تلاشي هوس شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة .. خسائر فادحة لحقت بالمستثمرين
عندما تم إدراج شركة غينكغو بايو ويركس في البورصة في أيلول (سبتمبر) الماضي، أثبتت المجموعة الأمريكية للتكنولوجيا الحيوية للمستثمرين أن من الصعب مقاومتها، كذلك أثبتت الشيء نفسه لبنوك وول ستريت التي ساعدت على تحقيق الإدراج.
عقب انتقالها إلى السوق العامة، بعد اندماجها مع شركة استحواذ ذات أغراض خاصة "سباك" أنشأها مسؤولون تنفيذيون سابقون في هوليوود، ارتفعت أسهم شركة غينكغو في الأسابيع القليلة الأولى من التداول.
بدا هذا الأداء كأنه شهادة لتبرئة جيش المستشارين الذين حصدوا، بحسب الإيداعات التنظيمية، نحو 135 مليون دولار على شكل أتعاب من إدراج شركة سباك واندماجها لاحقا مع غينكغو التي تتخذ من مدينة بوسطن مقرا لها.
لكن بعد تسعة أشهر أخذ إدراج شركة التكنولوجيا الحيوية يبدو بشكل متزايد كأنه من الهتافات الأخيرة في موجة ازدهار شهدتها شركات سباك، امتدت لـ18 شهرا من الهوس بإبرام الصفقات التي دفعت بمئات الشركات إلى الإدراج في سوق الأوراق المالية، وتسببت في ثراء بنوك وول ستريت، وفي بعض الحالات تركت المستثمرين يواجهون خسائر فادحة ـ في أواخر العام الماضي هوت أسهم غينكغو أكثر من 70 في المائة من أعلى مستوياتها.
أدى ارتفاع أسعار الفائدة وضعف سوق الأسهم إلى زيادة خيبة أمل المستثمرين من شركات سباك، فيما أدى احتمال تشديد قوانين لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى تعميق حالة الفتور في السوق.
قال أحد المحامين في شركة أنشأت فريق سباك خاصا بها للاستفادة من الطفرة، "المنتج انتهى. ليس هناك مزيد من عمليات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة".
يقترح المنظمون الأمريكيون إصلاحات من شأنها أن تحد من قدرة شركات سباك على تقديم توقعات أداء أفضل بكثير من تلك المسموح بها في الطرح العام الأولي التقليدي. وبموجب خطط لجنة الأوراق المالية والبورصات، التي تم طرحها للتعليق العام، من المحتمل أن تكون البنوك الضامنة للاكتتابات، التي تقدم المشورة بشأن الصفقات، مسؤولة عن البيانات المضللة المتعلقة بشركات سباك، المسماة أيضا شركات الشيكات على بياض.
وقد بدأت البنوك التراجع بالفعل. مثلا، بنك جولدمان ساكس الذي صنف العام الماضي واحدا من أكبر البنوك الضامنة في السوق ـ في المرتبة الثانية بعد سيتي جروب ـ توقف عن ضمان اكتتابات سباك الجديدة بشكل مؤقت ولم يعد يعمل مع كثير من البنوك التي ساعدت على عمليات الإدراج.
كذلك يتخذ كل من سيتي جروب وبانك أوف أمريكا نهجا أكثر حذرا ـ بدأ بانك أوف أمريكا "عملا انتقائيا" مع شركات سباك التي تربطه بها علاقة بالفعل، وفقا لشخص مطلع على مجريات الأمور.
تراجع البنوك التي تقدم كل شيء لشركات سباك، بدءا من المساعدة على جمع الأموال إلى وضع قائمة بالأهداف وتقديم المشورة بشأن عمليات الاندماج، يعد أحدث ضربة لسوق بدأ المستثمرون المتضررون في التخلي عنها منذ العام الماضي.
جمعت شركات سباك 12.7 مليار دولار هذا العام، وهو مبلغ بسيط مقارنة بـ166 مليار دولار جمعتها في 2021، وفقا لبيانات من مجموعة بورصة لندن. وقد تم استكمال نحو 50 صفقة، مقارنة بـ226 صفقة في 2021.
وبالنسبة إلى بعض ممن عملوا على الصفقات في ذروة الهوس التي شهدتها شركات سباك، كان الانهيار مسألة وقت فقط.
قال أحد المصرفيين الذين عملوا مع عديد من شركات الشيكات على بياض، "أعتقد أن هناك كثيرا من الأشخاص الذين ما كان ينبغي أن يجمعوا الأموال لشركات سباك". أضاف، "كنا نعلم أن هذه الحالة تشبه القنبلة الموقوتة، لكن الناس قالوا لنا اصمت وخذ أتعابك".
وقال شخص مطلع على إدراج شركة غينكغو إن الأتعاب التي تلقاها المستشارون هي في مستوى الأتعاب نفسها التي كانوا سيتلقونها في أي طرح عام أولي تقليدي.
شركات سباك التي تجمع السيولة من خلال الإدراج في سوق الأسهم قبل أن تسعى إلى الاندماج مع شركات خاصة، انطلقت خلال المراحل الأولى من الجائحة حيث غذت إجراءات التحفيز من مجلس الاحتياطي الفيدرالي شهية كل من المستثمرين الأفراد والمؤسسات للمخاطرة.
وعلى عجل، شكل عديد من بنوك وول ستريت فرقا للتعامل مع موجة الإدراجات التي في الأغلب ما كانت تشمل شركات عالية النمو تعطي وعودا كبيرة، لكنها لم تحقق سوى قليل من حيث الإيرادات أو الأرباح.
وفقا لبيانات من مجموعة بورصة لندن، أكبر خمس بنوك ضامنة لشركات سباك، بما في ذلك سيتي وجولدمان وكريدي سويس، حققت نحو 1.7 مليار دولار من هذه الصفقات في 2020 و2021. أما بالنسبة إلى البنوك التي عملت أيضا على عمليات الاندماج اللاحقة، فقد شهدت يوم دفع ثان، مع تحقيق أكبر البنوك الاستشارية أرباحا بلغت 270 مليون دولار في 2020 و765 مليون دولار في 2021، كما تظهر البيانات.
لكن لأن بعض البنوك بدأت تتبنى نهجا أكثر حذرا، فقد بدأ تركيزها يتحول الآن إلى ما يخبئه المستقبل لفئة الأصول التي كانت مرغوبة يوما ما.
قال بوب دياموند، الرئيس التنفيذي السابق لبنك باركليز، الذي أسس شركات سباك خاصة به، إن التراجع المفاجئ في النشاط كان "صحيا للغاية للسوق على المدى الطويل" لأنه يترك عددا أقل من شركات سباك التي تبحث عن شركات خاصة للاستحواذ عليها.
ويعتقد كثير من المشاركين في السوق أن حجم النشاط سيستقر عند المستويات التي شوهدت قبل الجائحة، عندما كانت شركات سباك وسيلة للشركات التي كانت ستواجه صعوبات عند طرح أسهمها للاكتتاب العام من خلال اكتتاب عام تقليدي.
من الناحية التاريخية، شركات سباك في الأغلب ما كانت تستقطب الشركات الصغيرة لأنها توفر الوصول إلى التمويل من خلال التحايل على عملية الاكتتاب العام، التي ينظر إليها على نطاق واسع على أنها أكثر تطلبا. وكانت أيضا نقطة جذب لتلك الشركات الصغيرة لدرجة أنه لا يمكن أن تكون مرئية بالنسبة إلى البنوك الكبيرة.
لكن على مدى الـ18 شهرا الماضية "كان هناك عدد كبير جدا من شركات سباك وقد تراكمت بالفعل على الجزء المضارب من السوق"، كما قال مصرفي كبير. أضاف، "ما ينتج عن ذلك هو سوق أصغر بكثير، لكنها صحية لشركات سباك".
وفي حين أن بنوكا، مثل جولدمان وبانك أوف أمريكا وسيتي، كبحت جماح أعمالها المربحة في شركات سباك - على الأقل حتى يكون هناك مزيد من الوضوح بشأن الالتزامات المحتملة في إطار الإصلاحات المخطط لها - إلا أن بنوكا أخرى لم ترتدع.
فقد طمأن كل من جيفريز وكريدي سويس عملاءهم من شركات سباك بأنهما سيواصلان العمل على إبرام صفقات جديدة، وفقا لمجموعة من الأشخاص المطلعين. وفي الشهر الماضي، اتصل بنك كانتور فيتزجيرالد بمستثمرين أنشأوا شركات سباك من أجل إعلامهم بأنه منفتح على الأعمال ويبحث عن صفقات، حسبما قال أحد المطلعين. لكن كانتور وكريدي سويس أمتنعا عن التعليق، بينما لم يرد بنك جيفريز على طلب للتعليق على ذلك.
لكن حتى لو عادت سوق شركات سباك على نحو أصغر وأقل انتهازية، يحذر مستشارون ومصرفيون من أن الصناعة ستواجه مزيدا من الاضطرابات في البداية.
في مؤشر إلى هذا التوتر، الصفقات التي تم الاتفاق عليها الآن بدأت الانهيار. في أواخر الشهر الماضي، تخلت مجلة "فوربس" عن خططها للإدراج عبر إحدى شركات سباك بعد عام تقريبا من إعلان الصفقة لأول مرة. في اليوم نفسه، أشارت مجموعة بيع التذاكر عبر الإنترنت، سيت غيك، إلى "ظروف السوق" حين ألغت مخططاتها للإدراج العام عبر شركة سباك أنشأها بيلي بين المدير التنفيذي في رياضة البيسبول الأمريكية، وجيري كاردينالي المخضرم في وول ستريت.
هناك أكثر من 600 شركة سباك مدرجة في البورصة، جمعت الأموال من المستثمرين لكن لم تجد بعد شركات خاصة للاندماج معها، وفقا لمجموعة بورصة لندن. وهذا يترك من يسمون رعاة شركات سباك، أو أولئك الذين يؤسسون شركات الشيكات على بياض، في مأزق محرج.
عادة ما يسهم الرعاة 2 ـ 3 في المائة من رأس مال شركات سباك، لكنهم بشكل متزايد يستندون إلى أطراف ثالثة للحصول على هذه الأموال. ويخسر كل من الرعاة والأطراف الثالثة تلك الأموال إذا فشلت شركة سباك في العثور على هدف في غضون عامين.
على النقيض من ذلك، المستثمرون الآخرون الذين يشترون الأسهم عند إدراج شركات سباك يحصلون عادة على أموالهم، إضافة إلى بعض الفائدة، إذا فشلت شركة الشيكات على بياض المستخدمة في إبرام صفقة خلال تلك الفترة.
قال أحد مستشاري شركات سباك الذي لا يزال يعمل على الصفقات، "سيكون صراعا شرسا بالنسبة إلى المؤسسين. سيتم التخلص من النسبة الأكبر من شركات سباك التي تبحث عن صفقات، لذا إذا جاءني شخص ما وقال إنني أريد إنشاء شركة سباك الآن، فسأقول له إنك فقدت عقلك".