رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الحج .. الخدمات بأدوات ذكية

وصفت الآية الكريمة، التي جاء فيها أمر الله بفرض مناسك الحج على الناس، رحلة الحج، ووصول قاصدي بيت الله الحرام من كل أصقاع الأرض، حيث قال الله تعالى: "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". ومنذ قرون طويلة كتب عديد من المؤرخين عن رحلة الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، وزيارة المسجد النبوي، وروى ملايين البشر الذين زاروا هذه الأرض المباركة قصصا كثيرة عن تلك الرحلة العظيمة، ورصد عديد من هذه القصص. والحقيقة الثابتة في كل هذه الكتب أن التحولات في هذا الطريق إلى مكة بدأت منذ تولي الملك عبدالعزيز مقاليد الحكم، وتركزت الجهود في تلك المراحل على رحلة الحاج من لحظة وصوله حتى مغادرته عائدا إلى وطنه. كما شملت هذه الجهود إنشاء مشاريع عملاقة شملت الطرق والمطارات والقطارات حتى أصبحت الرحلة بين مكة والمدينة وجدة ساعات بعدما كانت أياما.
وتسعى القيادة السعودية في كل موسم إلى توفير أرقى الخدمات والأمن والضيافة والاستقرار لحجاج بيت الله الحرام ليستطيعوا أداء فريضة الحج في جو مليء بالأمن والطمأنينة والراحة. وفي كل موسم تستعد السعودية لهذه المناسبة ليؤدي جميع الحجاج شعيرتهم دون أي معوقات، فيما سعت الحكومة إلى تطوير وتوسعة الحرمين الشريفين، مع وضع عديد من الرؤى لاستيعاب أكبر عدد من الحجاج.
وكان مجلس الوزراء قد أصدر أخيرا قرارا بالموافقة على نظام مقدمي خدمات حجاج الخارج، وسيتم تحويل مؤسسات أرباب الطوائف وفق ذلك إلى شركات مساهمة مقفلة عبر إعادة هيكلة المؤسسات، وإنشاء مكتب التحول المؤسسي، وتطوير نظام الحوكمة، وإنشاء إدارة للشؤون المالية، ومكتب كفاءة الإنفاق، وإدارة المراجعة الداخلية.
قطاع الحج والعمرة يمثل محورا رئيسا في رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وسط توقعات بزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين خلال الأعوام المقبلة، مع اكتمال المشاريع التطويرية. واليوم تشهد رحلة الحج والطريق إلى مكة المكرمة تحولا تاريخيا جديدا مع انطلاق برنامج خدمة ضيوف الرحمن أحد برامج الرؤية لتكون تجربة الحج والعمرة والزيارة تجربة مميزة. رحلة إيمانية متكاملة، مع إثراء الرحلة الدينية بالتجربة الثقافية، ولتعكس الصورة المشرقة والحضارية في خدمة الحرمين الشريفين.
ولأن المراحل السابقة كانت تعمل على تطوير وتحسين تجربة الحج منذ لحظة وصول الحجاج إلى أرض السعودية، فقد جاءت المرحلة الجديدة من هذا التطوير في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، برعاية الحاج منذ خروجه من منزله حتى عودته إليه في مبادرة "طريق مكة"، وهي قفزة جبارة تتطلب جهودا ضخمة وتنسيقا موسعا بين عدد من المؤسسات الداخلية والخارجية. وتعد مبادرة "طريق مكة" من أهم مبادرات برنامج خدمة ضيوف الرحمن، حيث تم تطبيق المبادرة تجريبيا عام 1438هـ من قبل المديرية العامة للجوازات، مع مركز المعلومات الوطني لحجاج ماليزيا بعدد 1660 حاجا، ثم جاء إطلاق المبادرة رسميا عام 1439هـ من قبل وزارة الداخلية وتنفيذ وزارات الخارجية والصحة والحج والجمارك والجوازات والطيران المدني لحجاج ماليزيا وإندونيسيا.
وفي عام 1440هـ تم التطبيق في ثلاث دول أخرى وهي باكستان، تونس، بنجلادش، إضافة إلى ماليزيا، وإندونيسيا، وزاد عدد الحجاج المستفيدين من مبادرة "طريق مكة" من 103 آلاف حاج في موسم حج 1439هـ إلى أكثر من 225 ألف حاج في موسم حج 1440هـ، وكانت مراحل المبادرة تشمل إصدار التأشيرات وإنهاء إجراءات الجوازات والجمارك، كل ذلك وهم في بلادهم وقرب منازلهم، مع ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في السعودية، ما يمكن الحجاج المستفيدين من تجاوز تلك الإجراءات عند وصولهم، ويتيح لهم فرصة الانتقال مباشرة إلى الحافلات التي تكون بانتظارهم، لنقلهم إلى أماكن إقامتهم في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، فيما تتولى الجهات الخدمية تسلم أمتعة الحجاج المستفيدين من المبادرة، ونقلها إليهم في الدور السكنية. لقد كانت تجربة الحج فريدة جدا لكل الحجاج الذين تمت خدمتهم، فلم يعد الحاج قلقا من رحلته، ولا من قضايا التأشيرات أو زحمة الجوازات، أو نقل الأمتعة، كل ذلك انتهى تماما مع مبادرة "طريق مكة".
وخلال بدء جائحة كورونا لم يكن أحد يتوقع أن تنتشر في العالم أجمع، وعندها كانت السعودية أمام تحد، وعليها اتخاذ قرار تاريخي، إما إيقاف حج 1441هـ، أو تنفيذ الحج مع اشتراطات خاصة، وقررت المملكة حينها تنفيذ حج 1441هـ مستعينة بالله أولا، ثم بالاحترازات التي تم اتخاذها، ومن بينها تقليص عدد الحجاج.
هذه المبادرة تأتي في إطار المبادرات والمشاريع التطويرية، والإصلاحات التنظيمية التي تتسق مع مستهدفات رؤية 2030، التي تسهل الطريق إلى الحج بأدوات مبتكرة، وبرامج رقمية ذكية، وكوادر بشرية مؤهلة، لتعكس قدرات السعودية التنظيمية وحرصها الكبير على خدمة حجاج بيت الله الحرام، وأداء رسالتها العظيمة على أكمل وجه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي