التحيز في تنبؤات الدين العام ينذر بالخطر
المعاناة الإنسانية التي سببها التخلف عن سداد ديون سريلانكا أخيرا تمثل مأساة. السريلانكيون غير القادرين على الحصول على الأدوية المنقذة للحياة أو الغذاء أو الماء أو الوقود يظهرون البعد الإنساني للمشكلات المالية.
لكن المأساة لا تقتصر على بلد واحد. هناك خطر حقيقي يكمن في إمكانية انتشار أوسع بكثير للمأساة، بالنظر إلى أن (نحو 60 في المائة) من أفقر بلدان العالم مصنفة بالفعل على أنها تعاني ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير لحدوث ذلك. كما أن أعباء خدمة الديون في البلدان متوسطة الدخل مثيرة للقلق هي الأخرى – حتى قبل أن تأخذ في الحسبان الآثار غير المباشرة لأسعار الفائدة الأمريكية المرتفعة. رفع أسعار الفائدة يعني تشديد الظروف المالية العالمية، وبالتالي زيادة احتمالات التخلف عن السداد في اقتصادات الأسواق الناشئة ذات الميزانيات العمومية غير المحمية، وتأخر حالات التعافي الاقتصادي وسداد الدين العام قصير الأجل.
دعا المجتمع الدولي إلى قدر أكبر من الشفافية حول مدى الالتزامات المترتبة على المقترضين السياديين المثقلين بشكل مفرط بالديون، سعيا لتقييم واحتواء مخاطر التخلف عن السداد طويل الأمد وغير المنضبط. لكن على الرغم من أهمية زيادة شفافية الديون، هناك مشكلة منفصلة حظيت بقدر أقل من الاهتمام: الحاجة إلى توقعات دقيقة لتطور الدين العام بمرور الوقت.
لتحديد أسعار الفائدة، يحتاج الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى معرفة ليس مدى ارتفاع التضخم تماما اليوم فحسب، بل أيضا كيف يمكن أن تتطور. وعلى نحو مشابه، تحتاج الحكومات والمجتمع الدولي إلى الحصول على مقياس دقيق للدين العام وكذلك الحصول على تنبؤات غير متحيزة لمساره المستقبلي، إذا كان لديها القدرة على تخطيط السياسات وتطوير استراتيجيات مالية قوية تتماشى مع استدامة الديون. لسوء الحظ، فإن مصداقية تنبؤات الدين العام، ولا سيما للبلدان الناشئة والنامية، ضعيفة لدرجة الخطورة.
يأتي هذا الاكتشاف من دراسة حديثة حول دقة تنبؤات الدين العام نشرها القطاعان الرسمي والخاص. وقد ثبت أن مثل هذه التوقعات منحازة. أي أن الدين المتوقع على مدى خمسة أعوام كان أقل في المتوسط من الواقع النهائي. وكانت تنبؤات القطاعين الرسمي والخاص منحازة بالقدر نفسه، لكن التحيز بالنسبة إلى البلدان الناشئة والنامية لم يكن مرتبطا بالفشل في توقع فترات الركود، وهي مشكلة مزمنة في مجال التنبؤ. بعبارة أخرى، لقد كان هذا التحيز منهجيا.
التوقعات الجديرة بالاهتمام يجب أن تكون غير منحازة. في بعض الأحيان يكون الواقع أعلى من المتوقع، وأحيانا أخرى أقل. لكن التوقع غير المنحاز هو، في المتوسط، توقع ليس في هذا الجانب أو ذاك من الحقيقة.
ويكون التحيز أكثر حدة في الظروف التي تكون فيها الحاجة إلى الرصانة ملحة بشكل خاص. أي عندما تكون هناك زيادة في الدين العام ويكون التوقع هو انخفاض معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. من الناحية التاريخية، توقعات انخفاض الدين العام هي التوقعات المشكوك فيها بشكل خاص، مع تحيز يبلغ نحو 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
البوصلة الجيدة تعد ضرورية حتى تعرف وجهتك، لكن في مجال تنبؤات الدين العام نفتقر إلى هذا المعيار الموثوق.
لماذا تعد هذه مشكلة في يومنا الحاضر؟ مع انتشار مخاطر التخلف عن السداد السيادي، تصبح توقعات الدين العام المتفائلة بشكل منهجي للبلدان الناشئة والنامية قضية خطيرة. فقد تولد الرضا عن النفس ثم تتسبب في التخطيط غير المناسب، ولا سيما عندما يكون التحيز التاريخي كبيرا جدا ومزمنا. إذا كان متوسط التحيز في الأعوام الماضية واضحا في بيئة اليوم بالفعل، فإن عديدا من البلدان الناشئة أو النامية ستجد نفسها مع نسب من الديون، بدلا من أن تنخفض كما هو متوقع على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، فإنها ستستقر أو ترتفع إلى المستويات التي تشير بطبيعتها إلى حدوث أزمة.
لذلك الحاجة ملحة إلى إصلاح البوصلة والتخلي عن التحيز في تنبؤات الدين العام.
* أستاذ في جامعة جورج تاون، ونائب سابق لمدير الأبحاث في صندوق النقد الدولي.