاء العالمية، وكذلك تصدير الدخن والحنطة السوداء والسكر والماشية الحية واللحوم وغيرها من المنتجات الثانوية، وبحسب بيان الحكومة الأوكرانية فإن حظر التصدير جاء لمنع حدوث أزمة إنسانية في أوكرانيا، وتحقيق الاستقرار في السوق وتلبية احتياجات السكان من المنتجات الغذائية المهمة.
في السياق نفسه، حظرت إندونيسيا في وقت سابق تصدير زيت النخيل، بعد أن تسببت الحرب "الروسية ــ الأوكرانية" في وقف إمدادات زيت دوار الشمس، حيث إن دول البحر الأسود حصتها 60 في المائة من إنتاج زيت دوار الشمس العالمي و76 في المائة من الصادرات، بينما تمثل إندونيسيا وماليزيا الجزء الأكبر من شحنات زيت النخيل العالمية، كما تعد الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة من موردي زيت الصويا الرئيسيين، فيما تعد الهند مستوردا لزيت الطعام وهي التي قررت وقف تصدير القمح "لإدارة الأمن الغذائي العام للبلاد".
ومن عمق هذه الحيثيات، وفي ظل هذه الأزمة العالمية الكبرى التي نتجت عن سياسات بعيدة المدى أدت إلى ضعف قدرات الدول النامية في الإنتاج الزراعي، بسبب التشديد في قواعد التجارة العالمية، الذي لم يعد يمكن الدول الأكثر فقرا من الوصول إلى كفايتها من الإمدادات الغذائية، ومع وقف التصدير الدولي بسبب الحرب وبسبب لغة إدارة الأمن الغذائي العام من جانب آخر، فقد أصبح العالم يواجه شبح مجاعة كبرى ما لم يتم إقرار اتفاقية بشأن التصدير ودعم الصادرات. وقد أشارت تقارير إلى أن الوضع حاد بشكل خاص في إفريقيا، التي استوردت في 2020 أكثر من 80 في المائة من غذائها و92 في المائة من الحبوب.
ولتجاوز المرحلة الحالية الدقيقة جدا فقد سعت المنظمة العالمية التي تضم 164 عضوا، إلى التوصل إلى اتفاقيتين في اجتماع كبير عقد أخيرا وستكون إحداهما إعلان إبقاء الأسواق مفتوحة، وعدم تقييد الصادرات، وزيادة الشفافية، أما الاتفاقية الأخرى فستكون قرارا ملزما بعدم تقييد الصادرات إلى برنامج الأغذية العالمي، الذي يسعى إلى مكافحة الجوع في الأماكن المتضررة من النزاعات والكوارث وتغير المناخ.
الهند كانت قد انتقدت الوضع القائم للاتفاقيات الأساسية للمنظمة، وطالبت بأن تسمح المنظمة للدول النامية بالاحتفاظ بمخزونات المواد الغذائية دون مواجهة عقوبات لخرق القواعد الخاصة بالدعم الزراعي، فيما كان أعضاء المنظمة قد وافقوا على منح هذه الحماية في 2013، لكن على أساس مؤقت. ومع هذه الظروف التاريخية والبالغة الحساسية فإن على المجتمع الدولي العمل بشكل حثيث نحو التعاون وإيجاد الحلول الناجعة لتلافي حدوث أزمة غذائية كبرى يتضرر منها عدد كبير من الدول، وإزالة جميع المعوقات التي تقف أمام الصادرات الغذائية، حتى لا تتعقد الأمور أكثر وبالتالي قد يصعب إيجاد الحلول مستقبلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي