الحرب تشن على صحوة الرأسمالية
ينبغي أن يكون اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الأسبوع الماضي في دافوس انتصارا لمضيفه، كلاوس شواب.
بعد نحو نصف قرن من إطلاق الخبير الاقتصادي لاجتماعاته في سويسرا لقادة العالم والمسؤولين التنفيذيين ومختصي المال، بدا أن اعتقاده بأن الشركات ينبغي أن تخدم جميع من ينتمون لها بالقدر نفسه قد ساد على الفكر القديم القائل إن الشركات موجودة فقط لتحقيق أرباح لأصحابها.
في كتاب تم عرضه مجانا على الطاولات، أعرب شواب ومؤلف مشارك عن ثقتهما بأن رؤيته "لرأسمالية أصحاب المصلحة" قد تم "إثباتها" أخيرا.
لكن كثير من المندوبين في "دافوس" بدوا أقل ثقة، حتى مع انتقالهم بين اللجان للإعلان عن التزامات بخفض انبعاثات الكربون والحفلات التي تحشد الدعم لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وشعروا بالقلق على نحو متزايد من أن مبادئ رأسمالية أصحاب المصلحة – والاتجاه الاستثماري المرتبط بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الذي نشأ معها – موضع انتقاد السياسيين الشعبويين والمعارضين لصناعة التمويل ومجموعة مختلفة من النشطاء عما تخيلها شواب.
كان أحد دوافع مخاوفهم هو خطاب ألقي الأسبوع الماضي في مؤتمر لـ"فاينانشال تايمز" في لندن. في الخطاب، انتقد ستيوارت كيرك، رئيس الاستثمار المسؤول في شركة إتش إس بي سي أسيت مانجمينت، الإجماع على أنه ينبغي للمستثمرين محاولة تشجيع رأسمالية أكثر مسؤولية بيئيا من خلال وضع مخاطر المناخ في حساباتهم.
قال إن تغير المناخ ليس ببساطة "خطرا ماليا يجب أن نقلق بشأنه". تناقض هذا الجدل مع المواقف العامة التي تبناها مصرف إتش إس بي سي والمصارف الأخرى لدرجة أنه تم تعليق عمل كيرك سريعا. لكنه عكس رغبة متزايدة في التشكيك في الحكمة السائدة في دافوس وغيرها من معاقل الرأسمالية الجديدة.
المتشككون
إن نقد كيرك لأحد المعتقدات الأساسية لصناعة الصناديق المستدامة التي تبلغ قيمتها نحو ثلاثة تريليونات دولار ليس انتقادا منفردا. وصف إيلون ماسك، الذي يمكن القول بأنه أبرز رأسمالي في هذا العصر، الأسبوع الماضي، الاستثمار المستدام على أنه "احتيال" بعد إزالة شركته تسلا، مصنعة للسيارات الكهربائية الرائدة، من مؤشر المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة التابع لـ"إس آند بي". كانت الدرجات التي تمنحها هذه المؤشرات تعتمد على مدى امتثال الشركة "للأجندة اليسارية"، كما زعم في نكتة شاركها على منصة "تويتر".
حتى أن بعض المطلعين السابقين على الصناعة أبدوا انتقادهم علنا وصوروا المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة على أنها مجرد "تمويه أخضر". يصف الآن طارق فانسي، رئيس الاستثمار السابق المختص في الاستثمار المستدام في شركة بلاك روك، الاستثمار المستدام بأنه "دواء وهمي خطير". تقول ديزيريه فيكسلر، الرئيسة السابقة للاستثمار المستدام في شركة دي دبليو إس لإدارة الأصول، المدعومة من دويتشه بانك، إن اختصار "إي إس جي" (المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة) أصبح بلا معنى.
دفع مثل هذا التشكيك المسؤولين لفرض أنظمة أكثر تطلبا. تعد هيئة الأوراق المالية والبورصة لوائح لتضييق الخناق على أوراق اعتماد المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في المنتجات الاستثمارية ويحدد "تصنيف التمويل المستدام" في الاتحاد الأوروبي الآن ما يعد أخضر.
الشخص الآخر الذي يقلق المندوبين في "دافوس" هو رون ديسانتيس، الحاكم الجمهوري لفلوريدا الذي يتصارع مع شركة ديزني حول مشروع قانون للحد من تدريس بعض المواد في المدارس الابتدائية العامة في الولاية. تسببت شهية الحاكم الشعبوي لخوض معركة مع الرئيس التنفيذي لـ"ديزني"، بوب تشابك، في إثارة قلق كثير من المسؤولين التنفيذيين، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن ديسانتيس ليس حالة شاذة في حزب لا يزال يجتذب أغلبية التبرعات السياسية التي تقدمها الشركات الأمريكية.
في الأسابيع الأخيرة، قدم سناتور فلوريدا ماركو روبيو تشريعا للسماح للمستثمرين بمقاضاة الشركات التي تتجنب زيادة عوائد المساهمين، ووقع المرشح الرئاسي السابق ميت رومني على خطاب يقول إن درجات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة "تسيس" التصنيف الائتماني لمؤشر إس آند بي، وهاجم نائب الرئيس الأمريكي سابقا مايك بنس مبادئ هذه المعايير ووصفها بأنها "ضارة".
إنهم يتضافرون الآن، مع النشطاء المحافظين الذين يحشدون أصوات الاحتجاج بأعداد قياسية في الاجتماعات السنوية، لإعادة تصنيف المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ورأسمالية أصحاب المصلحة على أنها جوفاء ومنافقة، بل ضارة، حتى: "صحوة الرأسمالية".
بالنسبة لفيفيك راماسوامي، رجل أعمال ومؤلف محافظ، فإن رد الفعل العكسي هذا هو رد فعل طال انتظاره على تجاوزات النخبة. هذا الشهر، جمع أكثر من 20 مليون دولار من المستثمر التكنولوجي الليبرالي بيتر ثيل وآخرين لمجموعة استثمارية مناهضة للاستثمار المستدام، معلنا أنها ستستثمر في أسهم النفط والغاز التي يتجنبها مديرو الأصول الكبار بشكل متزايد.
يقول، "لقد عملت على هذا لأكثر من عامين وشعرت أنني كنت أحاول تحقيق شيء ما رغم المقاومة الشديدة لجزء كبير من ذلك الوقت". الآن، رغم ذلك، "تغيرت الأمور".
تغيير الأمور
بعد الأزمة المالية في 2008، وجد قادة الأعمال والتمويل العالي أنه ينظر إليهم على أنهم "الأشرار في المجتمع الأمريكي"، حسبما قال راماسوامي، وتزامنت رغبتهم في استعادة سمعتهم مع تعطش الموظفين الشباب لإيجاد هدف أسمى في أماكن عملهم.
يجادل، "الشركات اغتنمت هذه الفرصة لتعليم هذا الجيل أن طريقة سد هذا التعطش هي الذهاب إلى متاجر بين آند جيري وطلب الآيسكريم مع فنجان من الأخلاق جانبا"، في إشارة إلى العلامة التجارية المملوكة لشركة يونيلفر التي دعمت حركة حياة السود مهمة.
يجادل بأن الخطر من هذا النوع من النشاطية هو أنه مع ارتفاع أصوات الشركات، تبدأ "مجموعة صغيرة من نخب الشركات الفاعلة" في "تحديد ما هو مناسب للمجتمع ككل".
يجادل راماسوامي بأن تحديد النضال الثقافي والسياسي في عصرنا ليس بين اليسار واليمين، بل "بين الطبقة الإدارية والمواطن الحديث (...) إنه تجسيد لما حدث في 1776 في أمريكا".
بينما تظهر استطلاعات الرأي انخفاضا حادا في ثقة الجمهوريين في الشركات الكبرى، يعمل النشطاء اليمينيون على عكس كثير من التغييرات التي تم إجراؤها تحت راية الاستثمار المستدام ورأسمالية أصحاب المصلحة.
في الشهرين الماضيين، أقنعت مجموعة ضغط محافظة محكمة في كاليفورنيا بإلغاء قانونين للولاية كانا سيفرضان حصصا للتنوع في مجالس إدارة الشركات. في اجتماعاتهم السنوية، تعرض الرؤساء التنفيذيون من جولدمان ساكس إلى "ميتا" لضغوط من مجموعات المساهمين المحافظين بسبب تبرعاتهم للجهات الخيرية أو سياسات المساواة العرقية. تقول إحدى هذه المجموعات، "فري إنتربرايز بروجيكت"، إنها تحاول إنقاذ الشركات الأمريكية من "الأسس الاشتراكية للصحوة".
لعدة أعوام، شعر المسؤولون التنفيذيون بالتشجيع بسبب ضغوط موظفيهم وعملائهم (ومن خلال استطلاعات الرأي التي تظهر أن الشركات موثوق بها أكثر من الحكومات أو المجموعات غير الهادفة للربح أو وسائل الإعلام) لاتخاذ مواقف عامة بشأن موضوعات كان من الممكن أن يتجنبوها.
مرة أخرى هذا العام، سمع حضور "دافوس" من "إدلمان"، شركة علاقات عامة أمريكية تجري استطلاعات من هذا القبيل، أن معظم الناس يعتقدون أن الرؤساء التنفيذيين تقع على عاتقهم مسؤولية التحدث عن القضايا مثل تغير المناخ والتمييز.
لكن الدراسات الأكاديمية الحديثة تظهر أن الحسابات وراء اتخاذ هذا النوع من المواقف الاجتماعية الليبرالية، التي يمكن أن تصف الرأسمالي بأنه "صحوي"، هي أكثر تعقيدا.
تقول فانيسا بوربانو، أستاذة في كلية كولمبيا للأعمال التي درست رد فعل الموظفين في الشركات التي اتخذت مواقف تجاه "مشاريع قانون دورات المياه" في 2017، "يشير بحثي إلى أن رد الفعل العكسي أكبر من الفائدة".
وجدت أن الرؤساء التنفيذيين الذين اتخذوا موقفا بشأن هذه القضية جعلوا الموظفين الذين اختلفوا معهم يشعرون بالإحباط، في حين لم يحفزوا الموظفين الذين يتفقون معهم بشكل ذي قيمة. وخلصت إلى أن إبداء الرأي في القضايا الخلافية سياسيا هي في الواقع "مسألة أكثر خطورة مما يدركه كثير من الناس".
يبدو أن بعض الشركات تدرس بالفعل مثل هذه المخاطر عند اتخاذها قرارا بشأن تدخلاتها السياسية. وجد سوارنوديب هومروي، أستاذ المالية المساعد في جامعة جرونينجن، أن الشركات كانت أكثر ميلا لتعليق التبرعات للجمهوريين المنحازين للجهود المبذولة لمنع فوز جو بايدن في انتخابات 2020 إذا كانوا مقيمين في ولايات ذات ناخبين منقسمين للغاية. وقد كانت أقل احتمالا لفعل ذلك إذا واجهت مخاطر سياسية مثل فرصة خسارة العقود الحكومية. يقول هومروي، "إنهم يميلون لاتخاذ مواقف سياسية عندما لا يكون هناك مقايضة بين المساهمين أو أصحاب المصلحة".
"استلت السكاكين"
في "دافوس"، تحدث الرؤساء التنفيذيون الأمريكيون عن رغبتهم في تشجيع "المختصين العمليين في حل المشكلات" في الكونجرس، لكن أحدهم اشتكى بشكل خاص أنه لا يرى الآن "أحدا في قلب" المشهد السياسي المنقسم على نحو متزايد.
يقول بوربانو إنه من المرجح أن يحول هذا الانقسام مزيد من الرؤساء التنفيذيين إلى ممثلين في المعارك الاجتماعية التي يشعر موظفوهم بحماسة حيالها. إن احتمالية إنهاء المحكمة العليا الأمريكية لحقوق الإجهاض الفيدرالية، وتجدد الجدل حول ضبط الأسلحة بعد إطلاق النار الجماعي في مدرسة في أوفالدي في تكساس الأسبوع الماضي، ورغبة السياسيين في تنشيط الناخبين في الفترة التي تسبق انتخابات النصفية لتشرين الثاني (نوفمبر)، كلها تشير إلى أن سخونة الجو السياسي ستشتد.
يقول بوربانو، "بدأ الموظفون يدركون أن قادتهم يواجهون خيارا بشأن ما يجب قوله وفعله، وأنه يمكنهم التأثير في ذلك بطريقة لم يفعلوها قبل خمسة أعوام".
ردد بول بولمان، الرئيس السابق لشركة يونيليفر، هذا الرأي في منشور حديث على منصة لينكد إن. قال فيه، "لقد فقد الكثيرون الثقة في السياسة لتمثيل آرائهم وتأمين مستقبلهم. لذلك فإنهم يتجهون إلى قوة الشركات بدلا من ذلك". حذر بولمان أنه من خلال فعل ذلك، فقد تركوا قادة الأعمال "عالقين بشكل متزايد بين الموظفين والسياسيين". في حين لم يكن لديه شك في أن المسؤولين التنفيذيين ينبغي أن يقفوا إلى جانب موظفيهم، أضاف أن هذه المرة كانت إهانات "الصحوة" من الجمهوريين تبدو مختلفة. وكتب، "استلت السكاكين".
على الرغم من جميع شكوكهم بشأن دوافع منتقديهم، فإن بعض المدافعين عن طرق أكثر استدامة لممارسة الأعمال التجارية يعترفون بقيود الاستثمار المستدام، الطموحة في نطاقها بقدر غموض تعريفها.
كتب ريتشارد سامانز من منظمة العمل الدولية وجين نيلسون من كلية كينيدي في جامعة هارفارد على موقع المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع، "التنفيذ الضعيف أو غير المتسق هو موضع انتقاد".
تقول ليدي لين فورستر دي روتشيلد، مؤسسة "ائتلاف الرأسمالية الشاملة" الذي يجمع مجموعة مؤثرة من المديرين التنفيذيين الذين يركزون على أصحاب المصلحة، "أخشى حقا أن يكون هذا مجرد كلام دون فعل (...) أصبحت المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة من فئة الأصول اللازمة لملء الخانات إلى حد كبير".
من جانبه، يعتقد هومروي أنه لن يكون أمام الشركات خيار سوى أن تصبح أكثر مسؤولية بيئيا، لكنه يشك أيضا في أن التزامها بنوع الناشطية الاجتماعية الذي قد يعرضها لموجات الانتقاد قد يكون في ذروته.
لا يزال معظم مندوبي "دافوس" مقتنعين بالفرصة التجارية التي تمثلها على الأقل المعايير البيئية. تبشر الحاجة إلى تمويل التحول إلى تكنولوجيات منخفضة الانبعاثات بما أطلق عليه مستشارو "ماكنزي" "أكبر إعادة تخصيص لرأس المال في تاريخ البشرية". يعتقد بعض أيضا أن وضعهم الاجتماعي الجديد يساعد على جذب المواهب والاحتفاظ بها.
في الوقت الراهن، تقول دي روتشيلد، إن كثيرا من المديرين التنفيذيين يشعرون بالحيرة من موجات الانتقاد على تجاربهم مع نوع مختلف من الرأسمالية، وليسوا متأكدين متى قد يتعرضون للهجوم في المرة المقبلة.
تضيف، "لا تعرف أبدا متى سيسقط البيانو على رأسك عندما تسير في الشارع". ولا من سيدفعه.