العملات المشفرة .. واقع دائم أم موجة زائلة؟
منذ 16عاما، كنت كثيرا ما أمزح أن ما يحتاج إليه النظام المالي هو "أزمة جولديلوك" - صدمة كانت قوية بما يكفي لإجبار المستثمرين والمنظمين على الاستيقاظ ورؤية المخاطر المتضخمة في أسواق الائتمان، لكن ليست شديدة القوة لدرجة أن ينهار النظام بأكمله.
مع الأسف، في ذلك الوقت، لم تحدث تلك الأزمة قط. بدلا من ذلك، استمرت مشتقات الائتمان وقروض الرهن العقاري عالية المخاطر في الانفجار حتى أشعلت أزمة 2008 التي كادت أن "تحرق" النظام البيئي المالي "لولا وصول البنوك المركزية مع طفايات التسهيل الكمي".
لكن السؤال المثير للاهتمام اليوم، وسط طفرة ابتكارات مالية أخرى، هو ما إذا كانت لحظة جولديلوك قد وصلت الآن إلى الأصول الرقمية؟ لقد انفجر قطاع العملات المشفرة أخيرا بشكل كبير مثلما حدث في المشتقات الائتمانية من قبل - وكثير من المستثمرين جاهلون تقريبا بأساليب عمله مثلما كان الحال أيضا بالنسبة إلى التزامات الديون المضمونة في 2006.
لكن أخيرا شهدنا "واحدة من أكبر الكوارث التي شهدتها العملات المشفرة على الإطلاق"، كما اعترف أخيرا ران نيونر، أحد المتحمسين البارزين للعملات المشفرة. من الجدير بالذكر أن لونا وتيرا، وهما ما يسمى "العملات الخوارزمية المستقرة" ـ عملات رقمية مدعومة بأصول ـ قد انهارتا، ما تسبب في خسائر بقيمة 50 مليار دولار في ثلاثة أيام. أمر مؤلم.
يجادل بعضهم الآن "أو يأملون" أن تنهار العملات المشفرة تماما، لأن القطاع فشل في الوفاء بوعده بتقديم مخزن موثوق للثروة أو آليات دفع فاعلة حقا.
ربما يحدث هذا. إجمالي سوق العملات المشفرة البالغ تريليوني دولار تقلص بالفعل نحو 30 في المائة من حيث القيمة، وإذا وصلت الأزمة الآن إلى تيثر "العملة المستقرة" التي يبلغ حجمها 80 مليار دولار "وهو أمر ممكن تماما"، فإن هذا الحجم سيتقلص أكثر. لكن إذا كنت تعتقد "كما أفعل" أن ثورة التشفير لديها نواة من الأفكار القيمة المحتملة حول تكنولوجيا البلوكتشين، فمن الحماقة المطالبة بفرض حظر على النمط الصيني.
نعم، لطالما بدت لونا غريبة الأطوار، كما حذر خبراء التشفير المرموقون مثل أليكس ليبتون، أستاذ المالية، العام الماضي. لكن ليبتون ما زال يعتقد أن البلوكتشين يمكن أن تحول قطاعات مثل تداول العملات الأجنبية وأسواق الكربون، في حين أن بعض العملات الرقمية المدعومة بأصول لها استخدامات مدفوعة.
لذا فإن السؤال الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار هو ما إذا كان يمكن للاعبين الرئيسين وصناع السياسة الآن تبني الإصلاح للتخلص من السيئ، مع الاحتفاظ ببعض الخير؟ هل يمكن أن يحدث نمط جولديلوك؟ ليس واضحا حتى الآن. لكن هناك خمس قضايا رئيسة على المستثمرين مراقبتها لتحديد الإجابة.
الأولى، ما إذا كانت لغة القطاع تصبح أقل إرباكا أم لا. ضع في الحسبان "عملة مستقرة". تستخدم هذه العبارة حاليا لتسويق مجموعة من الممارسات المختلفة، بدءا من العملات الرقمية الخوارزمية "التي هي في الحقيقة أقرب إلى المشتقات الاصطناعية" إلى عملة يو إس دي سي، وهي "عملة مستقرة" مرتبطة بدولار الولايات المتحدة "تشبه إلى حد كبير البنوك الضيقة المصغرة". يحتاج هذا التعتيم إلى تغيير.
ثانيا، يحتاج المنظمون إلى توسيع نطاق الرقابة. في أمريكا يتم الإشراف على الرموز التي تعمل مثل المشتقات غير التقليدية أو الصناديق المشتركة من قبل لجنة تداول السلع الآجلة أو لجنة الأوراق المالية والبورصات. تتم مراقبة العملات التي تعمل مثل البنوك الصغيرة بشكل أفضل من قبل مكتب مراقب العملة. "الدائرة، التي تصدر عملات يو إس دي سي، تجري الآن مناقشات نشطة مع مكتب مراقب العملة لهذا الأمر بالتحديد".
ثالثا، إذا تدخل المنظمون، فيجب أن يطلبوا من مصدري العملات الرقمية المدعومة بأصول تقديم بيانات مفصلة ومدققة حول أصولهم، وفرض متطلبات احتياطي كبيرة. هذا يبدو واضحا. لكن هذا ليس ما فعلته تيثر، أكبر مصدر للعملة الرقمية المدعومة بأصول.
رابعا، يجب على المنظمين مطالبة بورصات العملات المشفرة بدعم معايير الإدراج الأساسية.
وأخيرا، هناك حاجة ماسة إلى الوضوح بشأن الوصاية، نظرا إلى أن التبادلات لا تعمل فقط كمنصات لإبرام الصفقات، لكنها في الأغلب ما تحتفظ بأصول العملاء أيضا.
تركيز القوة هذا الذي كثيرا ما يتم تجاهله، يسخر من شعار اللامركزية الذي يفترض أنه يقود حلم التشفير "وكما أشرت أخيرا، هو مجرد تناقض واحد في أساطير إنشاء هذا القطاع".
لكنه يوجد أيضا مخاطرة عملية، قد يؤدي الفشل إلى إثارة الذعر في السوق. بعض الولايات القضائية الصغيرة غير الأمريكية لديها قواعد وصاية تحمي المستثمرين في حالة إفلاس البورصة. ليس الأمر كذلك على المستوى الفيدرالي في أمريكا. هذا بالتأكيد يحتاج إلى التغيير.
لقد تم فرض مبادئ مماثلة على مجالات الابتكار الأخرى من قبل. في الواقع، تم وضع كثير بوضوح في تقرير صادر عن مجموعة عمل معنية بالأسواق المالية منذ سبعة أشهر طويلة، دعا إلى تشريع "عاجل" لمعالجة المخاطر المتزايدة.
لكن منذ ذلك الحين، فشل الكونجرس بشكل ملحوظ في التصرف. على الرغم من حقيقة أن هذا من المواضع النادرة التي تكون محل اهتمام الحزبين. يتجاهل معظم مشغلي التشفير السائد المشكلات أيضا. مثلا، على الرغم من تغريم مصدر تيثر لارتكاب مخالفات محاسبية، استمر المستثمرون في استخدام العملة.
من هنا أتى سؤال جولديلوك. إذا ردت الصناعة وصانعو السياسات الآن "متأخرا" على تعرضهم للانهيار من خلال تقديم إطار عمل معقول، فسيكون العالم أخيرا قادرا على معرفة ما إذا كان التشفير يمكن أن يصبح شيئا واقعيا مع استخدامات حقيقية. إذا لم يكن الأمر كذلك، فتوقع مزيد من الفضائح والصدمات وألم المستثمرين. في رأيي، لا تزال هيئة المحلفين خارج نطاق السيناريو الذي سيسود.