ضعف السيولة يغذي الاضطرابات في وول ستريت
تدهورت قدرة المتداولين على شراء وبيع الأسهم، والسندات والمنتجات المالية الأخرى في وول ستريت بشكل حاد هذا العام، ما زاد من التقلبات الكبيرة في أكبر وأعمق أسواق رأس المال في العالم.
السيولة في أسواق الولايات المتحدة الآن عند أسوأ مستوياتها منذ الأيام الأولى من الجائحة في 2020، وفقا للمستثمرين والبنوك الأمريكية الكبرى، التي تقول إن مديري الأموال يكافحون لتنفيذ التداولات دون التأثير في الأسعار.
وبحسب مايكل إدواردز، نائب رئيس الاستثمار في صندوق التحوط "ويس-مولتي استراتيجي أدفايزرز"، يمكن للصفقات الصغيرة نسبيا، التي بقيمة 50 مليون دولار فقط، أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو تحفز ارتفاع الصناديق المتداولة في البورصة والعقود الآجلة للمؤشرات التي عادة ما يتم تداولها دون التسبب في ضرر كبير. أضاف، "السيولة سيئة".
اصطدمت الظروف المشحونة بتحول كبير في الاقتصاد العالمي فاجأ كثيرا من مديري المحافظ تمثل في تباطؤ النمو، وارتفاع أسعار الفائدة، وتضخم حاد. ونظرا إلى عدم تأهبهم لتحول المواقف، أعاد المتداولون ترتيب محافظهم بشكل مفاجئ.
ويؤثر نقص السيولة أيضا في الأسواق الحيوية التي تستخدمها الشركات لتمويل نفسها وتستفيد منها الحكومات لتمويل الإنفاق العام. أظهر محضر اجتماع السياسة الأخير للبنك المركزي الأمريكي، الذي نشر الشهر الماضي، أن المسؤولين كانوا يشعرون بالقلق من المشكلات التي تنشأ في سوق سندات الخزانة والسلع بسبب ضعف السيولة.
كما تغير المشهد التجاري بشكل كبير بعد أن سعى صناع السياسة في واشنطن وبروكسل إلى حماية مين ستريت من وول ستريت في أعقاب الأزمة المالية في 2008. فعبر سلسلة من اللوائح التنظيمية التي تم إدخالها على مدى الـ12 عاما الماضية، يطلب من البنوك الآن الاحتفاظ بحواجز وقاية مالية أكبر لحماية ميزانياتها العمومية من التقلبات الكبيرة.
هذا يعني أن البنوك تمتلك الآن عددا أقل بكثير من الأصول، مثل الأسهم والسندات، ما يجعلها أقل سرعة في الاستجابة لطلبات المستثمرين للشراء أو البيع، وإعاقة الروابط بين المشترين والبائعين.
في أسواق الديون، حيازات سندات الشركات لدى المتداولين الأساسيين الذين يضمنون ديون الحكومة الأمريكية انخفضت تدريجيا على مدار العقد الماضي، وفقا لبيانات من الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
تراجعت البنوك، ولا سيما، عن حيازة ديون أكثر عرضة لارتفاع أسعار الفائدة، وخفضت مراكزها الصافية في السندات عالية الجودة التي يحل أجلها بعد عشرة أعوام أو أكثر، إلى المنطقة السالبة. في الوقت نفسه، صحة سوق السندات الحكومية الأمريكية - معيار قياسي لتريليونات الدولارات في الأصول على مستوى العالم - في أسوأ حالاتها منذ انهيار السوق في آذار (مارس) 2020، وفقا لمؤشر بلومبيرج.
جوردان سنكلير، مدير للأبحاث في صندوق التحوط "كابستون"، وصف نقص السيولة بأنه، "أمر محبط. لقد كانت الأزمة المالية العالمية فشلا للصناعة المصرفية. لقد خاطروا كثيرا وأعطوا قدرا كبيرا من الديون وكان من المنطقي للجهات التنظيمية التأكد من عدم حدوث ذلك مرة أخرى. لكن هناك عواقب لذلك".
تجلت هذه العواقب في التداول المتقلب. قدر سنكلير أن مؤشر فيكس، مقياس التقلبات في سوق الأسهم الأمريكية، قفز أكثر من خمس نقاط في يوم تداول واحد تسع مرات في 15 عاما قبل الأزمة المالية. أما في الأعوام الـ15 عاما بعد الأزمة، فقد حدث ذلك 68 مرة.
لكن خلال تلك الفترة كانت خسائر التداول التي تكبدتها البنوك الأمريكية الكبرى قابلة للإدارة ولم تهدد النظام المالي ككل. وهذه حقيقة لم يغفلها المتداولون والمستثمرون، ولا سيما بعد احتواء تداعيات انهيار شركة أركيجوز التي كانت تعمل في إدارة استثمارات وثروات العائلات الغنية العام الماضي.
شركات التداول عالية التردد، مثل شركة سيتادل سيكوريتيز وشركة جمب تريدنغ، سدت جزءا من الفجوة التي تركتها بنوك وول ستريت الكبرى، لكن المستثمرين قالوا إن الخوارزميات التي تساعد على تنفيذ التداولات عبر هذه الأنواع من المشغلين كانت عادة تعني أن قدرة التداول انخفضت تلقائيا عندما بدأت الأسهم التقلب بعنف.
في أيار (مايو) رأى المستثمرون الذين يأملون في تداول العقود الآجلة الإلكترونية الصغيرة على مؤشر إس آند بي 500 - واحد من أهم العقود التي يستخدمها مديرو الأموال الكبيرة للمراهنة على اتجاه السوق - عروضا صغيرة للشراء والبيع عند النظر إلى شاشاتهم للتداول. وبحسب بنك جولدمان ساكس، في بعض الأيام يمكن شراء أو بيع عقود تقل قيمتها عن مليوني دولار بالسعر المعروض في السوق، وهذا أدنى مستوى منذ آذار (مارس) 2020.
تؤكد بيانات منفصلة من بنك جيه بي مورجان تشيس هشاشة النظام. قاس البنك مقدار عدم توازن الطلبات - الفرق بين طلبات الشراء والبيع في العقود الآجلة الإلكترونية المصغرة في مؤشر إس آند بي 500 - الذي تطلبه تحريك العقود الآجلة 1 في المائة في فترة خمس دقائق.
تطلب الأمر طلبا بقيمة 900 مليون دولار تقريبا لنقل العقود الآجلة بهذا القدر في أيار (مايو)، أي نحو 67 في المائة أصغر من حجم عدم توازن التداول الذي كان سيكون مطلوبا في الفترة من 2017 إلى 2019. ووجد الاستراتيجيون في البنك أن ظاهرة مشابهة حدثت في العقود الآجلة التي تتبع السندات الحكومية الأمريكية، محذرين من أن "السيولة بدأت أخيرا الانخفاض مرة أخرى، وأن عمق السوق على مدى الأشهر الثلاثة الماضية في أدنى مستوى له الآن منذ آذار (مارس) 2020".
يقول المستثمرون إن السيولة الضعيفة ضاعفت من التقلبات في سوق الأسهم. وفي جلسات التداول المتتالية الشهر الماضي، عانت كل من شركتي وولمارت وتارجت أكبر انخفاض منذ 1987 بعد أن حذرت كل منهما من اشتداد ضغوط التكلفة. وقضت الانخفاضات على 71 مليار دولار من التقييم السوقي للشركتين.
كما تم تسجيل تحركات يومية ضخمة في أسهم شركة ميتا، مالكة منصة فيسبوك، وشركتي أمازون ونتفليكس، بينما تظهر المقاييس ازدياد تقلبات الشركات الكبرى مثل أبل ومايكروسوفت وفيزا وكوكا كولا.