رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


استثمارات الرياضة .. الأثر والتأثير

بعد أن بدأت الرياضة كهواية، أصبحت الآن أحد أبرز الاقتصادات المنافسة لأنواع التجارة والصناعة حول العالم، حيث تجذب قطاعا كبيرا من رجال الأعمال وأصحاب الأموال من أجل الاستثمار فيها، وكذلك أصبحت تدر دخلا وفيرا للدولة عموما، بل تسهم في نمو الاقتصاد الوطني، فيما بات مفهوم الاستثمار الرياضي يدر عائدات ضخمة وصناعة اقتصادية مهمة، وأرضا خصبة لمختلف الاستثمارات.
عرفت صناعة الریاضة على المستوى العالمي نقلة نوعیة من حیث العوائد المالیة الضخمة المحققة من التظاهرات الریاضیة الدولیة، هذا مع ما واكبها من تطور في مفهوم الاستثمارات والاستحواذات، خاصة أن القطاع الریاضي یعد واحدا من القطاعات المغذیة لعدید من المجالات الاقتصادیة، خاصة تلك المتعلقة مباشرة بالنشاط الریاضي، فتأثیره واضح في القطاع السیاحي والبنیة التحتیة ومختلف الأنشطة الخدمیة، مثل قطاعات المواصلات والاتصالات، والإعلام والمطاعم والقطاع التجاري وغیرها من الأنشطة المستفیدة.
وعلى هذا المنوال ليست هناك حدود لارتفاع قيمة الاستثمارات في عالم الرياضة عموما، فهذا القطاع تحول منذ عقود إلى صناعة حقيقية، لها عوائدها وأرباحها وتأثيرها المالي والاجتماعي في آن معا.
ورغم أن عمليات الاستحواذ على الأندية الرياضية بدأت عمليا في الولايات المتحدة، إلا أن لأوروبا حصة كبيرة لا تتوقف عن الارتفاع، خصوصا في ظل وجود اقتصادات متقدمة قوية على طرفي المحيط الأطلسي.
وخلال العقود الماضية لم ينشط حراك الاستحواذات على الأندية فحسب، بل بلغ اندفاع الحكومات حول العالم لاستضافة المناسبات الرياضية الكبرى والمتوسطة، أعلى مستوى له، والسبب دائما أن مثل هذه المناسبات تدر الأموال أو لنقل عوائد الاستثمارات فيها، وتحريك عجلة النمو الاقتصادي، فضلا عن تعزيز مكانة هذه الدولة أو تلك على الساحة العالمية.
العوائد الاستثمارية من الاستحواذات على الأندية الرياضية كبيرة للغاية، ففي غضون 20 عاما مثلا قفزت قيمة نادي تشيلسي اللندني من 200 مليون جنيه استرليني إلى أكثر من أربعة مليارات جنيه.
والمسألة لا تتوقف عند زيادة القيمة المالية للأندية، بل تشمل أيضا أرباحا سنوية عالية قادمة من خدمات ومنتجات ورعايات وغير ذلك من الميادين الأخرى ذات الصلة، فضلا عن الإضافة التي توفرها لاقتصادات الدول التي تحتضنها من خلال فرص العمل، وتنشيط المبيعات في قطاعات الضيافة والسياحة والسفر عموما.
كل حدث رياضي له عوائده، فكيف الحال بأحداث رياضية تتصدرها نواد رياضية ذات سمعة عالمية عالية، ومكانة مالية قوية، وابتكارات تسويقية لا تتوقف، مع تدافع لا ينتهي من قبل الشركات الكبرى الباحثة عن توفير رعاية لهذا النادي أو ذلك.
وبحسب تقارير، تمثل عوائد كرة القدم في البرازيل مثلا 5 في المائة من إجمالي الدخل الوطني، في حين يصل حجم صناعة الرياضة في بلد كالصين إلى نحو 300 مليار دولار، والأندية الصينية تقوم عادة بشراء الأسهم في أندية كبرى في أوروبا. وتبلغ قيمة صناعة الرياضة في الولايات المتحدة أكثر من 73 مليار دولار، في حين جنت الدولة في 2016 نحو 217 مليار دولار كضرائب من هذا القطاع. كل هذا يكشف أهمية هذه الصناعة، ويرفع من وتيرة الاستحواذات التي تجري على الساحة الدولية للأندية بمختلف مستوياتها، بما فيها تلك الصغيرة التي يتم العمل عليها عبر الاستثمارات لرفع مكانتها المحلية والعالمية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن معظم هذه الاستحواذات تتم في أوروبا، حيث تمكنت بالفعل من تكريس الرياضة كصناعة محورية.
ولا شك أن الاستحواذ على ناد رياضي له جانب مهم جدا يدخل ضمن نطاق ما أصبح يعرف بالقوة الناعمة، أي يصل الملاك إلى المجتمعات التي تحتضن هذه الأندية، عبر أدوات رياضية تعزز التواصل البشري بأعلى مستوى من الأدوات الإنسانية، وفي هذا الإطار تم تحقيق نجاحات كبيرة على هذا الصعيد البعيد عن السياسة، فالعلاقات في ساحة مؤسسات المجتمع المدني أقوى بكثير من أي علاقات تقوم على أسس أخرى، لأنها أكثر استدامة. وخلال الأعوام الماضية ارتفع زخم الاستحواذات في مجال الأندية الرياضية، ولا سيما من جهات أجنبية، ولاقت هذه الجهات قبولا وترحيبا كبيرين من المجتمعات ذات الصلة، ومن مئات الآلاف من داعمي هذا النادي أو ذاك.
وعلى الجانب العربي كانت أول تجربة في هذا الميدان، شراء نادي فولهام الإنجليزي في منتصف التسعينيات بقيمة 30 مليون جنيه استرليني، وسجلت تجارب عربية أخرى ناجحة في ساحة الاستثمار، ويتوقع أن يزداد حجم هذه الصفقات مستقبلا، في الوقت الذي يصل فيه إلى أوروبا مستثمرون أمريكيون وصينيون وروس، كما يستحوذ رجال أعمال أمريكيون على نصف الأندية الإيطالية ويعد هذا رقما كبيرا، فيما كانت آخر صفقة استحواذ أمريكية تمت أخيرا على نادي "أيه سي ميلان" بطل الدوري للموسم الحالي بقيمة مليار و200 مليون يورو، وفي هذا الجانب يواصل الأوروبيون من مختلف دول القارة تفوقهم في جذب الاستثمارات للأندية العريقة. ولن تتوقف عمليات الاستحواذ على الأندية الرياضية حول العالم، فهي استثمارات لا تختص بالمال فقط، بل بالعلاقات الإنسانية والثقافية، والشعبية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي