قدرات اقتصادية وقوانين محفزة
يشكل الاستثمار الأجنبي المباشر أحد المتغيرات المؤثرة في تطور الدول ونموها ومؤشرا على انفتاح الاقتصاد وقدرته على التعامل والتكيف مع التطورات العالمية في ظل ظاهرة العولمة وسيطرة الشركات العابرة للقومية على التجارة الدولية، وتعد المملكة العربية السعودية من الاقتصادات المستشرفة للمستقبل، بما توفره من فرص غير مستغلة وفرص استثمار فريدة.
وقد جلبت آليات رؤية المملكة 2030 إلى الساحة الاقتصادية السعودية مزيدا من الدعم لكل القطاعات، وفي مقدمتها قطاع الاستثمارات الأجنبية الذي يشهد الارتفاع تلو الآخر، حتى في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة من جائحة كورونا. وهذا يدل على أن الحالة الصحية للاقتصاد الوطني في المملكة قوية في كل الظروف، لأنها تستند إلى أسس أثبتت مدى مناعتها في أوقات الأزمات، وفترات الازدهار.
والاستثمار الأجنبي عموما، يمثل محورا رئيسا في عملية البناء الاقتصادي، لأنه يصب في النهاية في واحد من أهم الميادين التي أوجدتها رؤية المملكة، وهو تنوع مصادر الدخل، بما يوائم مكانة وسمعة الاقتصاد السعودي الذي احتفظ - في الواقع - بقوته حتى في ظل الركود العالمي، وحافظ على تصنيفاته المرتفعة في الوقت الذي خسرت فيه اقتصادات حول العالم درجات لافتة في ساحة التصنيفات الائتمانية، بما فيها بعض الدول الناشئة والمتقدمة. ولأن الأمر كذلك، كان طبيعيا ارتفاع التراخيص الاستثمارية الأجنبية في السعودية بنسبة 1859 في المائة في الربع الأول من العام الجاري، في أعلى نمو لها منذ عام 2010. إذ بلغ إجمالي هذه التراخيص 9383 ترخيصا.
والقفزة أتت بقوة دفع من استراتيجية تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد، إلى جانب نجاح الجهود التي بذلت لتصحيح أوضاع مخالفي مكافحة التستر التجاري. وتعد هذه نقطة مهمة تدخل في سياق الحراك السعودي الدائم للوصول بالأداء الاقتصادي إلى أعلى مستويات من الجودة، والأهم للاحتفاظ بالمكاسب الوطنية المدعومة بالسمعة القوية جدا للاقتصاد المحلي بكل قطاعاته، سواء المتجددة، أو تلك التي أطلقت ضمن مسار التنفيذ المحكم للرؤية. فالبيئة الصحية التي تنعم بها الساحة الاقتصادية المحلية جلبت تدفقات استثمارية في كل المجالات، ما يفسر في الواقع حرص هذه الأموال على الوصول إلى السوق السعودية.
ومن الواضح أن الاستثمارات الأجنبية تمضي وفق المخططات الموضوعة لها، ليس فقط عبر ارتفاع حجمها ووتيرتها، بل من خلال تنوعها في مجالات وضعتها القيادة السعودية على سلم أولوياتها التنموية. وهذه المخططات تطرح العوائد تلو الأخرى. وبحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد"، ارتفع معدل الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية بنسبة 7.9 في المائة في النصف الأول من عام 2020، العام الذي اصطلح على تسميته عام الوباء، أي في عز الركود الاقتصادي العالمي.
وفي تلك الفترة الحرجة التي سادها عدم اليقين، انخفضت نسبة الاستثمار الأجنبي على المستوى العالمي 49 في المائة، فيما تتدفق هذه الاستثمارات على المملكة، في دلالة على متانة الاقتصاد المحلي.
من هنا، يمكن النظر إلى موجة ارتفاع التراخيص الاستثمارية الأجنبية في السعودية، وسط تزايد الجهات الاستثمارية التي ترغب في ضخ أموالها في ساحة توفر الحد الأعلى من العوائد، وتتمتع بسمعة مرتفعة القيمة، واستدامة يسعى إليها أي مستثمر، فضلا عن القوانين المتطورة الجاذبة للاستثمارات عموما التي تتسم بالمرونة وبسهولة فتح آفاق تصب في النهاية في مصلحة الأطراف المعنية بهذه الاستثمارات.
فالجودة تجعل السعودية بلدا يتمتع بالقدرة المستمرة على جذب الاستثمارات الأجنبية، بينما تتراجع على المستوى العالمي. ولذلك تدل كل المؤشرات على أن التراخيص الاستثمارية الأجنبية ستواصل النمو في الفترة المقبلة، بصرف النظر عن أي اعتبارات.