رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


حتى لا نخدع أنفسنا

تقال العبارة الساخرة "لا تخدع نفسك" عندما تشارك في صنع الظروف التي تجعلك تصدق ما لا يحدث، أو عندما تقوم بنفسك بإخفاء الحقيقة عن نفسك. وهذا أمر وارد الحدوث في سياقات كثيرة مختلفة، ومنها، المجال المهني. يخدع الشخص نفسه مهنيا عندما يعطي مهاراته أكبر من حجمها، أو يظن نفسه أنه أتقن وأتم وأحسن الأداء وهو فعليا بعيد عن ذلك. ويخدع نفسه مهنيا عندما تضعه الظروف في موضع متقدم ويغلب شعور الاستحقاق على شعور الوعي بالذات، ويخدع نفسه عندما تكون أنظمة التقييم والرقابة والمراجعة ضعيفة ولا تبين الأخطاء، فيظن أنه متفوق، ويخدع نفسه عندما يجامله أو يحفزه أحد ويقول له "أداؤك استثنائي" فجعل تعريف الاستثناء في مخيلته هو أداؤه الشخصي. وكما تحدث الخديعة بالزيادة والمبالغة فهي تحدث بالنقصان كذلك، إذ إن هناك من يضع نفسه أقل من واقعه بسبب عبارة قيلت له أو بسبب الخوف من المواجهة أو بسبب تقييم ضعيف خضع له.
نحن لا نحاول تفادي خديعة الذات مهنيا لأننا نريد أن نكون واضحين وصادقين مع أنفسنا فقط، لا، فخديعة الذات لها تبعات كبيرة. من ذلك، أنها تضع الشخص المخدوع في موضع خيالي يبني عليه خطوته المقبلة، ولكن عند التحرك يخونه تقديره ويتعثر. خديعة الذات تجعل الممارس منفصلا عن الواقع، والواقع لا يجامل. قد لا يكتشف شيئا في موقف أو اثنين، ولكن لا بد من حصول موقف يجعل الشخص يندم على كثير من اللحظات الفائتة. هناك من يقول كنت أعتقد أن هذه الطريقة هي أفضل الموجود، أو يتساءل ببراءة: "كنت دائما أعملها كذا ولم تحدث مشكلة؟" وغير ذلك. الواقع اليوم شرس، والخطأ الذي يقبل في مكان قد لا يقبل في غيره، والمخاطرة بالمستقبل المهني نتائجها أكبر من أن نتجاهلها.
من أمثلة خداع الذات مهنيا التي تحصل عند أصحاب الخبرات فقاعة الخبرة. وهذا يحدث عندما يعتقد الشخص أن خبرته بلغت حدا كافيا لاستيعاب كل المتغيرات الجديدة وأن الحصول على معرفة أو مهارة جديدة في مجال عمله أمر صعب. وهذه الفقاعة تعمل مثل الموت البطيء إذ يملك هؤلاء ما يغذي الخدعة من أعوام الخبرة ومهارات تفاديا للمواقف وإقناع الذات، ولكن في نهاية الأمر يقوم الموظف بتعطيل قدراته باختياره، فيصعب عليه الاستمرار في الارتقاء وظيفيا أو الانتقال إلى وظيفة أفضل أو حتى مكافئة لوظيفته الحالية. ومن الأمثلة الأخرى التي أراها في تزايد مستمر هو الخداع الذاتي الذي ينتج عن القفزات الوظيفية، إذ يظن بعضهم أن انتقاله من وظيفة لأخرى وارتقاءه في الدرجة أو المسمى هو إثبات لقدراته.
يعرف الجميع أن سوق العمل اليوم يكافئ المتفوقين مبكرا، ويضخم من إمكانات المهنيين بالتفاعل السريع والاستباقي. وهذه تحدث من بداية السلم، فتجد الموظف الخريج سرعان ما أصبح مشرف مبيعات أو كبير المحاسبين، ومثل هذه المسميات كانت في ظروف سابقة تتطلب نضجا معتبرا ومهارة مثبتة وإنجازا يؤيد الوصول إليها. ولذا يقوم هذا الشاب أو الفتاة بالتفكير في كيفية الانتقال إلى المرحلة التالية "أي كيف يصبح مديرا" وهو يعتقد ـ خادعا لنفسه ـ أنه يجيد ويسيطر على كل ما يتطلبه موضعه الحالي. وهكذا، تستطيع استكشاف الأمثلة على المسار الوظيفي كاملا، من الخريج إلى التنفيذي.
النتيجة؟ وعي مهني ذاتي متدن، عدم الإحاطة بنقاط الضعف الشخصية، الاهتمام بالتطوير في المواضع الخاطئة، الإضرار بالموارد والمصالح بسبب القرارات غير المناسبة، الاكتشاف والتصحيح المتأخر والمكلف جدا، الوقوع في حرج مع الآخرين في أوقات الأزمات والمواقف الصعبة التي تتطلب معالجة حذقة، وغير ذلك من التحديات. القدرة على التقييم المهني الذاتي ذات أهمية أكبر في الوقت الحالي من أي وقت مضى، في ظل السياقات السريعة والمغريات المتداخلة يبتعد الموظف عن الوعي الذاتي والبناء المتدرج السليم وينجرف نحو الغرور والجهل والضعف. وفي ظل ضعف الأنظمة المؤسسية في استكشاف هذا الأمر ـ هذا إن بقي الموظف في المكان نفسه وسمح له بذلك ـ لا بد من الحصول على المساعدة في التقييم والاكتشاف المتكرر والمستمر للقدرات والإمكانات ونقاط الضعف الشخصية. تطوير المهارة الشخصية في هذا الأمر وربما استخدام أدوات أخرى مثل الموجهين والمرشدين الثقات، أفضل ما يمكن فعله لتفادي الوقوع في مصيدة الخديعة الذاتية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي