عاصفة التشفير ستجتاح الجميع

عاصفة التشفير ستجتاح الجميع

في الأعوام الأخيرة، قوبل التشفير الرقمي بما يسميه علماء الأنثروبولوجيا "علم الإنسان" أحيانا "الصمت الاجتماعي". قد يكون جزءا أساسيا من حياتنا، نعتمد عليه عند التعامل مع المصارف عبر الإنترنت، أو إرسال رسائل سرية، أو الاستفادة من الخدمات الصحية عن بعد. لكن معظمنا ليس لديه أي فكرة عن كيفية عمله بالفعل. التشفير أمر مسلم به ويتم تجاهله على نطاق واسع، ومن هنا جاء الصمت.
لكن الأسبوع الماضي، خلال إحدى المناقشات التي أجريت في المنتدى الاقتصادي العالمي مع خبراء في الحوسبة الكمية، أدركت أننا بحاجة إلى الاستماع بشكل عاجل إلى ما يقوله العلماء حول هذا الموضوع. التكنولوجيا القائمة على استغلال الخصائص الغريبة للحالات الكمية، تعد بأجهزة كمبيوتر قادرة على حل المشكلات المعقدة للغاية بطريقة أسرع كثيرا من الآلات التقليدية.
من المؤكد أن الحوسبة الكمية لا تزال في مراحلها الأولى. لكن إحدى الرسائل من مناقشة المنتدى الاقتصادي العالمي كانت واضحة تماما، عندما تنجح الحوسبة الكمية، ستكون قادرة على كسر أنظمة التشفير الحالية.
نعم، قرأت ذلك بشكل صحيح. ستكون حساباتنا المصرفية ورسائل البريد الإلكتروني والمعاملات الأخرى عرضة لخطر قراصنة الإنترنت. كذلك الأصول الرقمية، مثل البيتكوين، لأن جزءا كبيرا من البلوكتشين يعتمد على أساليب تشفير مماثلة. يقول جاك هيداري، عالم الأعصاب الذي تحول إلى رائد أعمال في مجال الحوسبة الكمية، "لسوء الحظ، تكسر الحوسبة الكمية نظامي التشفير آر إس أيه RSA وإي سي سي ECC اللذين يتم استخدامهما على نطاق واسع لنقل البيانات بطريقة آمنة وكذلك في البلوكتشين اليوم". بعبارة أخرى، قد يتمكن المهووسون الذين يتحكمون في هذه التكنولوجيا من الحصول على مفاتيح الخزائن المصرفية الخاصة بنا.
هل يجب أن نشعر بالذعر؟ ليس تماما. أخبرني جيريمي أوبراين، أستاذ الفيزياء السابق الذي تحول إلى رائد أعمال، أن الأمر قد يستغرق عقدا قبل أن يكون لدينا أجهزة حاسوب كمية عملية على نطاق واسع. هذا يعني أن لدينا الوقت للاستعداد. مثلا، يشير هيداري إلى أن نحو 40 حكومة اجتمعت لإنشاء اتفاقيات تكنولوجية جديدة لإثبات الحوسبة الكمية وستكشف عن خطة تمكننا من ترقية أنظمتنا في المستقبل وستنشئ دفاعات جديدة. يقول، "حقق نظام التشفير آر إس أيه نجاحا جيدا لمدة 40 عاما، لكننا الآن بحاجة إلى الانتقال إلى عالم ما بعد آر إس أيه. علينا أن نتحرك الآن بشكل عاجل".
حقيقة أن الأمر قد يستغرق أعواما للاستعداد لظهور الحوسبة الكمية يترك للمنظمين مثل فريك هايجمان، واحدة من صناع السياسة في هولندا، الوقت للتعلم من دروس من الماضي حول ما لا يجب فعله. مثلا، تأسف هايجمان على حقيقة أن تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي قد تم إطلاقها قبل أن يكون هناك نقاش أوسع حول كيفية استخدامها بطريقة أخلاقية. لكن الحوسبة الكمية في مراحلها الأولية، لذلك تعتقد أن "لدينا فرصة للقيام بذلك بشكل أفضل". تقول، "من المهم أن تناقش مع الجمهور ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا، لكن من المهم أيضا التفكير في الأخلاق".
إذا كان هناك نقاش عام كاف في وقت مبكر بما فيه الكفاية، فإن هايجمان على يقين بأننا سنكون قادرين على الاستمتاع بفوائد قوة الحوسبة المذهلة هذه، مع ترقية أنظمتنا بشكل جماعي لتقليل الخطر الذي يهدد التشفير في عالم ما بعد نظام آر إس أيه. تقول، "لقد أجرينا ترقيات تكنولوجية من قبل ويمكننا فعل ذلك مرة أخرى".
أحب أن أصدق أن هايجمان على حق. لكن من السهل تخيل سبب عدم حدوث هذا السيناريو المتفائل. حتى إذا كانت الحكومات الليبرالية، مثل هولندا، تريد اتباع نهج "محوره الناس" لتطوير الحوسبة الكمية، ليس هناك ما يضمن أن الدول الأخرى ستفعل الشيء نفسه. الصينيون، مثلا، يقودون العالم بالفعل من خلال تكنولوجيا وثيقة الصلة تسمى الاتصال الكمي، ولا أحد يعرف ما يخططون له بعد ذلك أو ما إذا كانوا سيوافقون على المعايير الأخلاقية مع الغرب.
حتى الحكومات ذات التفكير المماثل قد تكافح من أجل اتباع نهج مشترك لأن كثيرا من الابتكارات يقودها الآن القطاع الخاص بدلا من مجموعات القطاع العام التي دفعت الاكتشافات التكنولوجية السابقة، بما في ذلك شبكة الويب العالمية. هذا يثير القضية الأساسية المتعلقة بإمكانية الوصول. في الوقت الحالي، المختصون فقط لديهم فكرة عن ماهية الحوسبة الكمية أو ما يمكن أن تصبح عليه. هذا يعني أنه عندما تنضج هذه التكنولوجيا، يمكن أن تكون هناك قوة هائلة تتركز في أيدي عدد قليل من المهووسين، أو شركات معينة أو دول قومية.
هذا الأمر ليس مستغربا على الإطلاق مع الابتكارات العلمية، لكننا رأينا مخاطر ذلك تظهر في وادي السيليكون، ما دفع أليكس كارب، رئيس شركة بالانتير، إلى التأسف في 2020 على أن المجتمع "استعان بجهات خارجية" لاتخاذ قرارات أخلاقية كبيرة بشأن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكلف بها مجموعة صغيرة من التكنوقراط الذين لا يريدون تلك القوة ولا يستحقونها.
لا يحتاج العالم إلى أنظمة تشفير جديدة لعالم ما بعد خوارزمية آر إس أيه فحسب، بل يحتاج أيضا إلى مترجمين ثقافيين يمكنهم نقل ما يلوح في الأفق بعد ذلك. في تلك الحالة، قد لا يكون مزيد من التنبيه بشأن التشفير أمرا سيئا. الخوف وسيلة فاعلة لإقناع الجمهور بالانتباه إلى ما يحدث وسط حالة الصمت.

الأكثر قراءة