أزمة الغذاء .. ارتفاع التكاليف هاجس المزارعين في أمريكا الشمالية

أزمة الغذاء .. ارتفاع التكاليف هاجس المزارعين في أمريكا الشمالية
مزارع يحصد محصول القمح في مزرعة في ولاية إلينوي الأمريكية. "رويترز"

بريان بيركنز، الذي ظلت عائلته تزرع رقعة من البراري الكندية منذ أكثر من قرن، لم يشهد ارتفاعا في التكاليف مثلما حدث في الأشهر الأخيرة.
كانت التكلفة اليومية لإدارة عملياته تتصاعد سريعا بالفعل مع بداية 2022 وسط تضخم مستشر واختناقات في سلسلة التوريد، الأسمدة والديزل والكهرباء والشحن جميعها ترتفع إلى الأعلى.
قال مزارع الحبوب وهو جالس على طاولة مطبخه خارج بلدة وينرايت في مقاطعة ألبرتا الغربية، "أدت روسيا وأوكرانيا إلى تفاقم المشكلة برمتها".
تعكس تجربة بيركنز صدى تجربة كثير من المزارعين في مناطق الزراعة في أمريكا الشمالية، حتى مع ارتفاع أسعار الحبوب إلى أعلى المستويات خلال عقد من الزمان. تهدد الحرب الروسية الأوكرانية بنقص الغذاء في الدول التي تعتمد على الاستيراد، وتزيد أيضا من التكاليف التي يتحملها المزارعون في أكبر الدول المصدرة للمنتجات الزراعية.
التحدي الأساس للمزارعين الأمريكيين والكنديين هو سعر الأسمدة. أدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى ارتفاع تكلفة الأسمدة القائمة على النيتروجين مثل الأمونيا، التي قفزت من نحو 700 دولار للطن في آب (أغسطس) 2021 إلى أكثر من 1600 دولار في أيار (مايو) 2022. وصل سعر البوتاس الغني بالبوتاسيوم إلى مستويات قياسية تجاوزت 1100 دولار للطن، حيث حدت العقوبات من الإمدادات من روسيا وبيلاروسيا، اللتين تشكلان معا نحو 40 في المائة من الإمدادات العالمية.
قال توم سكوت، نائب الرئيس لاستشارات الأعمال الزراعية في ستاندرد آند بورز جلوبال كومودتي إنسايتس، "نحن في منطقة مجهولة فيما يتعلق بتكاليف الأسمدة. على مستوى المزارع، وصلنا حقا إلى مستويات قياسية. من الآن فصاعدا، سيكون هذا تحديا، خاصة إذا انخفضت أسعار المحاصيل".
قدرت دراسة أجراها أكاديميون في جامعة إلينوي أن ارتفاع تكاليف الأسمدة سيؤدي إلى خفض دخل المزارع بواقع الثلث تقريبا بين 2021 و2022، حتى قبل بدء الحرب في أوكرانيا. في الولايات المتحدة، قالت إدارة بايدن إنها ستضخ أموالا في الإنتاج المحلي للأسمدة في محاولة لخفض التكاليف، لكن أي نتائج ستستغرق وقتا.
أدت أسعار الأسمدة المرتفعة إلى التحول إلى المحاصيل قليلة المتطلبات، كان المزارعون الأمريكيون يعتزمون زراعة 4 في المائة أقل من الأفدنة بالذرة هذا الربيع، مع تعزيز الأراضي لفول الصويا، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية.
بيرت فروست، نائب رئيس قسم المبيعات في سي إف إندستريز، وهي شركة منتجة للأسمدة مقرها الولايات المتحدة، قال الشهر الماضي إنها ستكون "لعبة خاسرة" للمزارعين لتجنب استخدام الأسمدة لتوفير التكاليف، لأن ذلك انعكس بالفعل على ارتفاع أسعار المحاصيل.
قال في مؤتمر صناعي استضافته شركة بي إم أو كابيتال ماركتس، "إذا كنت لا تستخدم الحد الأقصى من العناصر المغذية، فأنت لست ذكيا للغاية، لأن الذرة بقيمة ثمانية دولارات، والقمح بقيمة 12 دولارا، وفول الصويا بقيمة 16 دولارا. كل محصول يحتاج إلى النيتروجين أو أي عنصر مغذ له قيمة عالية وذات قيمة عالية لأن هناك حاجة ماسة إليه".
كما ارتفعت أسعار وقود الديزل الذي يستخدم في تشغيل الجرارات والحصادات وشاحنات الحبوب، حيث ارتفعت الأسعار الأمريكية في محطات التوزيع 70 في المائة في العام الماضي لتصل إلى مستويات قياسية فاقت 5.50 دولار للجالون.
قال بيركنز، من ألبرتا، إن المزارعين المحليين دفعوا نحو 16 دولارا كنديا "13 دولارا أمريكيا" مقابل لتر من الغليفوسات، وهو مبيد أعشاب في الأغلب ما يستخدم مع الكانولا والذرة وفول الصويا. في العام الماضي، تم بيع مبيد الحشائش، المعروف في الأغلب باسم العلامة التجارية راوند أب، بما يزيد قليلا على ستة دولارات كندية للتر.
في وسط إلينوي، إحدى أكثر مناطق الذرة وفول الصويا إنتاجا في العالم، من المتوقع أن ترتفع تكاليف مبيدات الآفات بمقدار الربع هذا العام مقارنة بـ2021، وفقا لدراسة أجرتها جامعة إلينوي. من المتوقع أيضا أن تقفز تكاليف إصلاح الآلات نحو 20 في المائة بسبب قيود سلسلة التوريد.
يأتي ضغط الأسعار مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض للمعدات ومدخلات المحاصيل.
في استطلاع نشر الشهر الماضي، قال أحد المصرفيين الزراعيين في جنوب غرب نبراسكا لباحثين في بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، "الجفاف وزيادة أسعار الأسمدة والمواد الكيماوية وتكاليف الوقود وارتفاع معدلات الفائدة هي الاهتمامات الرئيسة في منطقتنا".
من غير المحتمل أن يشعر المستهلكون مباشرة بالضيق الناتج عن ارتفاع تكاليف الإنتاج وحدها. قال محللون إن معظم الزيادة في أسعار المواد الغذائية مدفوعة بالتكاليف خارج المزرعة، بما في ذلك النقل والتعبئة. حصل المزارعون على 16 سنتا مقابل كل دولار ينفق على الطعام في 2020، وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية.
ارتفاع أسعار المحاصيل يعني أن عديدا من المزارعين سيكونون قادرين على تحمل التكاليف المرتفعة في الوقت الحالي. تشير التقديرات الأولية إلى أنه في حالة استمرار ارتفاع أسعار المحاصيل، فإن عوائد الذرة وفول الصويا ستنخفض عن العام الماضي، لكنها ستظل أعلى كثيرا عما كانت عليه في الأعوام السابقة.
قال جاري شنيتكي، الأستاذ في جامعة إلينوي في أوربانا شامبين، "إذا ظلت أسعار المحاصيل مرتفعة، سيمتص المزارعون هذه الأسعار ويحققون أرباحا. لكن في اللحظة التي تنزل فيها الأسعار (...) سنتوقع إلى خسائر كبيرة جدا. العائدات لا تزال موجودة، لكن المخاطر عالية".
مع ذلك، الوضع في أجزاء من العالم النامي أكثر خطورة. قد تجبر التكاليف المرتفعة بعض المزارعين في أمريكا الجنوبية وإفريقيا على ترك المحاصيل من غير أسمدة، أو التخلي عن الزراعة تماما.
قال سكوت، من ستاندرد آند بورز، "لن يتوقف المزارع الأمريكي عن زراعة المحاصيل بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة. لكن هناك أجزاء أخرى من العالم قد يكون من الصعب فيها زراعة المحاصيل".

الأكثر قراءة