رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


رفع الفائدة .. الحل والتطبيع

لا يزال النقاش محتدما في جميع أرجاء العالم حول تحديد أسعار الفائدة المناسبة، وإلى متى ستظل ترتفع؟ وإلى متى سيبقى التضخم مستعرا؟ ففي تقرير نشرته "الاقتصادية" للبحث عن إجابة عن هذه الأسئلة كان حديث المختصين يتركز في نقطة واحدة، وهي أن العالم سيرفع الفائدة حتى يتراجع التضخم، والمسألة قد لا يكون لها سقف، ولكن هناك أملا أن تستجيب معدلات التضخم، وتتوقف عن النمو قبل أن تبدأ في التراجع.
إن هذا البصيص من الأمل جاء في تصريحات وزير المالية الفرنسي حيث قال: "نحن اليوم في ذروة التضخم، وستستمر بضعة أسابيع أو حتى بضعة أشهر أخرى، ومع بداية 2023، سنبدأ في رؤية التضخم يتراجع". لقد بلغ التضخم في الاتحاد الأوروبي 8.1 في المائة، خلال عام واحد في أيار (مايو) وهذا لم يحدث منذ اعتماد عملة اليورو، والأعلى بأربع مرات من هدف البنك المركزي الأوروبي المحدد عند 2 في المائة.
وإذا كانت الصورة بهذا الشكل، فإنه من الطبيعي أن ترفع البنوك المركزية معدلات الفائدة خلال الأشهر المقبلة، طبقا لخبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي وأن "على البنوك المركزية أن تقوم بدور عندما يكون هناك عنصر تضخم ناجم عن الطلب، كما هو الحال الآن. وبقدر ما في هذه الكلمات من تفاؤل، بقدر ما تحمله من غموض، فالربط بين ما تقوم به البنوك المركزية حول العالم اليوم وبين أن يكون عنصر التضخم ناجما عن الطلب هو السؤال الصعب في تطبيع معدلات اليوم، كما وصفها خبير صندوق النقد الدولي.
إن هذا الغموض توضحه آليات صدور قرارات البنك المركزي الأوروبي بتشديد سياسات الإقراض التي جاءت بها أقلية من أعضاء هيئات صنع القرار في البنك المركزي الأوروبي المؤيدين لتشديد سياسة الاقتراض، حيث نجحوا في فرض وجهة نظرهم تلك كإجراء ضروري ضد التضخم المرتفع، والسبب في التردد الذي بدا واضحا في البنك المركزي الأوروبي وهو أن التوقيت صعب، ذلك أن جزءا من أسباب ارتفاع الأسعار يأتي بسبب الحرب، وهنا سياق من عدم اليقين حول المدى المناسب لرفع سعر الفائدة الذي قد يقود إلى تغذية الاتجاهات التضخمية إذا لم يكن كافيا، أو قد يؤدي إلى تعجيل الركود، من خلال التأثير في قدرة الاقتراض لدى الأسر والشركات، خاصة أن التباطؤ في النمو قد أصاب فرنسا وألمانيا بالفعل.
ومن هذا النقاش حول سعر الفائدة المناسب الذي اندلع في الولايات المتحدة منذ أشهر، وبدأت فعليا بتعديل سعر الفائدة بشكل دوري، تبعها بنك إنجلترا، وحتى بنك الاحتياطي "المركزي" الهندي الذي قرر رفع سعر الفائدة الرئيسة بمقدار 50 نقطة أساس إلى 4.90 في المائة، وهو ما يزيد على توقعات المحللين والأسواق، التي كانت عند 4.80 في المائة، ليرد بعدها البنك المركزي الهندي قائلا إنه اتخذ هذه الخطوة من أجل المحافظة على نمو اقتصاد بلاده خلال العام المالي الحالي.
ورغم هذه الزيادة في سعر الفائدة، فقد ذكر البنك المركزي الهندي أن مخاطر التضخم المرتفع ما زالت قائمة، وأنه يتوقع أن يكون معدل التضخم خلال العام المالي الحالي في حدود 6.7 في المائة متجاوزا كل التوقعات، وأن السبب في خروج التضخم عن التوقعات المرسومة له في الهند يعود إلى الحرب الروسية، وهو السبب أيضا في قرار البنك المركزي البولندي زيادة سعر الفائدة الرئيس إلى 6 في المائة، من 5.25 في المائة.
لا شك أن الغموض وعدم اليقين لا يزالان يحدقان بالاقتصاد العالمي منذ جائحة كورونا، التي أجبرت البنوك المركزية والحكومات على اتباع إجراءات مرنة للغاية من أجل توفير السيولة التي أصبحت اليوم أكبر تهديد يواجه الاقتصاد العالمي مع وصول التضخم إلى مستويات كبيرة تجاوزت 6 في المائة في أنحاء العالم، وإذا كان الإجراء الطبيعي هو رفع سعر الفائدة لكبح الطلب، فإن دخول الحرب في أوكرانيا على مسار الأحداث الاقتصادية من حيث تأثيرها في الإمدادات، قد جعل جزءا من التضخم رهينة لهذه الحرب التي لا يملك أحد في العالم إيقافها، والسؤال الذي يبدو مربكا قليلا هو القدرة على فهم الأثر الكامن للحرب على الأسعار، والأثر المتبقي للطلب المندفع بعد جائحة كورونا، فذلك الذي يحدد سعر الفائدة الأنسب، والإجابة عن هذا السؤال تعني الفرق بين كبح التضخم، واستدامة النمو وبين أن تسبب أسعار الفائدة الأعلى من الواجب أو تسارعها في التباطؤ.
ولأن الوقت لا يتسع للوقوف والإجابة، فإن العالم يسير نحو رفع أسعار الفائدة، طالما بقي التضخم مستعرا أيضا، فالركود أرحم من التضخم، وحتى تتضح الصورة تماما، فإن من العدل ألا يتعرض الأشخاص الأكثر ضعفا لتهديدات بسبب ارتفاع الأسعار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي