التمويه الأخضر .. المديرون بحاجة إلى وزن كلماتهم بعناية أكبر
يتحمل الرؤساء التنفيذيون كثيرا من المسؤوليات، لكن من أهمها إقناع المستثمرين وغيرهم بأن شركاتهم تؤدي أداء جيدا من الناحية المالية وتفعل الخير للعالم. إذا ظهرت شروخ فيما يقصونه، فستتبع ذلك مشكلة.
غالبا ما يقاس فعل الخير من خلال المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، ويبدو أن مجموعة إدارة الأصول الألمانية "دي دبليو إس" كانت قدوة حتى وقت قريب. أعلن أسوكا ورمان، الرئيس التنفيذي، في التقرير السنوي للشركة عن 2020، "لقد وضعنا المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في صميم كل ما نفعله".
الآن شركة إدارة الأصول متهمة بـ"التمويه الأخضر" من خلال المبالغة في أوراق اعتماد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الخاصة بصناديقها الاستثمارية، وقد داهمت الشرطة الألمانية مكاتبها في فرانكفورت أخيرا للاشتباه في ممارستها التضليل في نشرتها الإعلامية. ثم استقال فورمان.
نفى فورمان ارتكاب أي مخالفات، وأعلن في وقت سابق من هذا العام أن اندفاع "دي دبليو إس" إلى الاستثمار المستدام كان "قصة نجاح حقيقية". لكن المداهمة ستقلق عددا ليس بقليل من الرؤساء التنفيذيين الذين يصرحون باستمرار بمدى جدية تعاملهم مع تغير المناخ وكيف تقود شركاتهم الطريق نحو المسؤولية الاجتماعية. سيحتاج بعضهم إلى وزن كلماتهم بعناية أكبر.
السكوت ليس خيارا. في السابق كان السرد مسألة ثانوية بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين، الذين ركزوا بشكل أساس على الأمور التشغيلية بعيدا عن الأنظار العامة. لكن مع اشتداد تدقيق المستثمرين ووسائل الإعلام، واضطرار الشركات إلى التواصل باستمرار مع المساهمين والعملاء والموظفين، أصبح الرئيس التنفيذي هو الراوي الرئيس.
آن مولكاهي، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة زيروكس، قالت ذات مرة إن القصة الموحدة التي تصدر عن الشركة "توجد زخما قويا - يشعر الناس أنها قادرة على فعل أشياء جيدة"، وهي تهم أكثر من "دقة الاستراتيجية أو حسنها". يتفوق السرد المثير على أي عرض تقديمي من برنامج باوربوينت، حتى في الشركات التي يعكس فيها العرض التقديمي الواقع فعليا.
انتصرت قصة المسعى الأخلاقي لفترة من الوقت في "وي ويرك"، شركة مشاركة المكاتب التي كان يديرها سابقا آدم نيومان، التي تم تصويرها في دراما "وي كراشد" على خدمة "أبل تي في".
يستمتع كثير من الرؤساء بالتباهي، مثلما فعل ماركوس براون، الرئيس التنفيذي السابق لمجموعة المدفوعات الألمانية "وايركارد" قبل انهيارها في 2020 "تم اتهام براون بالاحتيال في وقت سابق هذا العام". وجدت إحدى الدراسات أن نشر البيانات المالية يلبي "حاجة ملحة لإعادة تأكيد التفوق باستمرار" بين الرؤساء التنفيذيين النرجسيين للغاية.
في الواقع، كلما زاد الإفراط في الكلام، زاد احتمال حدوث خطأ ما. وجدت دراسة أخرى أن الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تلاعبت في حساباتها كانوا ميالين إلى استخدام كلمات تنقل مشاعر إيجابية شديدة، مثل "مدهش" و"ساحق" و"رائع" و"هائل" في الاجتماعات الهاتفية مع المستثمرين.
صعود المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث يقدر أن 2.7 تريليون دولار قد تم استثمارها في أصول الاستثمار المستدام، هو إغواء رهيب للمديرين التنفيذيين الذين يعظمون ذاتهم. تحقيق الأهداف المالية باستمرار أمر شاق، لكن الوعد بتحسين العالم يبدو بطوليا.
الأمر يسير بشكل جيد مع المستثمرين ويجذب الموظفين الذين يريدون تصديق أنهم يعملون من أجل غاية أخلاقية. عندما تخبر أي شخص بأنه يعمل لأجل هدف سام، فإن ذلك يثلج صدره.
عامل جذب آخر هو أن "التمويه الأخضر" يصعب تحديده. يمكن التلاعب بالمقاييس المالية، وفي الأغلب ما تتبنى الشركات مقاييسها الخاصة - لكن يمكن تتبع أموال الشركة في النهاية "أو لا يمكن تتبعها، مثل فقدان "وايركارد" لمبلغ 1.9 مليار يورو".
قياس الاستثمار المستدام أصعب بكثير، على الرغم من أن كثيرا من مزودي التصنيف يحاولون الآن فعل ذلك، إلا أن الأساليب تختلف. في العام الماضي قال جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، يوجد "نطاق كبير لما قد يقصده مديرو الأصول بمصطلحات معينة، أو المعايير التي يستخدمونها".
ازدهرت "دي دبليو سي" وسط حالة من الغموض، ووعدت بأن تكون "طموحة ومبتكرة وغير مقيدة في تفكيرنا المستقبلي". ثم اتهمتها ديزيريه فيكسلر، المسؤولة السابقة عن الاستدامة في المجموعة، بتحريف قدراتها في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. كتب مسؤول تنفيذي آخر في رسالة بريد إلكتروني داخلية، "نحن ندير المخاطر، ونديرها بشكل سيئ".
لم تتهم الشركة بعد بأي جريمة، لكن هناك درسا واحدا واضحا، "التمويه الأخضر" ليس شكلا من التباهي خاليا من المخاطر. فرضت هيئة الأوراق المالية والبورصات هذا الشهر غرامة قدرها 1.5 مليون دولار على ذراع الاستشارة الاستثمارية لـ"بي إن واي ميلون" لحذفها معلومات عن صندوق الاستثمار المستدام، وقواعد جديدة مقترحة.
لذلك أيضا مخاطر أوسع. معظم عمليات الاحتيال تقلق فقط الذين تأثروا بشكل مباشر، لكن الادعاءات الكاذبة أمر أخلاقي يزعج الجميع. دفعت "فولكسفاجن" 32 مليار يورو غرامات، ورسوم قانونية، وتعويضات للعملاء بعد أن تبين في 2015 أنها كانت تخفي انبعاثات الديزل.
جعل العالم أفضل أمر مثير للإعجاب، لكن الكذب بشأنه أمر بغيض.