شركات التأمين الناشئة أمام أزمة مصداقية
"انس كل شيء تعرفه عن التأمين"، كان هذا الشعار المندفع على لافتة تزين بورصة نيويورك عند إدراج شركة ليمونيد في تموز (يوليو) 2020. جسدت الرسالة الثقة التي دفعت شركة التأمين الأمريكية الناشئة ونظيراتها، من ضمنها "هيبو" و"رووت"، إلى سوق الأسهم بتقييمات أعلى بكثير من الشركات الأكثر رسوخا.
كان لدى الشركات التي تزعم أنها مبتكرة فكرة مخادعة للمستثمرين، تستطيع تكنولوجيتنا أن تتتبع المخاطر في الوقت الفعلي، وخفض عدد مطالبات التأمين عبر توقع حوادث مثل حالات التسريب، وتسريع معالجة المعاملات. النتيجة، حسب قولها، شركة يفوق أداؤها أداء المنافسين الأقدم.
لكن بعد عامين من طرحها في وول ستريت، تعد "ليمونيد"، إلى جانب "هيبو" و"رووت"، من بين أكبر ضحايا الهزيمة القاسية التي لحقت بأسهم التكنولوجيا، حيث تدفع أسعار الفائدة المرتفعة المستثمرين للتخلي عن الشركات ذات النمو المرتفع لمصلحة الشركات التي تولد أرباحا موثوقة.
قال أليكس تيم، الرئيس التنفيذي لـ"رووت"، شركة متخصصة في تأمين السيارات كان لديها دعم مبكر من شركة الاستثمار في التكنولوجيا تايجر جلوبال ذات الوزن الثقيل، إنه ضمن عمليات البيع الكثيف، تضرر قطاع التكنولوجيا المالية الأوسع "بشدة بشكل خاص، وأعتقد أن قطاع تكنولوجيا التأمين كان الأكثر تضررا".
هوت أسهم "ليمونيد"، التي توفر التأمين للمستأجرين وغيرها من التغطية الشخصية، 90 في المائة تقريبا منذ أن بلغت ذروتها العام الماضي وهي الآن أقل بالربع من سعر طرحها العام الأولي. شهدت "رووت"، التي تم إدراجها بعد فترة وجيزة من إدراج "ليمونيد، " انخفاض سهمها أكثر من 90 في المائة، في حين انخفض سهم شركة هيبو للتأمين على المنازل أكثر من 85 في المائة منذ إدراجها في أوائل 2021.
نظرا إلى أن الانتعاش التكنولوجي يهدد بأن ينهار أكثر، يجب على الشركات، المعروفة بشركات تكنولوجيا التأمين، الآن إقناع سوق أكثر تشككا بكثير بأن نماذج أعمالها تستحق التمسك بها.
قالت روث فوكس بلادر، شريكة في شركة أنثيمس للاستثمار في التكنولوجيا المالية في لندن، إن التقييمات المبكرة لشركات تكنولوجيا التأمين دفعتها "دورة الضجيج" التي لم تصمد أمام التدقيق.
في ذروتها، تم تقييم "ليمونيد" بنحو 100 ضعف المبيعات، وفقا لبيانات "بلومبيرج". على النقيض من ذلك، تم تداول شركات التأمين الأمريكية الراسخة والكبيرة مثل "ترافيلرز" و"تشب" بما يراوح بين ضعف وضعفي المبيعات.
قالت فوكس بلادر، "كثيرون كانوا يكنون نيات حسنة، ونمو وحجم السوق المتاحة كانا يبدوان مربحين في أعين الجميع لكن الأساسيات كانت بحاجة إلى استكشاف أعمق".
على الرغم من الأشهر الصعبة القليلة الماضية باعتبارها شركة عامة، يبدو أن دانيال شرايبر الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لـ"ليمونيد"، يظهر الرصانة نفسها الآن كما فعل في أول يوم تداول مليء بالحيوية، عندما أغلقت أسهم المجموعة على ارتفاع يبلغ 140 في المائة تقريبا.
في مقابلة مع "فاينانشال تايمز"، أشار إلى رسالة نشرتها "ليمونيد" قبل طرحها العام الأولي حيث أكد فيها مؤسسو الشركة قائلين، "إننا غير مهتمين بسعر سهمنا على أساس يومي أو أسبوعي أو شهري".
أصر شرايبر، "هذا شيء قلناه عند الارتفاع، وأنا أقوله عند الانخفاض". قال، "إنها واحدة من ديناميكيات مقولة من يضحك أخيرا"، مشيرا إلى الحاجة لاتخاذ نظرة طويلة الأجل.
في الفترة التي سبقت طرحها العام الأولي، أعلنت "ليمونيد"، التي تعد سوفت بانك داعما مبكرا، عن أنظمتها التي تعمل بالذكاء الاصطناعي التي سمحت بمعالجة مدفوعات المطالبات بسرعة فائقة.
لكن مع تنامي المخاوف من حدوث تراجع في الاقتصاد الأمريكي، فإن الضمان الأساس لشركات تكنولوجيا التأمين - السعر المستعدة لدفعه للتأمين على مخاطر العملاء - وليس خبرتها التكنولوجية، هو ما يركز عليه المحللون والمستثمرون.
ظلت نسب الخسارة، التي تقيس المطالبات المستحقة كنسبة من الأقساط المباعة، مرتفعة بحدة، ما أدى إلى تراجع الأرباح. وفقا لشركة كابيتال آي كيو، تكبدت "رووت" و"ليمونيد" و"هيبو" 1.1 مليار دولار من الخسائر الصافية بينها في 2021، وهو ارتفاع من 474 مليون دولار قبل عامين.
يحث تيم على الصبر، مشيرا إلى أن معدلات الخسارة ستكون أعلى مع وجود قاعدة عملاء جديدة تماما حيث تعمل شركات التأمين على تحديد السعر المناسب للتأمين ضد المخاطر - في حين أدى ارتفاع التضخم في أسعار المطالبات إلى زيادة صعوبة المهمة. تقول جميع شركات تكنولوجيا التأمين إن معدلات الخسارة ستتحسن مع تعمق فهمها للعملاء.
قالت "ليمونيد"، إن الانخراط في عمليات التأمين على الحيوانات الأليفة والمنازل "يظهر معدلات خسارة أعلى مما يظهره سجل التأمين على المستأجرين الأكثر استقرارا".
يجادل شرايبر بأن قرار المجموعة بالبيع مباشرة للمستهلكين بدلا من استخدام وكلاء يعني أن التكاليف كانت أعلى في البداية. قال إنه مع ذلك، التحسن المتوقع في نسبة الخسارة والعائد على هذا الاستثمار الأولي يعني "الإصلاحات الحسابية نفسها".
إنه تفاؤل يشاركه فيه جوليان تيك، الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا التأمين ويفوكس الألمانية الخاصة، الذي شبه التحدي الذي يواجه شركات التأمين المدرجة الناشئة "بوادي الموت".
قال إنه بعد الضجة الأولية تعاني الشركات لأن القيمة الناجمة عن التكنولوجيا الأفضل والتكاليف المنخفضة والتأمين الأكثر تطورا لا توضح إلا بمجرد امتلاك شركات التأمين سجل أعمال كبير.
كما أن شركات التأمين الأصغر التي تتركز في منطقة واحدة تعد أكثر عرضة للأحداث المنفردة. في العام الماضي، تضررت "ليمونيد" و"هيبو" بسبب انكشافهما على ولاية تكساس حيث أدت العاصفة الشتوية أوري إلى زيادة المدفوعات.
قال تيك: "يمكن أن تكون النتائج جيدة حقا، وتتأثر بالتكنولوجيا التي تم إنشاؤها، فقط إذا كان سجل الأعمال كبيرا حقا، وسيستغرق ذلك بعض الوقت". تدير "ويفوكس" منصة تربط بين مقدمي التأمين والوسطاء والعملاء.
بالنسبة إلى بعض، فإن الوقت ترف لا تملكه شركات تكنولوجيا التأمين المدرجة لأن الخسائر تقضي على المبالغ النقدية الكبيرة التي تم جمعها في طروحاتها العامة الأولية.
قال ريان تونس، المحلل في مؤسسة الأبحاث أوتونوموس: "ستحتاج جميعها إلى رأس مال خارجي في الـ24 شهرا المقبلة، ولا أعلم كيف ستحصل عليه".
وفقا لشركة كابيتال آي كيو، فقد بلغ صافي السيولة النقدية لـ"ليمونيد" 211 مليون دولار في نهاية آذار (مارس) بعد أن استهلكت 40 مليون دولار في الربع الأول. يتوقع شرايبر أن تبلغ خسائر المجموعة ذروتها هذا العام.
تمتلك "رووت" 644 مليون دولار من صافي السيولة النقدية، واستهلكت 51 مليون دولار بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس). تيم واثق من أن الشركة "تجاوزت ذروة الاستهلاك" ويشعر بأنها "في أفضل حال من دون جولات إضافية لجمع رأس المال التي يمكننا تنفيذها وفقا للأولويات الاستراتيجية التي حددناها لشركتنا".
في الوقت نفسه، كان لدى "هيبو" 320 مليون دولار من صافي السيولة النقدية واستهلكت 59 مليون دولار. قال ريك مكاثرون، الرئيس والمدير التنفيذي للمجموعة، إن أمامها "مشوار طويل للوصول إلى النضح لتنفيذ جميع الأمور التي بدأنا تنفيذها بالفعل".
بلغت "ليمونيد" و"هيبو" عن رقم لسيولتهما يجمع بين إجمالي النقد والاستثمارات. على أساس هذا المقياس، كان لدى "ليمونيد" مليار دولار و"هيبو" 772 مليون دولار في نهاية آذار (مارس). تقول "رووت" إنه كان لديها "رأس مال حر" قدره 736 مليون دولار عندما انتهى الربع السنوي.
حتى وهي ترسم مستقبلا أكثر إشراقا، لا يمكن لشركات تكنولوجيا التأمين أن تقف مكتوفة الأيدي. بدأت "رووت"، التي يستخدم ضمانها في الوقت الفعلي بيانات السيارة لتوفير صورة محدثة باستمرار لمخاطر العميل، مسارا أكثر تطرفا لتوسيع هوامش الضمان.
طردت خمس قوتها العاملة في كانون الثاني (يناير)، وتعمل على تقليص إنفاقها التسويقي ورفع أسعار بوالصها.
تنوع "هيبو"، التي يقع مقرها في وادي السيلكون، من وجودها سريعا خارج منطقتي كاليفورنيا وتكساس الأساسيتين لها مع تشديد إرشادات الضمان الخاصة بها. كما تركز "ليمونيد" على الولايات التي أثبتت أنها الأكثر ربحية.
مع اعتراف تيم بأنه عندما تكون الشركة عامة فإن ذلك "يولد كثيرا من الضجيج" لأن المستثمرون يتخذون مواقف متشائمة أو متفائلة بشأن مستقبل الشركة، فقد استقطبت شركات تكنولوجيا التأمين الثلاث مزيدا من الخبراء المخضرمين في الصناعة.
في العام الماضي، أقنعت "هيبو" غريس هانسون من "هيزكوكس"، شركة تأمين مدرجة في لندن، لتكون رئيسة قسم المطالبات فيها. وهذا الشهر، أعلنت أن مكاثرون، رئيسها منذ 2017، قد تم تعيينه أيضا مديرا تنفيذيا، ما يؤكد "خبرته الواسعة في التأمين".
عينت "ليمونيد" شون بيرجس من مجموعة يو إس أيه يوث للتأمين في سان أنطونيو ليكون رئيس قسم المطالبات لديها. في آذار (مارس)، عينت "رووت" روب بيتمان مديرا ماليا، الذي تشمل سيرته الذاتية فترات عمل في شركات تأمين معروفة مثل ذا هارتفورد.
هناك دلائل على التحسن. في نتائج الربع الأول في أيار (مايو)، أبلغت "هيبو" عن أفضل نسبة خسارة إجمالية لها منذ الإدراج، عند 76 في المائة، ما أدى إلى ارتفاع حاد في أسهمها. وتتوقع أن يكون هذا المقياس عند أقل من 100 في المائة للعام بأكمله.
يوصي المتشككون مثل تونس، من مؤسسة الأبحاث أوتونوموس، بأن تبدأ شركات تكنولوجيا التأمين المتعثرة بالبحث عن مشترين في أوساط كبار عملاقة الصناعة. يقول، "تريد أن تكون شركتك شركة تشترى".
لكن مكاثرون قال إن تحديات العام الماضي هي "مجرد مسألة نمو"، وعقد مقارنة مع أسطورة كرة السلة مايكل جوردان.
"عندما كان مايكل جوردان في الخامسة من عمره، كان واعدا، لكنه كان في الخامسة من عمره، كان عليه أن ينضج".