رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مضاربات ومنصات بلا مرجعية

شهدت الفترة الماضية حماسا منقطع النظير للاستثمار في أسواق العملات المشفرة، رغم مشكلة تقلب أداء تلك العملات واعتمادها على المضاربات، وأداء المنصات التي تعمل على تنمية وتسهيل تلك المضاربات. ويلاحظ أن المضاربين يعدون مزيجا مختلطا بين مستثمرين مخضرمين، وممارسين جدد، وهناك مؤتمرات حول العالم لتحفيز الاستثمار في العملات المشفرة يشارك فيها عدد من كبار الشخصيات العالمية من بينهم رؤساء سابقون لدول كبرى كالولايات المتحدة، وبريطانيا، والجميع يتحدثون بحماس حول ذلك.
وقبل سبعة أشهر كانت سوق العملات المشفرة تساوي أكثر من ثلاثة تريليونات دولار في ذروتها وفقا لموقع كوينجيكو الذي يرصد أكثر من 13 ألف عملة مشفرة مختلفة، حيث حدث هذا سريعا، فقبل عقد من الزمان كان الحديث عن العملات المشفرة محل استنكار وتضجر وتخوف من عدم مصداقية التداول، وموثوقية الذين يديرونها، وكان تداولها يتم بين أجهزة شخصية، وبدأت بعملة واحدة وهي بيتكوين، وبسعر هش منخفض جدا.
كما تشير بعض التقارير إلى أن أول عملية تبادل بين العملات المشفرة والدولار تمت بشراء 5050 عملة بيتكوين مقابل 5.05 دولار، أي أن سعر عملة بيتكوين الواحدة بلغ 0.0010 دولار فقط، وخلال عقد من الزمان بلغ سعر وحدة واحدة من بيتكوين أكثر من 60 ألف دولار، وهناك 13 ألف عملة مشفرة أخرى أبرزها عملة إيثريوم التي وصلت إلى سعر 4800 دولار في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، فالحديث عن عدم الثقة بالعملات المشفرة يناقضه هذا النمو السريع والضخم، والتداولات الكبيرة بأسعار مبالغ فيها، مع ثقة واسعة بهذا النوع من المضاربات.
ومع ذلك بقيت هذه العملات تواجه مشكلة أساسية وهي عدم وجود عائد على شكل تدفقات نقدية، ما يجعل هذا النوع من الاستثمار معرضا للتقلبات الحادة تبعا لما يطرأ على نمو العوائد التي تنتجها الاستثمارات الأخرى ومن أهمها الدولار، ففي وقت كانت العوائد الخالية أو قليلة المخاطر أقل مما يمكن أن تنتجه المضاربات من عوائد رأسمالية كانت العملات المشفرة تحلق عاليا، وفي وقت كانت الفائدة صفرية، وكانت مخاطر المضاربات عند أقل مستوى كانت العملات المشفرة مفضلة.
وتبعا لذلك حقق عام 2021 نجاحا غير مسبوق لهذا القطاع الذي اجتذب عددا متزايدا من المستثمرين الماليين التقليديين الذين فتحت شهيتهم للمخاطر نظرا للسياسات المتساهلة للغاية من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، لكن عندما تغير اتجاه الريح، وأصبحت الفائدة تقفز بشكل ربعي، فإن هؤلاء المستثمرين الماليين التقليديين ليست لديهم الرغبة في الانتظار للارتفاع التالي للفائدة لأن ذلك يعني ضياع فرص أكبر للفوز بالعوائد عند أسعار أفضل، ومع عدم وضوح المسار بشأن التضخم واستمرار التكهنات بارتفاع أسعار الفائدة، أصبح من الصعب مقاومة الاستثمار الخالي من المخاطر، كما أن معدلات التضخم المرتفع بالفعل، وارتفاع أسعار المستهلك بشكل كبير، كل هذا عرض الأسواق المالية هذا العام لضغوط واضطراب مع رغبة المستثمرين في تجنب الأصول الخطرة، بينما تحفزت البنوك المركزية لاتخاذ إجراءات قوية لتشديد السياسة النقدية.
عدد من المحللين الاقتصاديين أشاروا إلى أن التدهور الكبير سيحصل على الأرجح في عالم العملات المشفرة، وهذا ما حدث فعلا حيث انخفضت قيمة سوق العملات المشفرة إلى أقل من تريليون دولار لأول مرة منذ كانون الثاني (يناير) 2021، ووصلت إلى 926 مليار دولار، وانخفضت بيتكوين إلى أدنى مستوياتها في 18 شهرا إلى ما دون 25 ألف دولار.
وكان أكبر مخاوف المستثمرين في العملات المشفرة، هو هذا الانخفاض القوي في أسعارها، لكن الأمور تتجه إلى ما هو أشد، حيث تشير معلومات إلى قرار منصة سلسيوس تعليق عمليات السحب والتحويلات بين الحسابات، ما يعكس حالة التدهور والتوقع بزيادة الأمر سوءا، حسب رأي محللين، فالتطورات السريعة في أسواق العملات المشفرة، والتطوير المتنامي في منتجاتها وأعدادها، هو ما يعرض هذه الأسواق للتقلبات الشديدة والتجارب المريرة، كما أن استمرار ربطها بالدولار يعرضها لمثل هذه الظروف. ولهذا تقترح منصة سلسيوس التي تبلغ قيمتها 12 مليار دولار، على مستخدميها خصوصا استخدام عملاتهم المشفرة التاريخية مثل بيتكوين، وإيثر، للاستثمار في عملات رقمية جديدة، ما يجعل العملات المشفرة معيارية ومرجعية سعرية لبعضها بعضا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي