سجناء الغرف
يقول بيتر فايس، "إن السجون الذاتية أبشع من أكثر الزنزانات صلابة".
أصبحت السجون الذاتية تتكاثر في بيوتنا كل يوم وتزداد صلابتها عن اليوم السابق. البعض يفقد الثقة في قدرته على هدم جدرانها وإخراج المسجونين منها، والبعض الآخر يراها فرصة لينشغل المسجونون فيها عن العالم المحيط، اعتقادا منهم أنها أقل ضررا، أما البقية فيستسلمون ويرضخون للأمر الواقع بدل عناء مواجهته. مساجين الغرف هم أبناؤنا وبناتنا الذين يمضون أغلب أوقاتهم في غرفهم الموصدة الأبواب، حيث يعيشون في عالم افتراضي لا يمت بصلة لعالمهم الحقيقي، يلتقون الغرباء ويعقدون الصداقات ويبوحون بالأسرار ويدخلون في دهاليز مظلمة تحت مسمى التعارف. يمارسون الألعاب الإلكترونية لساعات متتالية دون الانتباه للوقت الذي يمر ويقتات على صحة عقولهم وعيونهم وأعمدتهم الفقرية. سجناء الغرف تحدث بين أروقة جدرانهم حكايات غير قابلة للنشر فيعانون بخوف لكنهم لا يبوحون. سجناء الغرف يشعرون بعدم الارتياح حين تطول مدة بقائهم وسط الأسرة يتململون ثم ينسحبون بصمت نحو تلك السجون الذاتية التي يشعرون فيها بالانتماء والحرية بعيدا عن الأعين، كلما زادت مدة بقائهم وتجاوزت نصف اليوم، قلت فرص إرجاعهم بسلام إلى العالم الحقيقي. حين يشعر الأبناء بالارتياح في غرفهم فهذا أمر طبيعي، فكلنا كبشر نحتاج إلى الخصوصية أثناء اليوم، لكن أن تمتد فترات بقائهم في الغرف إلى أكثر من 12 ساعة بخلاف ساعات النوم، ما يجعل المتبقي من اليوم فقط أربع ساعات يقضيها الأبناء مع الأسرة، فلا شك أن الأمر مقلق ويبعث على التساؤل.
البعض ينتقد الكتاب لأنهم يطرحون المشكلات ولا يتحدثون عن الحلول، لا أعتقد أن هناك حلا جذريا لأي مشكلة في العالم مثل الحوار والإحساس بالمسؤولية تجاه من يفترض بنا أن نهتم لأمرهم. السكوت عن وضع مساجين الغرف هو إهمال سندفع ثمنه جميعا فيما بعد. في السابق كانت الجماعات الإرهابية تسيطر على الشاب من خلال عزله عن أسرته وتغذية عقله بالأفكار المنحرفة عقديا. اليوم تتم السيطرة على عقول مساجين الغرف تحت مسميات مغلوطة متداخلة في بعضها بعضا. صوت تلك الأم المفجوعة ما زال يرن في أذني وهي تقول بهلع، اكتشفت أن ابني الطالب في الصف الثاني ابتدائي يلعب مع رجل في الـ40 من عمره، وحاز ثقته إلى درجة أنه أصبح يخبره عن تفاصيل حياتنا وأسماء شقيقاته وأشقائه وأين نسكن.
وخزة:
تحرير مساجين الغرف مسؤوليتنا جميعا، قبل أن تلتهم عقولهم الأفكار المغلوطة.